رغم محاربته ومحاولات تشويهه
حجاب السيدة الزهراء(ع) وملامح شخصيتها قدوة لنساء العالم
الوفاق / خاص
زينب فهدا*
في العشرين من جمادى الثّانيّة أعلن الإمام الخميني (قدس) يوم ولادة الزهراء(ع) يوماً عالميًّا للمرأة؛ فقد مثّلت السيدة الزهراء(ع) التي تربّت في بيت النّبوة، ونهلت من منبع الإمامة أشرف ما في المرأة من كرامة وقداسة وعفّة. ولذلك فإنّ الإحياء الحقيقي لذكرى ولادة الزهراء(ع) يتجسّد في صون المرأة المسلمة ملامح هذه الشّخصيّة العظيمة في كلّ أبعادها الإنسانيّة والاجتماعيّة والتّربوية والدينيّة ولا سيّما الحفاظ على العفة والحياء والحجاب الذي ترتضيه بضعة رسول الله (ص)، والذي ظهر جليًّا في كلمات الأئمة (ع)، ووصايا الشّهداء وكل من كان يعشق بنت رسول الله (ص) في بقاع الأرض. روي عن أمير المؤمنين (ع) أنّه استأذن أعمى على فاطمة(ع) فحجبته فقال رسول الله (ص) لها: "لم حجبتيه وهو لا يراك؟ فقالت: إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح فقال رسول الله(ص): أشهد أنّك بضعة مني".
ميراث الزهراء (ع)
جاء في الروايات الشّريفة أنّ السّيدة الزهراء(ع) كانت تستقبح ما يُصنع بالنّساء عند الموت من شدة حرصها ومحافظتها على سترها، حيث قالت لأسماء بنت عميس: " إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنّساء، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقلت: يا بنت رسول الله (ص) أنا أصنع لك شيئا رأيته بأرض الحبشة، قالت: فدعوت بجريدة رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة(ع): ما أحسن هذا وأجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل" ، وقد أوصت أمير المؤمنين (ع) بأنّ يصنع لها نعشُا تُوضع في داخله، بحيث لا يُرى تفاصيل جسدها الطّاهر"أوصيكَ يا بنَ عم أن تتّخذَ لي نعشاً، فقد رأيتُ الملائكةَ صوّروا صورتَه، فقالَ لها: صفيه إليّ، فوصفَته، فاتّخذَه لها، فأوّلُ نعشٍ عُمل في وجهِ الأرضِ ذلك". فكانت(ع) عفيفة نقيّة حتّى في مماتها، وهذا النّهج الفاطمي انعكس في تربيتها لابنتها زينب(ع) التي ارتدت رداء العفاف والحشمة من صغرها، وتذكر المصادر التاريخيّة أنّ السيدة زينب(ع) كلّما أرادت زيارة قبر جدها رسول الله (ص)، كانت تزوره ليلاً، مع أبيها أمير المؤمنين وأخويها السّبطين(ع)، حيث كان أبوها (ع) يُطفىء الشّموع المضاءة في أطراف القبر عندما تصل، وفي أحد الأيام سأل الإمام الحسن(ع) عن سبب هذا الأمر، فأجابه الإمام(ع): "أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب(ع)".
الزهراء (ع) في فكر الإمام الخميني (قدس)
إنّ ولادة مفجّر الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة روح الله الموسوي الخميني (قدس) في اليوم نفسه الذي ولدت فيه سيدة نساء العالمين (ع)، أَسَر كيانه، وألهب قلبه، فسطّر في حقها أعذب الألفاظ، وأجمل العبارات الدالة على رفيع مكانتها، وعظيم شأنها، بحيث شكّلت كلماته في حقها بحراً من المعرفة التي تروي عطش البشريّة وتنعشها.
عندما نقرأ خطب الإمام (قدس) ندرك أنّ علاقته بالسّيدة الزهراء(ع) كانت علاقة استثنائية، تملأ كل وجوده وكيانه، وهو القائل: "لم تكن الزهراء(ع) امرأة عادية، كانت امرأة روحانية، امرأة ملكوتية، ولو كانت رجلاً لكانت بمقام رسول الله (ص)"، ولذلك سمي يوم ولادتها يوم المرأة المبارك كما يراه الإمام (قدس)، " أبارك للشعب الإيراني العظيم لا سيّما النّساء المحترمات يوم المرأة المبارك، إنّه يوم شريف للعنصر المتألق الذي هو أساس الفضائل الإنسانيّة والقيم السّامية لخليفة الله (عزّ وجلّ) في الأرض، وما هو أكبر بركة وأعظم قيمة هذا الاختيار الموفق للعشرين من جمادى الآخرة ذكرى ميلاد المرأة المفخرة، مفخرة الوجود ومعجزة التّاريخ، يومًا للمرأة". فقد أراد الإمام (قدس) أن يلفت النّظر إلى أهمية المرأة ودورها الأساس في المجتمع، والذي تجسد بالسّيدة الزهراء(ع) بأبهى صوره. فقد غدت ذكرى مولد الزهراء(ع) ميلاد امرأة بكل ما تحمله كلمة المرأة من معنى إيجابي. ولذلك كانت ملامح المرأة المؤمنة الإيرانيّة هي ملامح السّيدة الزهراء(ع)، في سترها وحجابها وعفتها، وفي دفاعها عن دينها وأحكام شريعتها، وفي مواجهتها الطّغيان، وتحدّي الظّلم، فإنّ سلوك المحجبة يكون أكثر أهميّة في الدلالة على فهمها لدورها كمسلمة، لذلك جسّدت النّساء الإيرانيّات ملامح هذه الشخصيّة المباركة في ميادين مختلفة، ومجالات متعددة ثقافيّة، وفنيّة، وتربويّة، واجتماعيّة بل وحتّى رياضيّة فتألقت وتصدّرت أعلى المراتب، وما نشاهده من لباس للمرأة الإيرانيّة ونلحظه ينمّ عن امتثالٍ لمّا أقرّته الشّريعة الإسلاميّة من أحكامٍ وظوابطٍ شرعيّة لموضوع اللباس والسّتر، ولا سيّما أنّ الإسلام لم يُقيده بلباسٍ معين، بل حدّد ضوابط وصفات شّرعيّة للحجاب، بحيث يمكن للمرأة أنّ ترتدي ما تشاء ضمن هذه الأطر؛ يغطي جسدها، ولا يصف ما بداخلها، فضفاضًا واسعًا. وكل ما هو خارج عن إطار هذه الضّوابط يندرج تحت ما يُسمى في عصرنا بحجاب الموضة المنافي لأحكام الشّريعة والمغاير لها. وقد أشار(قدس) في كلمة ألقاها بمناسبة يوم المرأة إلى أنّ "الأفلام المغرضة المسمومة، وأحاديث الخطباء الجهلة، حولت المرأة في الخمسين عاماً السّوداء من الحكم البهلوي الخبيث، إلى مجرد سلعة، وقد عملوا على جر النّساء اللاتي كن على استعداد للتأثر بهذه الأجواء، إلى أماكن يعف القلم عن ذكرها، فليعد من يرغب في الإطلاع على جانب تلك الجرائم، إلى الصحف والمجلات وأشعار الأوباش والأراذل في عهد "رضا خان" بدءاً بفترة إجبار النّساء على السّفور والتّخلي عن الحجاب الإسلامي فصاعداً".
رمزية السيدة الزهراء (ع)
لقد كانت السّيرة العظيمة للسّيدة الزهراء (ع) وملامح شخصيتها حاضرة في ساحات الجهاد، فكانت صيحات المجاهدين في بقاع الأرض في العراق، وسوريا، ولبنان واليمن تعلو بنداء يا زهراء، وقد جاء في بعض وصايا الشّهداء، ومنهم شهداء المقاومة الإسلامية الذين استشهدوا على طريق القدس التّأكيد على ضرورة السّير على خطى الزهراء(ع)، والحفاظ على الحجاب، وهذا يُبين حجم المسؤوليّة الملقاة على عاتق الأخوات المؤمنات، حيث جاء في وصية أحد الشّهداء إلى ابنته: "لقد أسميتك فاطمة تيمّناً بسيِّدتنا ومولاتنا المظلومة فاطمة الزهراء(ع)، ولتعلّقي الشّديد بها وبمظلوميّتها، فكوني -يا حبيبتي- كما تريدكِ الزهراء (ع)"، وفي وصية الشّهيد محمد جوني لأخته زهراء " زهراء يا أختي تذكري أنّ ما حلّ بسيدة نساء العالمين (ع) إنّما حلّ بها لأنّها أرادت أن تحافظ على سترها وتحافظ على حجابها، فزينة الفتاة حجابها، زينة الفتاة عفتها، تذكري جيدًا ولا تنسي فأسمك أيضًا زهراء". ومن وصية الشّهيد مسلم النصر: " زوجتي وابنتي العزيزة، حافظا على حجابكما فإنّه ميراث السيدة الزهراء عليها السلام".وفي ذلك إشارة إلى أنّ حفظ الحجاب هو حفظ لإرث الشهداء العظام، ولإرث فاطمة(ع). وحري بكلّ إمرأة تنتمي إلى الزهراء(ع) أن تكون بمستوى يليق بانتمائها، لذلك ما نراه من المسلمات في العالم الغربي من إعلاءٍ للصّوت ورفض القرارات التي تتخذها الدول الغربيّة من منع ارتداء الحجاب في المدارس أو الجامعات دليل على ما تمتلكه هذه النّساء من إرادة قوية في الدفاع عن عفتها وحجابها، فقد تظاهرت عشرات النّساء في فرنسا وألمانيا للمطالبة بإلغاء قانون حظر الحجاب في المدارس الحكوميّة.
إنّ المتأمل في صورة المرأة المسلمة في بقاع الأرض، يُدرك أنّه على الرّغم من كلّ محاولات التّشويه والتّفريغ للحجاب من مضمونه الحقيقي من قبل المجتمعات الغربيّة، أو غيرها ممّن تأثرن بها، تحت مسمى اتباع الموضة، أو القمع، يبقى حجاب الزهراء(ع) وملامح شخصيتها قدوة لنساء العالم ورمز لهنّ، ويكفي أن نلقي نظرة على الحشود من النّساء أثناء مشاركتهن في الانتخابات السّياسيّة أو إحياء المناسبات الدينيّة وغيرها لندرك هذه المسألة سواء في لبنان أو اليمن أو سوريا أو إيران والعراق، حيث تشارك المرأة بحجابها وكامل سترها لتقول كلمة الحق.
كما أن الصّور التي تتناقلها وسائل الإعلام المرئية ومواقع الّتواصل الاجتماعي أخيرًا للأحداث التي تجري في غزة، وما يتضمنها من صور الصّمود للنساء الفلسطينيّات في قطاع غزة وارتدائهن لكامل ثيابهن وهن يجلسن بانتظار الشّهادة؛ لكي لا تُكشف أجسادهن بعد الموت، أو ما رأيناه من طلب إحدى النّساء أثناء اخراجها من تحت الأنقاض لقطعة قماش تغطي بها شعرها المكشوف، أو رفض فتاة صغيرة أن يأخذ المصور لها صورة وهي تقول له: عمو لا تصورني فأنا بلا حجاب، يؤكّد عدم تساهل المرأة المسلمة في أمر حجابها، الذي فرضه الباري (عزّ وجلّ) في محكم كتابه الشّريف في الآية 59 من سورة الأحزاب: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.وقد دفع صمود نساء غزة وتمسكهن بشريعتهن الإسلاميّة إلى دخول بعض النساء الأجنبيات إلى الإسلام سواء في أمريكا أو الدول الأوروبيّة. وهكذا تبقى الزهراء (ع) نموذجًا للقوّة والصّبر والتّضحية، والعطاء في كلّ زمانٍ ومكانٍ.
* كاتبة متخصصة
في الشؤون الإسلامية