في ذكراها الرابعة والثلاثين
رسالة الإمام الخميني (قدس) إلى غورباتشوف عالمية صالحة لكل زمان ومكان
الوفاق / في الأول من كانون الثاني/ يناير من العام 1989 م دعا الإمام الخميني (قدس)، عبر رسالة تاريخية، زعيم الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إلى الإسلام من أجل التغلب على مشاكل الشيوعية وتجنب الوقوع في أحضان الإمبريالية، حاثاً إياه على التفكير في قضية وجود الله (عز وجل)، وعلى التعرف إلى النظام الإسلامي الذي يحمل الحلول للمشاكل البشرية كافة، وحملت الرسالة دعوة الى التوقف عن محاولة محو الهوية الاسلامية لمواطني جمهوريات آسيا الوسطى ، ومبيناً له خطورة الانجرار إلى النظم الرأسمالية التي تعاني هي الأخرى من مشاكل لا تقل خطورة عما يعاني منه النظام الاشتراكي نفسه. وفي الرسالة نفسها، قدم الإمام الخميني (قدس) التحليل الأكثر عمقاً للتطورات الراهنة في الاتحاد السوفياتي وفسره على أنه "صوت كسر عظام الشيوعية". وأرفقها بتنبؤ آخر مع تحذيرات موثقة، تدل على براعة الإمام الخميني (قدس) في تقييم الأوضاع السياسية العالمية في ذلك الوقت. فقد حذر بوضوح من أن الروس يتجهون نحو حديقة الرأسمالية الغربية الخضراء على ما يبدو متأثرين بالخداع الأمريكي. وقد جذبت رسالة الإمام(قدس) اهتمام المحللين العالميين وكان لها صدى كبير في وسائل الإعلام العالمية.
كان لهذه الرسالة التاريخية تأثيرٌ كبير في العالم. فقد جاء في جزء من كتاب "الدعوة التوحيدية" الصادر عن المعهد الثقافي والفني التابع لمركز توثيق الثورة الإسلامية، عن الانعكاس العالمي لرسالة الإمام(قدس) إلى قائد الاتحاد السوفييتي: "كان لرسالة الإمام الخميني(قدس) إلى غورباتشوف انعكاسات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، ويمكن رؤية أجزاء من هذه الانعكاسات في ذكريات أعضاء الوفد الإيراني الحامل لهذه الرسالة، فتقول السيدة مرضية حديدجي:" عندما ذهبت إلى إنجلترا للعلاج، تحدثت مع اثنين من الطلاب الشباب، الذين أخبروني أنهم أصبحوا مسلمين نتيجة تأثرهم برسالة الإمام الخميني (قدس) إلى غورباتشوف، كما أنهم اختاروا رسالة الإمام (قدس) لأطروحتهم في علم الاجتماع".
الإمام الخميني(قدس) نبي عصرنا
أحدثت الرسالة تأثيراً مماثلاً لدى المسلمين في إحدى دول أمريكا اللاتينية، فتروي السيدة مرضية حديدجي:" في إحدى دول أمريكا اللاتينية التي سافرت إليها، كان هناك 11 مسلماً، أحدهم يؤم الصلاة، والعشرة الآخرون يتبعونه ويصلون صلاة الجمعة، وهم معروفون بين الناس جميعهم، فسألت إمام جماعتهم إن كان يعرف الإمام الخميني (قدس)؟ وأريته صورة له في أيام شبابه وأثناء اعتقاله في العام 1964م، وسألته عن مدى عمق معرفته به؟ فأجابني:" لم أكن أعرف الكثير عنه سابقاً سوى أنه مناضل ويعيش في إيران ونُفي إلى خارج بلده، ولكن بعد إطلاعي على هذه الرسالة أدركت أنه نبي عصرنا، وقد تكلمت عدة مرات عن هذه الرسالة للمسلمين هنا".
وكانت لرسالة الإمام(قدس) التاريخية إلى غورباتشوف تأثيرات وتداعيات مختلفة بين الخبراء في مختلف دول العالم، وقد صاحبت كل منها تفسيرات خاصة. وكان جزء من هذه التفسيرات والتعليقات العالمية حولها من مفكري الجمهوريات الإسلامية التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق. فبعد نحو عقدين من تسليم رسالة الإمام الخميني(قدس) التاريخية إلى ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفييتي قبل انهيار هذه الإمبراطورية، بدأ خبراء جمهورية أذربيجان في دراسة مختلف جوانب رسالة الإمام، فيشير "إيلقار إبراهيم أوغلو"، إمام الجماعة في أحد مساجد مدينة "باكو" عاصمة جمهورية أذربيجان، إلى أن الأبعاد العظيمة لشخصية الإمام الخميني(قدس) لا تزال مجهولة: "إن الرسالة التاريخية للإمام الخميني(قدس) إلى غورباتشوف لم تكن مجرد رسالة إلى شخص أو زعيم دولة أو نظام، بل كانت رسالة للعالم أجمع والمثقفين والمطالبين بالعقل والعقلانية، أوضحت فيها مفاهيم الإسلام الرفيعة للعالم أجمع".
ويؤكد السيد "إيلقار إبراهيم أوغلو" على ضرورة القيام بعمل علمي عميق لفهم وشرح المفاهيم العميقة لهذه الرسالة العظيمة، فيقول: " لقد أكد الإمام الخميني(قدس) في هذه الرسالة على أن الإسلام هو دين العقل والمنطق، والإسلام دين الفكر والفلسفة والعرفان؛ الإسلام هو دين الضمير والعدالة، وهو قادر على أن يروي ظمأ البشرية إلى العدالة اليوم تماماً، ويسقي البشرية من مصدر العدالة."
وكذلك طلب أحد رجال الدين في جمهورية أذربيجان من الله(سبحانه وتعالى) أن يرزق جميع المسلمين فضل اتباع طريق الإمام الخميني (قدس)، فقال: "لقد أظهر الإمام(قدس) في رسالته التاريخية الطريق الحقيقي لخدمة الله (سبحانه وتعالى)، وأظهر أن أي سلاح يملكه العالم فهو عاجز وغير فعال ضد الإيمان، وأن كل المضطهدين في العالم والفلاسفة والمفكرين والصوفيين الحقيقيين في العالم يحبون الإمام(قدس)، الذي أظهر لمفكري وفلاسفة الشيوعية، الذين كانوا ظاهرياً يبحثون عن العدالة والمساواة، بلغة يفهمونها، وجود العدالة الحقيقية في الإسلام، وأظهر مدى أبواب العصمة مفتوحة".
إدارة العالم وفق أسس الإسلام
وفي الوقت الذي كانت فيه شخصيات عالمية تتحدث عن رسالة الإمام الخميني(قدس) إلى غورباتشوف، قال "روشان أحمدلي"، نائب رئيس الحزب الإسلامي في جمهورية أذربيجان آنذاك: "إن الإمام الخميني(قدس) في رسالته التاريخية إلى آخر زعيم للاتحاد السوفييتي"، دعا العالم أجمع إلى الإيمان والعدالة الحقيقية والوحدة حول مركزه ودعا إلى إدارة العالم على أساس السلام والأمن، وبطبيعة الحال، لم تكن هذه الرسالة موجهة إلى غورباتشوف فقط، بل إلى جميع زعماء العالم وأولئك الذين يريدون السلام والعدالة". وأضاف:" حافظت الرسالة التاريخية للإمام الخميني(قدس) على نضارتها وحيويتها ودعمها المستمر للمظلومين ومقارعة الظالمين رغم مرور السنين. ففي هذه الرسالة، أظهر الإمام للعالم أجمع أنه من أجل إنقاذ أنفسهم من الأزمات، عليهم أن يتعلموا ويمارسوا مبادئ الإسلام، وإلى اليوم، رسائل آية الله خامنئي(حفظه الله) قائد الثورة الإسلامية إلى المسلمين وقادة الدول الآخرين متجذّرة في نفس الرسالة التاريخية للإمام الخميني(قدس)، وتستمد
القوة منها".
وفي الوقت نفسه وفي جمهورية أذربيجان، قال "روشن نوروز أوغلو" الأستاذ الجامعي ومحلل القضايا الأمنية والسياسية لجمهورية أذربيجان، عن تأثير رسالة الإمام الخميني(قدس) إلى غورباتشوف: "ما زالت بعد مرور كل تلك السنوات على إرسالها سارية المفعول في القرن العشرين واثبتت أنها ستستمر ليس فقط في القرن الحادي والعشرين بل في القرون المقبلة أيضاً. ففي تلك الرسالة التاريخية، دعا الإمام الخميني(قدس) زعيم إحدى القوى الحاكمة في العالم إلى مراعاة المبادئ والحقوق والروحانيات والأخلاق الإسلامية، مبيناً أنه السبيل الوحيد لأي حكومة تخدم شعبها حقاً وتسير على الطريق الصحيح. وأنه ما دامت الدول والشعوب والأمم تبتعد عن مبدأ العدالة الإسلامية فسوف يهزمها الشياطين ويهلكها".
ورحب الزعماء الدينيون الآخرون في جمهورية أذربيجان برسالة الإمام(قدس) التوحيدية إلى غورباتشوف، فقالت "ماييس سفرلي"، زعيمة إحدى الأحزاب في جمهورية أذربيجان: "إن لتلك الرسالة التاريخية تأثيراً كبيراً ليس فقط بين مسلمي الاتحاد السوفيتي، ولكن أيضًا" بين المسلمين في كافة أقطار العالم، ففي تلك الرسالة أكد الإمام الخميني(قدس) أن الدولة بلا دين دولةٌ متخبطة؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يلجأ إلى الله إلاّ ليضمن سعادته، لكن للأسف انتشر الإلحاد في الاتحاد السوفييتي. إلاّ أن هذه الرسالة أعطت الناس الشجاعة والإقدام، وبدأ المسلمون في الاتحاد السوفييتي بالذهاب إلى المساجد، وكانت هذه الرسالة بداية العودة إلى الله(سبحانه وتعالى). والآن نحمد الله أن الكثير من آمال رسالة الإمام الخميني (قدس) قد تحققت اليوم في جمهورية أذربيجان، وأبرز علامة على ذلك تزايد علاقة الشعب وإيمانه بدين الإسلام. فاليوم، نرى الزيادة السنوية في أعداد الحجاج وبناء المساجد الجديدة وزيادة المصلين في جمهورية أذربيجان، وأضافت: "أترحم على روح الإمام الخميني(قدس) على تلك الآثار القيمة لتلك الرسالة المهمة والتاريخية، وأنا مُمتنة لتلك الشخصية العظيمة".
رسالة الإمام (قدس) لم تكن محض صدفة
هذا وقد عقد لقاء لمناقشة هذه الرسالة التاريخية في ذكراها السنوية بمشاركة عدد من أساتذة الجامعات وهم "الدكتور فلاديمير إيفانوف" ومتخصص في الثقافة واللغة الفارسية وأستاذ جامعة موسكو الحكومية، والصحفي "الدكتور موشكالو" أستاذ اللغة الفارسية وأستاذ كلية اللغات الشرقية (تابع لمعهد الدراسات الشرقية)، والدكتور "ليونيد سكياروف"، دكتوراه في اللغويات، وخبير في الاقتصاد والسياسة والثقافة الإيرانية، رئيس جمعية الحكومة الإيرانية في روسيا وأستاذ اللغة الفارسية د. "سيديك دروجليفسكي"، الأستاذ في جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، ورئيس كرسي اللغة الفارسية في جامعة موسكو، وفي هذا اللقاء قال الدكتور إيفانوف: "إن الإمام(قدس) كان يفكر بالشعب السوفييتي، وبالطبع لم يكن هناك طريقة أخرى سوى إرسال رسالة إلى الرئيس آنذاك ليشارك تصريحاته مع الشعب السوفييتي في ذلك الوقت. لأن دولة الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت كانت في حالة ركود في عهد "بريجنيف"، وبعده كان هناك توقع للتحول وخطوات جديدة. فشعر الإمام (قدس) أن الاتحاد السوفييتي كان على وشك الانهيار. وقال في رسالته إلى غورباتشوف إن الاتحاد السوفييتي كان نعمةُ إلهية فشلتم في الحفاظ عليه بشكل جيد، وحدث بالفعل كما قال، وبعد عامين، في فترة زمنية قصيرة، انهار هذا البلد العظيم، الذي كان قوة عظمى، ودخلنا في مرحلة جديدة وواجهنا حقيقة أنه علينا إعادة بناء حياتنا والتخلي عن عاداتنا القديمة. وتابع:"شهدنا في تاريخ العالم أحداثاً تنبأت بها أحياناً شخصيات بارزة، بالطبع، قد لا يكون لها تفسير كامل، لكن التجربة أثبتت أن رسالة الإمام (قدس) إلى غورباتشوف لم تكن محض صدفة."
الرسالة تمتین للعلاقة بین إيران وروسیا
أمّا الدكتور دروجليفسكي فقال في هذا اللقاء: "كان الاتحاد السوفييتي دولةً كبيرة جدًا. كان يضم خمسة عشرة جمهورية، شكل المسلمون أغلبية السكان في بعض هذه الجمهوريات، ولهذا السبب، كان تأثير الرسالة مختلفًا في بلدان ومناطق الاتحاد السوفيتي. لكنني عشت في موسكو العاصمة في ذلك الوقت وأستطيع أن أتحدث عنها، لقد كانت هذه الرسالة مهمة جدًا للعلماء الإيرانيين والمستشرقين. نحن نعلم أنه قبل هذه الرسالة كان الوضع بين إيران وروسيا خطيراً، وكانت هناك اختلافات بين البلدين، لقد كان الخطر كبيراً ليس فقط على إيران والاتحاد السوفييتي، بل على المنطقة بأكملها، وفي رأيي، على العالم أجمع. وبطبيعة الحال، كانت ترجمة الرسالة سيئة نسبياً، لكن نصها ومحتواها كان عن الصداقة وليس عن الحرب، لذلك فهمها جميع الخبراء على الفور ولهذا السبب قلنا أنه منذ ذلك الوقت بدأت تتوسع العلاقات بين بلادنا وإيران وتتحسن يومًا بعد يوم، وقال الدكتور "مشكلو" أيضًا:" هذه الرسالة ليست رسالة عادية، إنه عمل فلسفي
يتطلب التفكير".
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد عشر سنوات بعد تلقي غورباتشوف للرسالة، أعلن في إحدى المقابلات معه: "أنا آسف لأنني لم أفهم رسالة آية الله الإمام الخميني (قدس)، ولو كان لدي علم برسالته اليوم، لأصبح الاتحاد السوفييتي جنة".