وسيجعل اقتصادها اقتصاداً عالمياً
إكتشاف الليثيوم في إيران يقلب موازين سوق المعادن
أعلنت إيران، في وقت مبكر من هذا العام، عن اكتشاف احتياطي ضخم من معدن الليثيوم المستخدم بكثافة في صناعة البطاريات، وهي صناعة يتنامى الطلب عليها بسبب النمو السريع في قطاع المركبات والسيارات الكهربائية.
ومن المتوقع أن يصبح الاحتياطي الإيراني من الليثيوم ثاني أكبر احتياطي من نوعه في العالم بعد الاحتياطي الموجود في أستراليا، التي اعتمدت عليها الصين طويلاً في خضم سعيها لتصدر سباق السيارات الكهربائية.
أما وقد اكتشفت إيران كميات معتبرة من هذا المعدن، فمن المرجح أن تقلب سوق الليثيوم رأساً على عقب، وأن تفتح أبوابها للصين مقابل تخفيف اعتماد الأخيرة على أستراليا، لاسيما والعلاقات بين بكين وكانبيرا ليست في أفضل أحوالها بسبب تحالف أستراليا مع الولايات المتحدة لاحتواء القوة الصينية في المحيط الهادئ.
وأعلنت إيران في مارس/ آذار الماضي أنها اكتشفت احتياطياً هائلاً من الليثيوم بحجم يصل إلى 5/8 مليون طن. والحال أن الصين هي أكبر مستهلك لليثيوم في السوق العالمية، حيث تستورد معظم احتياجاتها من أستراليا التي تعد أكبر مصدر لليثيوم في العالم.
وكانت أستراليا عام 2020 صاحبة ما يقرب من نصف حجم الليثيوم المتوفر في العالم برمته. ويصدر أكثر من 90% من الليثيوم الأسترالي إلى الصين، وهي نسبة تلبي نحو 85% من حاجة الصين من الليثيوم. وقد تخطت إيرادات أستراليا من بيع الليثيوم إلى الصين في النصف الأول من عام 2023 سبعة مليارات دولار أميركي.
عنصر رئيسي في بطاريات المركبات الكهربائية
يمثل الليثيوم عنصراً رئيسياً في بطاريات المركبات الكهربائية (EV)، ولما كانت الصين تسعى لأن تصبح المنتج الأول في العالم للمركبات الكهربائية، فان حاجتها إلى الليثيوم في إطراد وازدياد. ولهذا قدرت الزيادة في إيرادات أستراليا من الليثيوم بنحو 200% في الفترة ما بين 2022-2023.
بيد أن اكتشاف الليثيوم في إيران قد يمثل تحدياً أمام هيمنة أستراليا على سوق الليثيوم الصيني (وهو ثاني أكبر اكتشاف لليثيوم من نوعه في العالم، ويعادل تقريباً 10% من الاحتياطي العالمي).
إن الصين هي وجهة الصادرات الأبرز في العموم لكل من إيران وأستراليا الآن، وقد صدرت أستراليا عام 2022 أكثر من ربع صادراتها إلى الصين وحدها، أي ما يقدر بـ104 مليارات دولار، في حين تعد إيران مصدراً مهماً للنفط الخام في الصين، حيث ترسل أكثر من 750 ألف برميل يومياً، وهو ما يربو على ربع إنتاجها منه.
ويعتقد الخبراء الاقتصاديون والاستراتيجيون انه وعبر التخطيط الدقيق والمدروس وبالاستفادة من المتخصصين والمستثمرين الملتزمين يمكن لإيران أن تستفيد من الليثيوم كمعدن استراتيجي وخاص من أجل جعل اقتصادها، اقتصاداً عالمياً.
استخدامات فائقة الأهمية
ويقول الأستاذ المساعد في قسم الجيولوجيا في جامعة بوعلي سينا في همدان حسن محسني: إن مثل هذه المعادن الاستراتيجية لها استخدامات فائقة الأهمية في الصناعات ذات التكنولوجيات عالية التطور والتكنولوجيات المتفوقة مثل الصناعات الجوفضائية والصناعات الإلكترونية؛ وعلى سبيل المثال صنع الرقائق والقطع المحاسباتية في الحواسيب العملاقة والصناعات ذات الحرارة العالية.
وأشار هذا الأستاذ الجامعي الى الحظر الذي تتعرض له ايران، قائلاً: إن أهمية اكتشاف مثل هذا المخزون للمعادن الاستراتيجية والوصول إليها، هي فائقة لأنه سيغني ايران في الكثير من المجالات.
خطوة نحو الازدهار الاقتصادي
من جانبه، يقول أستاذ علم الجيولوجيا الاقتصادية في جامعة بوعلي سينا في همدان محمد معاني جو: إن الخطوة التالية بعد اكتشاف مخزون لهذا المعدن الاستراتيجي الفريد من نوعه هو مجيء الاستثمارات والمعدات المنجمية والمعالجة والاستخلاص. وأضاف: إن الاستثمارات ستكون بملايين الدولارات ويجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي تطورت في هذا المجال مثل تشيلي، عبر التواصل والتشاور معهم. وتابع: إن دعم القطاع الحكومي لهذا العمل يعتبر أمراً ضرورياً وأن أفضل طريق للانتفاع الاقتصادي هو الاستفادة من تجارب الدول الصديقة.
وقال معاني جو: في أولى مراحل الاستخراج يمكن بيع هذه المادة على شكل تراب وصخور الى الدول الأخرى؛ لكن هذا الأمر هو بيع للخامات، والربح الأكبر يتحقق من بيع الليثيوم المستخرج حيث يوجد في كل طن من الخامات نحو 85 غراماً من الليثيوم النقي، كما إن عملية معالجة خامات الليثيوم واستخراج الليثيوم النقي تؤدي الى خلق فرص عمل تدر العملات الصعبة على البلاد؛ وإضافة الى تسببها بالازدهار الاقتصادي، تؤدي الى الارتباط والتواصل مع الاقتصاد العالمي.
إيران في قائمة الدول المنتجة لليثيوم
من جهتها، تؤكد أستاذة قسم الجيولوجيا البترولوجية في جامعة همدان زينب دارايي زادة: إن معدن الليثيوم الاستراتيجي له استخدامات فريدة من نوعها مثل صناعة البطاريات الإلكترونية والصناعات المتطورة والصناعات الدفاعية وإنتاج المعادن المركبة الفريدة من نوعها، حيث هناك الآن العديد من الدول المتطورة في العالم تستفيد من المعادن الاستراتيجية وخاصة الليثيوم.
وتضيف هذه الأستاذة الجامعية: إن هذا المعدن يتم استخدامه الى جانب الألمنيوم في صنع الطائرات بسبب خفة وزنها وصلابتها ومقاومتها العالية في نفس الوقت، والآن وبعد اكتشاف هذه المادة الاستراتيجية فانها أصبحت من المخزونات الاستراتيجية. وتابعت: بسبب صعوبة الاستخلاص وأسعارها المرتفعة، يتم بيع الليثيوم بكميات قليلة لا تتعدى الكيلوغرامات، وإن حجم المخزون المكتشف من الليثيوم جعل ايران ضمن الدول الأوائل في مجال امتلاك الليثيوم، وإن مخزوناً بحجم 8 ملايين و500 ألف طن من صخور الليثيوم يمنح ايران مكانة مرموقة في هذا المجال، وأنا أعتقد أنه من الأفضل أن يتم معالجة خامات الليثيوم في داخل البلاد نظراً لاستخداماتها الواسعة، وهناك ضرورة لأن يهتم المسؤولون بهذه القضية لأن معدن الليثيوم بإمكانه أن يحدث تحولاً هائلاً في اقتصاد البلاد ويؤدي الى ازدهار اقتصادي لا حدود له.
مادة استراتيجية وفريدة
وفي السياق، يقول الخبير الإيراني في قطاع المناجم محمد خاكي: إن الليثيوم تعتبر مادة استراتيجية في صناعة السيارات الكهربائية وهي مادة هامة جداً في العالم وإن قطب إنتاجها الآن هي دولة بوليفيا وبإمكان ايران أيضاً الانضمام الى هذا النادي وسيؤدي ذلك الى ايجاد موارد هائلة.
ويضيف خاكي: هناك مخزوناً جيداً من مادة الليثيوم في أفغانستان أيضاً؛ لكنه لم يصل الى مرحلة الاستخلاص. ويقول: إن مادة الليثيوم موجودة في الكثير من المياه المالحة الحمضية في ايران؛ لكن لم يتم بعد اكتشاف المخزونات واستخلاصها، كما لا يوجد هناك مصنع لاستخلاص واستخراج الليثيوم في ايران ويمكن لمحافظة همدان أن تكون رائدة في هذا المجال وانشاء صناعات هامة أخرى مرتبطة بها. ويضيف: إن مجرد وجود مادة معدنية لا يؤدي الى ايجاد وانطلاق صناعات مرتبطة؛ لكن الليثيوم يمكنه أن يجذب الاستثمارات والمستثمرين.