الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة - ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة - ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٤

د. طلال عتريسي عن الوحدة بين الحوزة والجامعة للوفاق:

أسلمة العلوم معوقات وصعوبات.. عبّد طريقها الشهيد مفتح

عبير شمص
بعد مرور 43 عاماً على انطلاقة مشروع الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة، المشروع الذي انبثق من فكرة التنسيق والتعاون المستمر بين النخب الحوزوية والجامعية لخدمة الشعب والمجتمع الإسلامي، يطرح هذا التساؤل نفسه: ما هي أُطر العلاقة التفاعلية بين الجامعة والحوزة والوظيفة المنشودة لهذه العلاقة وفق رؤية الإمام الخميني (قدس) والتي سعى الشهيد الدكتور محمد مفتح إلى إيجادها وإلى أي مدى كان هذا المشروع موفقاً في تحقيق أهدافه؟ وما هي العوائق والصعوبات التي واجهها؟ وما هي آليات وأساليب تطبيق الفكرة على أرض الواقع؟ وهل ما زالت التجربة مستمرة وما هي أهم نتائجها ؟ وهل انتقلت إلى بلدانٍ إسلامية أخرى؟ للإستفسار حول هذه المواضيع وغيرها، وبمناسبة يوم الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة، الذي أُعلن في يوم استشهاد الدكتور محمد مفتح والذي  كان لإحاطته بشؤون الحوزة والجامعة، دور كبير في إدراكه لمدى أهمية الوحدة بين هاتين المؤسستين، وأن يشعر بكل وجوده بالمؤامرات الاستعمارية لفصل هاتين الشريحتين، وإيماناً منه بالوحدة دخل هذا الميدان وسعى جاهداً لإفشال هذه  المؤامرة ، ولذلك سُمي يوم استشهاده بيوم الوحدة بين الحوزة العلمية والجامعة لجهوده في هذا المجال. أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الباحث في الشؤون الاجتماعية والسياسية أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي، ومع الدكتور محمد شمص خريج جامعة الإمام الصادق (ع) في اختصاص الفلسفة والإلهيات، وفيما يلي نص الحوار:

علم الفقه لا ينفصل عن العلوم الأخرى وكل ما في الطبيعة مصدره واحد
يشرح الدكتور عتريسي بأنه :" ترافق تدريس العلوم الدينية والطبيعية والفلكية والطبية وغيرها في وقتٍ واحد وفي مناهج تعليمية واحدة في عصور الازدهار الإسلامي،  ولهذا نقرأ عن شخصيات علمية فكرية لها مؤلفات في الطب والفقه وفي الفلك وفي غيرها من العلوم والأمر يتعلق بالنظرة التوحيدية للإنسان بمعنى إن كل ما في الطبيعة مصدره واحد وكل ما يحتاجه الإنسان يرتبط بهذه العلاقة التوحيدية مع الله (سبحانه وتعالى) بحيث لا ينفصل علم الفقه عن علم الفلك عن علم الأبدان عن علم النفوس كما كان يفعل الكثير من العلماء مثل الطوسي والبيروني وابن سينا وغيرهم وغيرهم. كان التوحيد هو أُم العلوم وأنتج المسلمون حضارةً كبيرةً وواسعةً ومؤلفات سمحت لاحقاً للغرب بترجمتها وبأن يأخذ الكثير عنها ولكي يُقدم بعد ذلك تجربته الخاصة في هذه العلوم  والمعارف المختلفة والنقطة الأساسية هنا أن استمرار الحضارة الإسلامية في تلك العصور في التقدم والازدهار ترافق مع تطور هذه التجربة التوحيدية في رؤية العلوم من جهة وفي استخدامها لمصلحة الانسان وكماله المعنوي والارتقائي في الوقت نفسه".
كما يوضح الدكتور عتريسي بأنه:" لم تكن هذه العلوم من أجل  المصلحة أو المنفعة أو التجارة أو الربح، التحول الذي حصل لاحقاً له علاقة من جهة بتراجع الحضارة الإسلامية وبالتالي سوف تتراجع مناهجها الفكرية في الوقت نفسه وصعود الحضارة الغربية تدريجياً، هذه الحضارة  بُنيت على منطق مختلف غير توحيدي يُجزىء  الإنسان من جهة ويفصل الإنسان عن الإنسان من جهةٍ ثانية ويُعلي شأن الفرد على المجتمع ويُعظم شأن الفرد ويُهمش شأن الخالق، منذ تلك اللحظة بدأ الانفصال بين العلوم ولم تعد العلوم واحدة ولم يعد المصدر واحد، تحولت العلوم والمعرفة الناتجة عنها إلى ما يتعلق بالتجربة وليس بأي مصدر غيبي أو معنوي أو روحاني أو إلهي، فالتجربة هي التي تُنتج المعرفة والحقيقة متعلقة بالتجربة وهذا ما أدى إلى أن نُصبح أمام تخصصات مختلفة بسبب هذا الانفصال ليصبح الفقه علما معزولا لا علاقة له بالحياة وليصبح الطب علما معزولا لا علاقة له بالفقه وبما هو يجوز أو لا يجوز ولتصبح العلوم الأخرى التي تطورت وتوسعت أدوات للسيطرة والهيمنة على شعوب أخرى وهكذا بدأنا نشهد هذا الانفصال بين مؤسسات التعليم الفقهي الديني أو الحوزات وبين الجامعات التي بدأت تبحث بقضايا أخرى لها علاقة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها في حين تحولت الحوزات إلى دراسة العلوم والمعارف الدينية وتاريخ الفقه وما شابه ذلك وحصل هذا الانفصال وهذه القطيعة بين المعرفة الدينية والمعرفة الاجتماعية الاقتصادية السياسية وكان هذا الأمر نتاج كما ذكرنا تراجع وانهيار التجربة الحضارية الإسلامية التي أنتجت علوماً موحدة وفق مرجعية التوحيد وخلافة الإنسان ورفع مكانة وشأن الإنسان".
مشروع  ثقافي تغييري وفق رؤية الإمام الخميني (قدس)
يلفت الدكتور عتريسي بأن:" الشهيد الدكتور محمد مفتح من أبرز الشخصيات التي مارست دور التقريب أو الدمج بين الجامعة وبين الحوزة استجابةً لرؤية الإمام الخميني (قدس) الذي كان لديه منذ البداية ومنذ انتصار الثورة الإسلامية استشراف دقيق لأهمية هذه العلاقة بين الحوزة وبين الجامعة ولعل هذه الرؤية وهذا الاستشراف مرتبط بأمرين الأمر الأول أن الجامعات في إيران وفي العالم الإسلامي قبل الثورة وخلال مئة سنة أصبحت جامعات تعمل وفق المنظور الغربي للحياة وللإنسان ولتهميش البُعد الإلهي والبُعد الغيبي في المعرفة وكانت تُنتج مثقفين ونخب يحملون هذه التصورات الغربية عن أنفسهم وعن الحياة وعن مجتمعاتهم خاصةً في العلوم الانسانية وتخصصاتها المختلفة. الأمر الثاني أن الحوزة كانت تغوص في الأدبيات الفقهية والتخصص في هذه الأدبيات الفقهية من دون أن تُعطي الحيز المناسب والضروري لأدبيات المجتمع ولكيفية فهم المجتمع ولنقد النظريات الغربية في فهم المجتمع وتقديم النظريات القرآنية من جهتها في فهم المجتمع وفي إدارة الحياة اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً وتربوياً وإدارياً وعندما دعا الإمام (قدس) إلى هذا الدمج وإلى هذه العلاقة بين الحوزة والجامعة كان يُريد من البُعد الديني الإلهي المعرفة الغيبية أن تدخل إلى الجامعة لكي لا تقتصر المعرفة الجامعية على المعرفة الحسية والتجريبية كما هو سائد ولكي لا تقتصر على تقليد النظريات الغربية وأدواتها في فهم المجتمع والذي كان هو المجتمع الغربي وليس المجتمعات الأخرى".
هذا ويؤكد الدكتور عتريسي بأن :" هذا الحرص كان يعني أن يتشارك أو يتمازج  التفكير الحوزوي مع التفكير الجامعي وأن تكون هناك معرفة واقعية وحقيقية بالنظريات الغربية التي تُعطى في الجامعات لكي يتم الرد عليها وتفكيكها وتقديم البدائل القرآنية المناسبة. هذا المشروع هو مشروع تغييري ثقافي عميق في تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي رؤية الإمام الخميني (قدس) وفي التجربة التي كان الشهيد الدكتور مفتح أحد أبرز رموزها وقدمت إيران في هذا المجال بعد انتصار الثورة تجربةً مفيدة عبر المؤسسات الثقافية التي أُنشأت والتي  أرادت الدمج بين هذين النموذجين من التعليم الجامعي والحوزوي ومن دون إلغاء خصوصية كل مؤسسة، لكن الأمر لا يزال يحتاج إلى بذل الكثير من الجهود سواء من العلماء في  الحوزات أو من الأساتذة والباحثين في الجامعات لكي تكون هناك رؤية مشتركة أو منهج معرفي مشترك يجمع بين البُعد الإلهي الغيبي المعنوي من جهة وبين البُعد الحسي التجريبي من جهةٍ ثانية، الجمع بين هذين الأمرين هو جمع بين تجربة الحوزة وبين تجربة الجامعة وهو الذي كان سائداً في عصور الازدهار الإسلامي والذي انكسر في عهود الازدهار الغربي".
مواجهة سيطرة المناهج الغربية على الجامعات
يتحدث الدكتور عتريسي بأن:" التجربة التي واجهت محاولات التقريب والدمج بين الحوزة والجامعة لم تكن سهلة ولم تكن بسيطة فقد اعتادت الجامعات في إيران وفي دولٍ إسلامية أخرى على مناهج تعليم عمرها على الأقل مئة سنة وهذه المناهج أخذت من الجامعات الغربية يعني عندما استقلت البلدان الإسلامية في منتصف القرن التاسع عشر وأرادت أن تبني أنظمتها ومؤسساتها بعد رحيل القوات الأجنبية المحتلة لم تفعل سوى  تقليد ما كان موجوداً عند الغرب، تقليد النظام الإداري، تقليد النظام العسكري وتقليد النظام التربوي والنظام الجامعي وعلى امتداد سنوات في معظم الدول الإسلامية كانت تُدرس النظريات الغربية باعتبارها نظريات يقينية وثابتة، كان من الصعوبة بمكان أن يأتي من يقول بأننا لا نريد أن نعتمد على هذه النظريات وبأن هذه النظريات أتت من مجتمعات أخرى وعلينا نحن أن نأتي بنظرياتنا من مجتمعاتنا ومن ثقافتنا ومن عقيدتنا لهذا السبب التجربة كانت صعبة".  ويكمل الدكتور عتريسي حديثه بالقول بأنه:" كان هناك بعض الرموز الذين نجحوا في هذا الأمر ودمجوا ووفقوا في تقديم تجارب ونماذج مختلفة لكن بشكلٍ عام لم يحصل هذا الانتقال الكبير المتوقع والمطلوب في التقريب بين هاتين المؤسستين التعليميتين الأساسيتين في صناعة الانسان وفي صناعة المجتمع ، صحيح  أن هذه التجربة وهذه الفكرة أثرت في بعض دول العالم الإسلامي أو لدى بعض الباحثين والمفكرين الذين  بدأوا في البحث عن إسلامية المعرفة وتأصيل الثقافة وتأصيل المعرفة وبدأ بعض الكتاب والباحثين والمؤلفين في إنشاء مراكز دراسات وأبحاث وبعض الأقسام في الجامعات بدأت تُناقش مسألة أسلمة العلوم وتقديم نظريات مغايرة وقسم كبير منها بدأ بنقض الأفكار الغربية وكانت هذه مقدمة مهمة أن يتم نزع اليقينية عن الأفكار الغربية وعن النظريات الغربية كمقدمة وكتمهيد للتأكيد على وجود معرفة مختلفة هي المعرفة الدينية التي تنسجم أكثر مع الغاية من وجود الإنسان ومع ثقافة المجتمعات الإسلامية".
ويختم الدكتور حديثه لصحيفة الوفاق بالقول:"إذن هذه التجربة واجهت صعوبات حقيقية وحققت إنجازات في إيران ولا يزال إلى اليوم هذا العمل متواصل وهذا النقاش مفتوح وخارج إيران أيضاً، هذا العالم يتقدم وهناك المزيد من الاهتمام بهذه التجربة، بتجربة نقل الفكر الإسلامي الذي هو فكر الحوزات إلى الجامعات ومناقشة مدى جدية وفعالية الأفكار الغربية في حل مشكلات الإنسان أو في حل مشكلات المجتمع المختلفة ولهذا السبب كانت الفكرة التي طُرحت فكرة مهمة فكرة ثورية تغييرية جذرية عميقة وكان من الطبيعي أن تُواجه مثل هذه الصعوبات لأنها لم تكن فكرة مألوفة أو من السهل التعامل معها بسبب عقود طويلة من هيمنة أفكار وتجارب أخرى مختلفة".
د. شمص: الجامعة والحوزة رُكنا المجتمع
وعن إحدى نماذج الدمج بين هاتين المؤسستين يُحدثنا الدكتور محمد شمص عن تجربة جامعة الإمام الصادق(ع) في إيران في إطار هذا الدمج، فيقول :" لطالما كانت العلاقة بين الحوزة العلمية والجامعات تؤرق النظام والسلطة الشاهنشاهية لمّا يُمكن أن يُمثل الطرفان من أركان في قيادة المجتمع الثقافية والتربوية والدينية ويمكن اعتبارهما رُكنا هذا المجتمع، مع بداية الثورة الإسلامية استمرت محاولات الفصل بينهم وكان للشهيد الدكتور مفتح دور كبير في إيجاد هذه الرابطة بينهما، كذلك الشهيد مطهري، فالجامعة لا تتعارض في أهدافها مع الحوزة العلمية والحوزة العلمية لا تتعارض كذلك في أهدافها مع الجامعة، إنما يتكاملان في بناء الانسان على كافة الأصعدة".
الجامعة والحوزة في خندقٍ واحد
ويضيف متحدثاً عن تجربة جامعة الإمام الصادق (ع) فيقول:" في إيران هناك تجربة فريدة من نوعها هي تجربة جامعة الإمام الصادق (ع) التي جمعت بين الدراسات الدينية والحوزوية والدراسات الأكاديمية الجامعية فخرجت جيلاً من المثقفين النخبويين الذين يفهمون الموقف الديني والموقف الشرعي ومقاصد الشريعة من جهة، ومتخصصين في العلوم الإنسانية والعلوم الأكاديمية من جهةٍ أخرى، وبالتالي استطاعوا أن يقدموا تجربةً جديدةً وفريدةً في موضوع أسلمة الجامعات وجعل الجامعة والحوزة في خندقٍ واحد".
ويكمل حديثه قائلاً:" تكمن أهمية الجامعة والحوزة العلمية أنهما يقودان هذا المجتمع  ليس فقط في الثقافة والتربية والقيّم إنما أيضاً في القيادة السياسية فمنهما يتخرج قياديين ورموز يلعبون دوراً هاماً في قيادة العالم، لهذا كان وما يزال هدف الأعداء ضرب هذه العلاقة الوطيدة وهذا الانسجام والتناغم والتكامل بينهما".

 

البحث
الأرشيف التاريخي