الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وسبعة - ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وسبعة - ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٤

الكاتب والإعلامي العراقي محمد علي أبو هارون للوفاق:

انتفاضة النجف الأشرف شرارة ثورة العشرين

عبير شمص
تُعد الفترة الممتدة بين النصف الأول من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين بداية الغزو العسكري الأوروبي للبلاد العربية . ولم يكن هذا الغزو عشوائياً وبدون أهدافٍ محددة، بل سبقه تحضيرات  ومؤشرات وأوضاع مهدت الطريق أمامه، ومن أبرزها حالة الضعف والوهن التي انتابت الحكم العثماني، نتيجةً لضعف الحكام فيه وعجزهم عن إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الولايات والبلدان الخاضعة لحكمها. أدى هذا الضعف إلى تدهور حاد في الوضع الاقتصادي  والمعيشي للسكان ، فانتشرت المجاعات في كافة البلاد وزادت حدتها في الأطراف، وضرب الجفاف الأراضي المزروعة ممّا ضاعف الأزمة، وجيش الفقراء الباحثين عن الخبز والطعام يزداد كل يوم وواجههم العثمانيون بمزيد من المطالبة بالضرائب من أجل تموين الجيش التركي. بالإضافة الى ما ذُكر فإنَّ الدولة العثمانية، ومنذ أن سيطرت على العراق في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، منحت الشركات الأوروبية امتيازات سخية، شكلت بدورها مدخلاً مهماً لتغلغل النفوذ والمصالح الأوروبية في الدولة العثمانية وولاياتها ومنها العراق.

ولم تتوقف محاولات  التغلغل الأوروبي إلى هذا الحد بل تعداه إلى محاولة مسخ هوية الشعوب الإسلامية العربية، عبر اتخاذه مظاهر عدة وخاصةً في العراق كان أبرزها التثبيت للنفوذ الاقتصادي والسياسي، الذي ترافق معه نشاط ثقافي بارز، بيد أن هذا النشاط، لم يُكتب له النجاح على الرغم من إمكانياته الضخمة، واستعداداته الهائلة، فلم يحدث شرخاً عميقاً في عقيدة الشعب العراقي، وبالعكس من ذلك فقد التفّ الشعب بأسره حول قيادة علماء الدين، مستوحياً منهم دروس العقيدة والجهاد في مقارعة الغزاة المستعمرين.
المقاومة الشعبية للاستعمار  
  وهكذا وبعد احتلال العراق في السادس من تشرين الثاني عام 1914م وفي ظل هذه الظروف العصيبة التي مرت بها الدول الإسلامية وغيرها من الدول التي وقعت في ظل الاحتلال الأوروبي، انطلقت مقاومة الشعوب المستعمرة، لطرد المستعمر الغازي من التراب الوطني.
  ففي العراق، انطلقت حركة الجهاد بعد ثلاثة أيام من احتلال الفاو من قبل القوات البريطانية، وكان في طليعة المشاركين في نبذ الاستعمار البريطاني علماء الدين، ورؤساء العشائر، وبعض الوطنين الأحرار. وكذلك انتفض العراقيون ضد المستعمرين في البصرة في العام نفسه بقيادة "محمد سعيد الحبوبي" وفي معركة الشعَيبة ومعركة الكوت التي قاتل فيها العراقيون إلى جانب قوات الدولة العثمانية وصولاً إلى انتفاضة النجف الأشرف 1918.
قيام أول انتفاضة ضد الاستعمار   
تُعد انتفاضة عام 1918 الأولى من نوعها ضد الوجود البريطاني في العراق، وكذلك أول ثورة مفتوحة على الاستعمار التي نشأت بعد انتهاء حكم الدولة العثمانية في الشرق الأوسط ومن أوائل الثورات العربية مطلع القرن العشرين بعد الثورة العربية الكبرى عام 1916.
وفي إطار التعرف على أحداث ومجريات وتداعيات تلك الثورة التي تُعتبر شرارة ثورة العشرين الكُبرى ضد الاحتلال البريطاني للعراق، وبمناسبة الذكرى السنوية الخامسة بعد المائة لهذه الثورة التي وضعت الأساس لمفهوم المقاومة ورفض الاحتلال والتي عُدت أهم ميزاتها التمهيد لثورة العشرين. التقت صحيفة الوفاق الكاتب والإعلامي العراقي محمد علي أبو هارون، وكان الحوار التالي:
ثورة عراقية ضد الاحتلال البريطاني
يُعرف الأستاذ أبو هارون الثورة على أنها :" ثورة شعبية وتحرك جماهيري مسلح قام به أهالي مدينة النجف الأشرف ضد البريطانيين أثناء إحتلالهم للعراق، بدأت في آذار من العام 1918، وتُعد هذه الإنتفاضة أول ثورة عراقية على الاحتلال البريطاني للعراق وكذلك أول انتفاضة على الحركات الإستعمارية التي نشأت بعد سقوط حكم الدولة العثمانية في الشرق الأوسط ومن أوائل الثورات العربية مطلع القرن العشرين" ، ويُكمل حديثه عن مُجرياتها وأحداثها بالقول:" اندلعت شرارة انتفاضة النجف إثر قيام ثوار النجف باغتيال الضابط البريطاني المعتمد في المدينة   المارشال دبليو إم ، وإثر عملية الإغتيال هذه  قام البريطانيون بمحاصرة  مدينة النجف الأشرف لنحو خمسين  يوماً، منعوا فيها عن الأهالي الماء والغذاء، ومنعت السلطات البريطانية خروج الأهالي من منازلهم ثم سمحت تدريجياً للنساء والأطفال دون الثامنة عشرة من العمر كما سمحت لطلبة العلوم الدينية من المعممين بالخروج إلى مدارسهم الدينية فكان ذلك فرصةً للثوار أن يخرجوا مرتدين لباس طلبة العلوم الدينية بعمائمهم السوداء والبيضاء والثوار بذلك وفروا وقتاً  ضرورياً  لاستطلاع نقاط الجيش البريطاني المحيطة بسور مدينة النجف الأشرف وقلاعه المختلفة".
الجمعيات الإسلامية.. تأثيرٌ فاعل
 يشرح الأستاذ هارون واقع التحرك العلمائي في المدينة فيقول:" نظم العلماء والمثقفون في مدينة النجف الأشرف العديد من الندوات التي كانت تُناقش القضايا السياسية أمثال جواد الجزائري وعبد الكريم الجزائري، إذ عُقدت لقاءات ومؤتمرات متتالية بين عدد من العلماء في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين، وزعماء العشائر في الشامية والناصرية والشطرة، وغيرها من مناطق الفرات الأوسط، كان الرأي السائد فيها هو الإعداد للثورة على الاستعمار البريطاني ومحاربته".
  ويكمل حديثه بالقول:"توالت هذه اللقاءات، فشملت معظم مناطق العراق المهمة، ففي مدينة النجف الأشرف، وقُبيل قيام الثورة فيها في التاسع من آذار عام 1918م تشكلت العديد من الندوات لمناقشة القضايا السياسية والعامة ومتابعتها، وكان يُشرف على تنظيمها عدد من رجال الدين والمثقفين الإسلاميين من الأُسر العلمية المشهورة".
ويؤكد الأستاذ هارون على  مساهمة هذه الفعاليات والأنشطة، بالإضافة لتحركات العلماء ورجال الدين في إحداث نتائج بعيدة الأثر في تطور حركة المقاومة والجهاد ضد الاستعمار البريطاني، وتبلورت في تأسيس جمعية إسلامية سرية باسم "جمعية النهضة الإسلامية"، وذلك في تشرين الثاني 1917م، وقد كان المبادر لتأسيس هذه الجمعية السيد "محمد علي بحر العلوم"، والشيخ "محمد جواد الجزائري"، وهم من العلماء البارزين في الوسط السياسي والشعبي، إضافةً الى عددٍ آخر من رجال الدين والشخصيات السياسية الإسلامية، وكانوا بمثابة اللجنة القيادية للجمعية".
  ويلفت الأستاذ هارون بأنه:"اعتبر المستعمر البريطاني بأن هذه الجمعيات الدينية بقيادة علماء الدين  كانت أشد خطراً  لهم من أية جمعية سياسية بعيدةً عن المنهج الإسلامي، فإن جمعية النهضة الإسلامية، بالإضافة الى نشاطها الذي كانت تقوم به في  توجيه وقيادة المواجهات التي يقوم بها الأهالي ضد الاستعمار، فإنها أولت اهتماماً للتحريض الإعلامي ضده، فأصدرت نشرةً تكتب باليد، ووزعتها على أهالي مدينة النجف الأشرف، وقد شكل توجه الجمعية المناهض للاستعمار واحترام الأهالي لقياداتها الدينية، عاملاً مهماً جذب إليها أعداداً كبيرة ممن يشاطرها الرأي، كما شكلت جناحاً مسلحاً اهتم بالأعمال العسكرية ضد الاستعمار البريطاني".
ويُعرف الأستاذ هارون  بقيادة الانتفاضة بالقول:"اختارت هذه المجموعة من المناهضين للاستعمار البريطاني من العلماء والوجهاء والثوار من بينهم قيادة للانتفاضة ضمت كلاً من العلامة السيد "محمد علي بحر العلوم"، والعلامة الشاعر الشيخ  "محمد جواد الجزائري" والثائر الحاج "نجم البقال" الذي أعدمته القوات البريطانية لاحقاً، والثائر المجاهد"كاظم آل صبي" الذي أُعدم أيضاً في وقتٍ لاحق، والوجيه المجاهد الحاج "سعد بن راضي" والحاج "عجمي باشا السعدون" وعدداً من وجهاء سكان النجف وزعماء العشائر".
أحداث الانتفاضة
استقدمت القوات البريطانية من الحاميتين العسكريتين في منطقتي المشخاب والشامية نحو أربعة آلاف جندي إلى مدينة النجف الأشرف لمحاصرتها،  يقول الأستاذ هارون ويضيف بأن: " الثوار تصدوا لهم ومنعوهم من دخول مدينة النجف الأشرف وبقوا خارج السور وقام الثوار باستهداف النقاط العسكرية للجنود البريطانيين وقتلوا وجرحوا أعداداً كبيرة منهم فما كان من حاكم  مدينة النجف الأشرف الضابط البريطاني فرانسيس بلفور إلاّ أن دعا إلى عقد هدنة ومفاوضات بين قواته والثوار."
ويشير الأستاذ هارون بأن :" الأهالي تضرروا كثيراً من الحصار المنطبق على المدينة وانتشرت الأمراض بسب النقص الشديد في الغذاء والدواء والماء وهلك الكثيرون بسبب المرض والجوع".
 المستعمر البريطاني يقصف مدينة النجف الأشرف
يلفت الأستاذ هارون بأن  القوات البريطانية وفي إطار سعيها لإخضاع مدينة النجف الأشرف قامت بقصفها أثناء الاقتحام بمئات من قذائف المدفعيات وصواريخ الطائرات  بدءاً من الهجوم على سور النجف ومرتفع الحويش الواقع خلف السور مروراً بقصفهم على محلة العمارة حتى السيطرة على مرقد الإمام علي (ع) الذي يُشكل نواة المدينة لتقع المدينة في الكامل تحت استعمارهم في نهاية المطاف وألقوا القبض على عدد من الثوار وقاموا بإعدامهم، كما أن الذين بقوا سالمين بعد قمع الانتفاضة كانوا اكتسبوا خبرات قتالية لمواجهة القوات البريطانية في ثورة العشرين التي وقعت بعد عامين من انتفاضة النجف الأشرف".
ويوضح الأستاذ هارون  بأن هذه الإنتفاضة على الرغم من قصر عمرها إلاّ أنها تُعتبر حدثاً مهماً من الناحية السياسية والاجتماعية، فهي  تُقدم صورة مباشرة وواضحة من صور المجتمع العراقي في تلك المرحلة، وكان من نتائجها إلقاء القبض على أحد عشر شخصاً من كبار قادة الانتفاضة الذين شاركوا باغتيال المارشال البريطاني وضرب مقرات بريطانية في العراق وإعدامهم في  منطقة "خان صغير" في مدينة الكوفة القريبة من مدينة النجف الأشرف، إضافةً إلى نفي حوالي مائة شخص أو أكثر إلى الهند لمدة سبع سنوات وإجبار أهل المدينة على دفع غرامة للقادة البريطانيين بالقوة.
التمهيد لثورة العشرين
يشير الأستاذ هارون إلى أن انتفاضة النجف الفتيل الأول لثورة عام ١٩٢٠ التي عُرفت بثورة العشرين والتي شاركت فيها المرجعيات الدينية والشخصيات الاجتماعية والأحزاب السياسية والعشائر العراقية والوجهاء ، والتي سُرعان ما اندلعت نيران ثورة العشرين في كافة أنحاء العراق من  مدينتي النجف وكربلاء المقدستين والكاظمية وسامراء والرميثه والشعيبة في البصرة والرارنجية والكوت وبغداد والفلوجة وتلعفر وديالى وغيرها من المدن العراقية" .
كما يوضح أنه:" قاد العلماء الشيعة والقيادات العراقية الوطنية من الشيعة والسنة الثورة ضد البريطانيين وكانت القيادة بيد الشيعة حيث مرجعية النجف الأشرف العريقة ذات الدور القيادي التاريخي، لكن المستعمرين البريطانيين عملوا ضمن سياساتهم الاستعمارية  للدخول في مفاوضات مع قادة الثورة الذين طالبوا من خلال المجالس التي شكلوها بمنح العراق استقلالاً سياسياً كاملاً وسيادة ًغير منقوصة. ومن بين المطالب التي رفعوها  للسلطات البريطانية أنهم يريدون زعيماً عربياً يحكم العراق فقام البريطانيون باستقدام "فيصل بن الحسين بن علي" شريف مكة ونصبوه  ملكاً على العراق" ، ولكن لم يرض الاستعمار البريطاني بذلك ولم يترك العراق مستقلاً ذا سيادة تامة .
وهكذا توالت الأحداث وفق الأستاذ هارون حتى  قيام الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا باحتلال العراق مرةً أخرى عام ألفين وثلاثة ولا يزالان يتحكمان بمصير العراق ويتدخلان في شؤونه الداخلية عبر سفارتيهما في بغداد رغم مصادقة البرلمان العراقي على قانون إخراج القوات الأمريكية والبريطانية من العراق، لكنهما مازالوا يتدخلون في شؤون البلاد الداخلية وهذا الأمر يرفضه أبناء العراق رفضاً قاطعاً وهم يستهدفون كل يوم القواعد الأمريكية في العراق نصرةً لاستقلال بلادهم وانتصاراً لغزة وفلسطين حيث تشارك أمريكا في عدوان الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني المظلوم" .

 

البحث
الأرشيف التاريخي