أسلمة العلوم بين الحوزة والجامعة
شهد العصر الحديث تجاذباً في العلاقة بين الحوزات العلمية والمعاهد الدينية من جهة والجامعات والكليّات الأكاديمية من جهةٍ ثانية، سلباً تارةً وإيجاباً أخرى، فأشكلت المناهج وتشابكت، واختلطت الأوراق في معضلة علاقة السلطة بالمعرفة، وكان ذلك سبباً في فتح سجال موسّع في تحديد طبيعة هذه العلاقة وضروراتها ومستلزماتها، وما تحتاجه كي تنتظم وتُصبح صحيّة غير مرضيّة. فالحوزة العمليّة مؤسّسةٌ دينيّة علميّة ثقافيّة ترجع جذورها إلى مئات السنين السابقة، وقد تربّى في داخلها الكثير من العلماء والمفكّرين في جميع العلوم والاختصاصات الإسلاميّة والدينيّة، وفي المقابل شهد العالم ظهور" الجامعة" وهي التي خرّجت الملايين من الطلاب المتفوّقين والمتميّزين الذين أمسكوا زمام الأمور في بلدانهم في مختلف القضايا الصحيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة والأمنيّة والتقنيّة وغيرها.
إذن، نحن أمام قطبين علميّين ثقافيّين كبيرين في مجتمعنا الإسلاميّ، ولا يمكن تجاهل أيّ منهما على الإطلاق، و يوجد قطيعة بينهما حالياً بشكل ٍ كبير انطلاقاً من الاعتقاد الذي يذهب إليه بعض الباحثين بأنّ طريقة التفكير المستخدمة في المؤسّسة الدينيّة تُباين وتُعارض بشكلٍ تام طريقة التفكير القائمة في الجامعات والمراكز العلميّة الأكاديميّة، ومن ثمّ لا يمكن لهاتين المؤسّستين أن تلتقيا أبداً.
هذا الكتاب يعالج وجهات نظر مختلفة تماماً في دراسة إشكاليّة العلاقة بين المثقف والفقيه (الحوزة والجامعة)، ويخوض في موضوع أكثر التباساً وهو أسلمة العلوم، وهو الموضوع الذي ظلّت وجهات النظر فيها مختلفةً حدّ التضارب والتناقض. كما يدرس حال المؤسّسة الدينية، وارتباطه بالتحوّلات العاصفة في العصر الحديث.
إنّه بحقّ كتابٌ يستحق من القارئ العربي المطالعة والدراسة والتأمل، كونه يعكس مساهمات العقل الإيراني في هذه القضايا المعقّدة، وهو العقل الذي خاض في العقود الأخيرة ـ وما يزال ـ تجربةً مثقلةً في هذه الموضوعات بالذات.