تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
مقدمات تأسيسية في مقولتي «الغزو الثقافي» و «التبادل الثقافي»
في قضية مثل الغزو الثقافي نجد أنفسنا مضطرين للانطلاق من تأكيد البديهيات والتذكير بها قبل أن ندخل إلى التحليل، لاسيّما مع تشابك وجهات النظر التي يذهب بعضها إلى ان القضية متكلفة ومبالغ فيها، أو انها وهمية مصطنعة، إذ لا مجال في عالم اليوم الذي تتواصل فيه الثقافات وتتفاعل أنماط السلوك الإنساني للحديث عن "غزو ثقافي" بالأخص بعد أن سقطت الجدران والأسوار التي كانت تحيط ببعض البلدان "ولم يعد أحد بقادر على رفع سياج عن بلده" على حد تعبير إدغار بيزاني مدير معهد العالم العربي في حديث له عن جانب من جوانب القضية.
يعتقد البعض ان الإسلاميين هُم الذين تبنّوا قضية الغزو الثقافي وحملوا رايتها باكراً. ومفاد مقالتهم انَّ العالم العربي- الإسلامي واقع في معرض مخططات الغرب وأهدافه لاستلاب مجتمعاته والنيل من دينها وقيمها وثقافتها وسلوكها وهويتها، وان الغرب يهدف من الغزو ابقاء سمة التخلف مستمرة في هذا الجزء من العالم..
وأن الجمهورية الإسلامية في إيران اليوم تكاد تكون الدولة الوحيدة بين دول العالم الإسلامي التي تتبنّى القضية رسمياً وتحمل رايتها وتدعو لمواجهة التغريب وموجات الغزو على أساس تخطيط جاد وموحد تقف من ورائه دولة. فرفع الإسلاميين لشعار القضية وتبنّي إيران لها اليوم هما سببان ألّبا الذهنية العامة لبعض الاتجاهات الثقافية والرسمية، حتى باتت لا تنظر إليها في حجمها الحقيقي ولا تمنحها الاهتمام الذي تستحقه. بل ذهبت بعض التيارات الثقافية في المنطقة العربية- الإسلامية لحمل قضية الغزو الثقافي في طرح الإسلاميين، على انها قضية آيديولوجية غير واقعية تُرفع كشعار في ادارة الإسلاميين لمعركتهم الفكرية والاجتماعية مع الاتجاهات الأُخر وبالذات الاتجاهات العلمانية. وفي مسألة إيران ذهبت الأغلبية إلى ان القادة الفكريين والسياسيين في البلد مدفوعون لطرح قضية الغزو الثقافي كشعار أيضاً يهدف إلى دوام أوار المعركة بين مشروع الثورة الإسلامية والمشروع الغربي، وخلصوا ببساطة عجيبة إلى ان الطرح في إيران هو الآخر طرح آيديولوجي (غير واقعي أو مضخّم على أقل تقدير، يستبطن غير ما يعلن) يهدف تحقيق غايات سياسية واجتماعية، وان الغزو الثقافي مسألة وهمية مختلقة لا أثر لها ولا وجود في الواقع الخارجي، وهي لا تعدو أن تكون أداة وحسب.