الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة - ١٢ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة - ١٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

الثورة الإسلامية أسقطت محاولات التغريب الثقافي للمجتمع

 

في العاشر من شهر كانون الثاني/ ديسمبر من  العام 1984م، تم إنشاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية بأمر من الإمام الخميني(قدس) الذي قال في كلمته عن تأسيس هذه المؤسسة:"إن الخروج من الثقافة الغربية السيئة التعليم والتأثير واستبدال الثقافة التربوية الإسلامية والوطنية والثقافية والثورة الثقافية في كافة المجالات على مستوى البلاد يتطلب الكثير من الجهد لتحقيق ذلك ومحاربة النفوذ المتأصل للغرب".
إنّ انتصار الثورة الإسلامية المجيدة في عام 1979م، وما تبعه من قيام نظام الجمهورية الإسلامية بدلاً من النظام البهلوي أحدث تغيراً وتحولاً جذرياً في مختلف المجالات الاجتماعية، لأن التحول في النظام يتحقق عبر تحول الأسس والتحولات الهيكلية والبنيوية، وفي هذا الصدد، تتمتع فئة "الثقافة" بمكانةٍ خاصة وقاعدة مميزة، إذ لا يمكن إحداث تغيير أساسي وجذري في نظامٍ ما دون تغيير في ثقافة المجتمع،  لذا تعتبر تأسيس هذا المجلس بمثابة نقطة تحول في تاريخ الثورة الثقافية.
في هذه المقالة وبمناسبة تشكيل المجلس الأعلى للثورة الثقافية في هذه الأيام سنسلط الضوء على محاولات التغريب الثقافية التي حاول الشاه فرضها على المجتمع الإيراني وسعيه في استبدال الثقافة المحلية (الثقافة الوطنية الخاصة) بالثقافة الأجنبية. والتي كان يُروَّجُ لها بشكل كبير، وتشيع على نطاقٍ واسع من دون أن يكون ثمة حاجز أو رادع، ثم ما لبثت أن انقطعت مع انتصار الثورة الإسلامية، بَيدَ  أن المحاولات لا تزال مستمرة لترويجها وإشاعتها في المجتمع الإيراني.
الثقافة والتمدن في العصر البهلوي الأول
نظرًا لأن الوضع السياسي والاجتماعي في إيران لم يكن يتمتع بالسلطة اللازمة في هذه الفترة، فإن الحكم الاستبدادي وعدم كفاءة القاجار قد وضع ثقافة البلاد وحضارتها في مسار بعيد عن النمو والتقدم.
فقد كان البهلوي الأول الذي وصل إلى السلطة في إيران عبر التدخل الأجنبي والإنقلاب العسكري، شخصاً لا علم له بالثقافة والحضارة، وكان طوال فترة حكمه يُنفذ برامج ثقافية غربية مفروضة عليه من الخارج، فكان من الطبيعي أن يتم تدمير الحضارة والثقافة الإسلامية، التي كان ينبغي أن تنمو بجهود العلماء الإيرانيين، على يد دكتاتوريته. ففي فترة حكم "رضا شاه"، كانت إيران  ترزح تحت احتلال القوات الأجنبية لأسبابٍ مختلفة، ومن الواضح أنه ضمن بيئة عسكرية وديكتاتورية، لا توجد فرصة أبداً لتطور العلم والحضارة والثقافة.
سياسات "رضا خان" في منع التقدم الثقافي
في سبيل نشر الثقافة الغربية في المجتمع الإيراني، بدأ "رضا خان" بمعارضة رجال الدين وأهان حرمة العلماء من خلال منع الحجاب، وأرسل زوجته إلى مدينة قم المقدسة لزيارة السيدة فاطمة المعصومة(ع) بدون حجاب، ما دفع علماء الدين بالاحتجاج على تصرفاته فما كان منه إلا مواجهتهم بالقوة وإبعادهم عن مدينة قم المقدسة.
لم يكن دور علماء الدين في الشؤون السياسية والإجتماعية محدوداً، ولكن بعد الإصلاحات القضائية، حُرم رجال الدين بشكلٍ عام من الحق في القضاء، وفي مجال التعليم العام اختفى وجودهم تماماً.
الوضع الثقافي في إيران من حيث التعليم
في السنوات الأولى من حكم رضا شاه في إيران، كانت هناك 50 مدرسة أجنبية في إيران، منها 25 مدرسة تابعة للمبشرين الدينيين الأمريكيين، وتأسست جامعة طهران عام 1929م، وفي عام 1933م كان يدرس في إيران 4200 طالب، كما تم إرسال مئات الطلاب الإيرانيين إلى الخارج للدراسة. بشكلٍ عام، كان عدد المراكز التعليمية في إيران قليل جدًا وغير كافٍ وقد بلغت التكلفة الإجمالية للتعليم العام 4٪ من ميزانية الدولة. ودرس أبناء البرجوازيين والموظفين الحكوميين في هذه المدارس، أمّا طبقات الشعب الكادحة من مزارعين وعمال وحرفيين فكانت محرومة عمومًا من إمكانية تعليم أطفالهم، وبشكلٍ عام، كان عدد المتعلمين في البلاد منخفض جدًا، كما تم إنشاء مدارس مختلطة للبنين والبنات في هذه الفترة، وطالب بحقوق متساوية للنساء والرجال ومنحهم ما يسمى بالحرية.
وفي سياق سياسته التغريبية تم إنشاء العديد من المراكز التعليمية في بعض المدن الكبرى، وهي مخصصة لتعليم الموسيقى، للمراحل التعليمية المختلفة، وعُد إنشائها خطوة في إطار التطوير الثقافي للمجتمع الإيراني وفق المؤيدين للشاه، إلا أنها لم تكن كذلك بل تقليدًا للثقافة الغربية.
حاول "رضا خان" أن يقود بلاده بالطريقة نفسها التي اتبعتها تركيا (التغريب ومحاربة الإسلام) وقام بتطبيق القوانين والعادات الأوروبية في إيران، بل وأجبر الإيرانيين على ارتداء الملابس الغربية. لقد حاول إلحاق إيران بالغرب ظاهراً وباطناً، في الشكل والمظهر وفي اللباس، وأن تكتسب شكلاً غربياً في الأخلاق وفي الارتباطات والعلاقات الإجتماعية وفي كل شيء.
بالطبع تجدر الإشارة إلى أن "رضا خان" لم يفهم ثقافة الشعب لأنه هو نفسه كان غير متعلم ، لكن إصراره  على توحيد الشعب لمعارضة المظاهر الدينية والثقافة الإسلامية كان بمثابة رسالة من بريطانيا التي أوصلته للسلطة، وبذلك سعى إلى تدمير ثقافة المجتمع المحلية وتعزيز العبثية  بهدف حرمان أي قوة من التفكير والمبادرة والإبداع ونشر الفساد والخراب في المجتمع.
وفي هذه الفترة، حوالي عام 1936م، تشكلت حركة تنقية اللغة الفارسية من الكلمات الأجنبية، لكن لم يتم النظر إلا في المصطلحات الغير أوروبية، واقتصرت العملية على الكلمات العربية والتركية واضطر الجميع إلى اختيار واستخدام الكلمات الفارسية فقط بدلاً من تلك الكلمات.
لذلك، في الفترة البهلوية الأولى، تم ترويج ونشر ثقافة دخيلة على عادات ومعتقدات الإيرانيين الدينية والقومية، وفي هذا الصدد اتخذ "رضا خان" "كمال أتاتورك" أنموذجاً له، يسير على خطاه، وفي هذا السياق، بدأ  النظام في إيران  في إرسال الطلاب إلى الخارج وإحضار الأساتذة الأجانب إلى إيران، وإنشاء المدارس الأجنبية التي طغت على المدارس التقليدية والدينية، وتوحيد ملابس الناس ومنع الملابس المحلية ومنع الحجاب، وكل هذا في سبيل تعزيز الثقافة الغربية.  وتجدر الإشارة إلى أن "رضا شاه" شخصيًا لم يترك الإسلام أبدًا، وعلى عكس "أتاتورك"، احتفظ برموز إسلامية مهمة: كانت الصلاة والأذان لا تزال باللغة العربية، وكانت اللغة الفارسية مكتوبة بالخط العربي.
علاقة رضا خان مع رجال الدين في الفترة البهلوية الأولى
تُقرأ محاولة "رضا شاه" للحد من نفوذ طبقة رجال الدين في مختلف أنحاء إيران عبر الدراسة التاريخية للوثائق التاريخية للفترة البهلوية، إذ اعتبر طبقة رجال الدين والدين بشكلٍ عام عائقا أمام التقدم والتنمية . وبالفعل فقد واجه رجال الدين مشروع الشاه في ظل وجود تأثير كبير لهم على مختلف جوانب حياة الناس، إلاّ أن الشاه لم يقف مكتوف اليدين أمام مقاومتهم ورفضهم لمشروعه، فاتخذ عدة خطوات للتقليل من فعاليتهم في المجتمع.
ووفق بعض الكتاب الإيرانيين، عزل القضاة التقليديين، ووضع قوانين مدنية جديدة ومخالفة للشريعة. كما منع رجال الدين من التعامل في القضايا الشرعية، ومنع تواجدهم في البرلمانات، ومنع التظاهرات العامة في عيد الأضحى وإحياء مراسم محرم الحرام، وفتح مساجد المسلمين أمام السياح الأجانب، وفرض القيود على رحلات الحج والشعائر الدينية.
وبالرغم من كل محاولاته للحد من تعلق الناس بهم، فاستمرت علاقتهم متينة مع الناس، ولم يفقدوا كل مواردهم، وكان الوقف والخمس والمساهمات المالية للمؤمنين تحت تصرفهم، ونتيجةً لذلك، استمرت المؤسسات الشيعية مثل المدارس الدينية في العمل.
مؤشرات تغيرات نمط الحياة في العصر البهلوي
سعى النظام في حينها إلى فرض التغريب الثقافي على المجتمع عبر تعزيز العناصر الاستهلاكية وإنشاء دور السينما في المدن الكبرى وخاصةً في طهران، وبناء قاعات للعروض والموسيقى والمسرح، وتعزيز ثقافة الموسيقى الشعبية، والترويج للمجلات الشعبية، وبناء المزيد من مراكز الترفيه في المدينة، هذا ودخلت عناصر أسلوب الحياة الغربي إلى إيران بسرعة أكبر في الأربعينيات والخمسينيات جراء نمو عائدات النفط، ومواصلة تطور السينما، وظهور التلفزيون وعرض مجموعة متنوعة من المسلسلات والأفلام الأجنبية، ونمو المطبوعات الشعبية وإنشاء المؤسسات الترفيهية والخدمية مثل النوادي والمطاعم ونحوها، وتطور وسائل النقل، وكذلك سهولة إقتناء الأجهزة المنزلية، وسهولة السفر إلى الخارج بشكلٍ أكبر،  كل هذه العوامل تركت تأثيراً على  التغييرات التدريجية الظاهرة في نمط حياة الإيرانيين، وخاصةً سكان الحضر.
وعلى الرغم من تسارع دخول العناصر الثقافية والاستهلاكية الغربية الشعبية ورغم السعي الحثيث لتغيير أذواق المستهلكين وتحديث نمط حياة الإيرانيين، إلاّ أن الفجوة بين واقع حياة الناس ومشروع التحديث كانت واضحة. لقد ركز مشروع التحديث على جمهور هو في الواقع ينتمي للطبقة المتوسطة الحضرية والتي تُشكل أقلية في المجتمع، متجاهلاً حقيقة عدم المساواة الطبقية المجتمعية وكذلك القيم التقليدية والدينية للعديد من الفئات الاجتماعية. كان إنشاء المؤسسات الحضرية الحديثة، إلى جانب الصور الساحرة للاستهلاك في المسلسلات التلفزيونية الشعبية والإعلانات التي تظهر في المجلات، بمثابة تحول تدريجي في نمط حياة الإيرانيين في المناطق الحضرية والطبقة الوسطى، وخاصةً فئة الشباب.
فأدى هذا إلى إيجاد أنماط وتغييرات جديدة في أنماط حياة هذه الفئة من المجتمع وخاصةً في المدن، من التغيير في نمط الملابس، والتغير في أذواق الطعام لدى العديد من العائلات الإيرانية، واستخدام الكلمات الغربية في المحادثات العامة وحتى الرسمية، والتغيير في الأساليب المعمارية والديكور المنزلي.  ومن خلال تطبيق هذه السياسات، ساعد النظام البهلوي الاستكبار على تدمير استقلال البلد الثقافي، وتحويل البنية الفكرية للأمة الإيرانية، ومأسسة ثقافة التبعية في المجتمع الإسلامي الإيراني حتى يستمر في حكمه دون أية مقاومة لنظامه.
لقد ضرب هذا النظام على قواعد الثقافة الذاتية الخاصة للشعب وزلزل أركانها، وأنشب أظافر التخريب فيها، حتى حلت الثقافة المستوردة بدلاً من الثقافة الخاصة، ونفذت في أغلب مرافق حياتنا وشؤونها.
ختاماً لم يكن مشروع الشاه التحديثي بشكلٍ عام مشروعاً شاملاً ومتوازناً ناشئاً عن تطور منطقي وملائم للشعب الإيراني، ولم يشمل كافة فئات وطبقات المجتمع الإيراني ولم يقدم صورة كاملة وعادلة عن واقع حياة الفئات المختلفة، فضلاً عن إرساء وتطوير مؤسساتي لعناصر الثقافة الشعبية في المجتمع، بل تمحور هدفه فقط حول السير بالمجتمع الإيراني تأسياً بالغرب على طريق العلمنة والتغريب الثقافي وسلخ ثقافته الأصلية المنبثقة من الشعب.

البحث
الأرشيف التاريخي