كتاب المفاوضات السرية بين العرب و«إسرائيل»
في الـ 23 من أيلول / سبتمبر من هذا العام (2023)، كانت الذكرى الـ 100 لولادة المفكر السياسي الأستاذ محمد حسنين هيكل، والتي احتفل فيها محبّيه بإعادة اقتباس أبرز ما كتبه أو ما قاله من تحليلات ومعلومات خلال حياته، بيّنت في حينه أو من بعد وفاته، على قدراته التحليلية والاستشرافية العالية. كما أنه يُشهد للمفكر هيكل بأنه طوال سني عمره كان من أشدّ مناصري النهج والفكر التحرري والمقاوم للاستبداد وللاحتلال الإسرائيلي، وهو ما كان يظهر في مقالاته وكتبه وغيرها، بالرغم مما قاساه جراء هذه المواقف.
ومن أهم الكتب التي أعدها في هذا السياق، سلسلة "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، التي استخدم فيها كل أدواته في التحليل والتوثيق لمرحلة من أخطر مراحل العصر، التي مرّت بها منطقتنا والعالم، وامتدت منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين حتى بدايات القرن الواحد والعشرين، والتي ما زالت أجواؤها تشبه الى حد كبير أجواء مرحلتنا الحالية، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة تطبيع دول عربية مع الكيان المؤقت منذ سنوات، وما اعترف به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مؤخراً من حصول مفاوضات لإعلان التطبيع ما بين السعودية وإسرائيل في المرحلة المقبلة، بسعي أمريكي لحصول ذلك.
وقد وصل عدد صفحات الكتب الثلاث الى أكثر من 1200 صفحة، وجاء الكتاب الأول بعنوان: "الأسطورة والامبراطورية والدولة اليهودية"، والثاني بعنوان:"عواصف الحرب وعواصف السلام"، والثالث بعنوان: "سلام الأوهام أوسلو ما قبلها وما بعدها".
يتحدث الجزء الأول عن المفاوضات السرية التي تمت بين مصر والكيان المؤقت. واستفتح الأستاذ هيكل كتابه بالحديث عن الفرق بين الطبعة العربية والمترجمة لهذا الكتاب، فأوضح بأن هناك اختلاف بينهما لحُب العرب لمتابعة التفاصيل الدقيقة، لذلك أطال بالتفاصيل في الطبعة العربية.
وقد قُسم الكاتب الكتاب إلى 5 فصول، أعطى لكل منها عنوانًا منفصلًا. ويتحدث في كل فصل عن مجموعة من الشخصيات التاريخية المصرية والأجنبية والصهيونية والعربية، التي كانت لها دور ما في هذا الصراع. وحاول هيكل في هذا الكتاب أن يجيب على السؤال: "لماذا يجب أن تكون هناك مفاوضات سرية من الأساس؟"، مستعرضاً الأسباب التي أوجبت ذلك. كما استعرض المؤلف توازنات القوى أنذاك، مبيّناً مساعي الصهاينة الحثيثة في البحث عن أرض لإقامة دولتهم عليها، ولماذا وقع الاختيار على دولة عربية وعلى فلسطين تحديدًا.
ويستعرض هيكل في الجزء الثاني حقبة تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للحكم في مصر، ومن بعده حقبة تولي أنور السادات، وما جرى خلالهما من حروب، وانتهاءً باتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية، التي أخرج من خلالها السادات مصر من الصراع العربي الإسرائيلي.
في هذا الجزء قام هيكل بتسليط الضوء على ما حدث لفلسطين من بعد دخول الصهاينة اليها واحتلالهم لأراضيها، مرورًا بما حدث من حروب ومعارك ومجازر لسيطرتهم على الأرض، وانتهاءً بمرحلة توقيع اتفاقية أوسلو، مستعرضاً التحولات المريبة من أطراف كثيرة، حولت القضية الفلسطينية من "صراع وجود إلى صراع حدود".