الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وتسعون - ١٠ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وتسعون - ١٠ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

تحول في تاريخ الشعب الفلسطيني؛

بعد مرور 36 عاماً على انتفاضة الحجارة.. إتساع ترسيخ مفاهيم المقاومة

قبل 36 عامًا، في مثل هذه الأيام من شهر ديسمبر / كانون الثاني من العام 1987، خرج الشعب الفلسطيني ليعلن للعالم انتفاضته الأولى، ثائرًا على الظلم، بعدما صدمت شاحنةٌ عسكرية إسرائيلية حافلة تقل عمالاً فلسطينيين من أماكن عملهم داخل الكيان الصهيوني وهشّمتها، مّا أدى إلى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع) ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرأى من جنود الاحتلال.
من جباليا انطلقت انتفاضة الحجارة، وانطلقت المظاهرات العفوية الغاضبة، التي تحولت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، أدت إلى استشهاد الشاب حاتم السيسي، ليكون أول شهيد في الانتفاضة المباركة.
وتدحرجت الانتفاضة من مخيم جباليا، إلى مخيم بلاطة، ونابلس، وشملت مختلف المناطق الفلسطينية، واستمرت سبع سنوات في كل بيت، وعائلة، وقلم، ومنبر، وجدار، وشارع، وحارة، وحي، ومدينة، ومخيم، وقرية في الضفة، وغزة، والقدس المحتلة، وأراضي عام 1948.
مشاركة شعبية واسعة
تميّزت انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى بأن الشباب والأطفال كانوا في صفوفها الأولى حيث كانوا يرشقون جنود وآليات الاحتلال بالحجر ويستخدمون الإطارات المشتعلة لنصب الحواجز في عرقلة لحركة وحدات جيش الاحتلال. وكانت السكين إحدى أدواتها التي طعن بها الفلسطينيون أجساد جنود الاحتلال، وذلك بالإضافة الى الزجاجات الحارقة التي كانت تُرمى على آليات الاحتلال بعد تجهيزها بمواد أولية متفجرة ومشتعلة،كما تمثّلت الانتفاضة بفعاليات كالمظاهرات و"العصيان المدني.
وشكلت الرسومات على الجدران تعبيراً واضحاً لرسائل الانتفاضة وشعاراتها في ظل غياب وتعتيم الاعلام الفلسطيني مقابل الإعلام الصهيوني، فكانت وسيلة فعّالة في إيصال الصوت والرواية الفلسطينية. هذا وتشبه انتفاضة الحجارة إلى حدٍ كبير الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني ومخططات الاستعمار الصهيوني عام 1936 من حيث الزخم الشعبي.
وكذلك فَتحت الانتفاضة الفلسطينية الأولى الباب أمام الإبداعات الشعبية وتركت للمنتفضين مساحةً لا حدود لها من إبداع واختراع أدوات ووسائل النضال والمقاومة والتفنن في صياغة الشعارات والهتافات والمسميات، ما أدهش العالم في حينها.
حشد الجماهير أولوية الثوار
كان ثوار الانتفاضة الأولى يعملون على حشد الناس وتشجيعهم على المشاركة والانخراط في المظاهرات والاحتجاجات عبر الكتابة على الجدران وعبر توزيع المنشورات الورقية، والنداء بمكبرات الصوت . فاستطاعت بذلك أن تحشد في صفوفها جميع مكونات المجتمع الفلسطيني؛ من نساء وأطفال وشيوخ وشباب، فاحتشد الكل الفلسطيني في خندقها وانصهر الجميع في فعالياتها ما زاد من قوتها وضخامتها. علق يوحنان تسوريف مسؤول الشؤون الفلسطينية بوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية على ذلك قائلًا:" شهدت الانتفاضة الأولى مشاركة جماهيرية حاشدة لم يعهدها الفلسطينيون بهذه الكثافة منذ ثلاثين عامًا، وبدل أن يكون عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين رادعًا للمتظاهرين، فقد شكل عاملًا دافعًا لهم للانتقام، وزيادة أعدادهم للانضمام إلى المقاومة".
الإنتفاضة عززت العلاقات الإجتماعية
شهد المجتمع الفلسطيني في هذه الإنتفاضة مظاهر عديدة وملموسة في ميدان العلاقات الاجتماعية والعلاقات بالمعنى الواسع للكلمة. وبالرغم مما أحدثه الاحتلال من تغييرات جوهرية على البنية الاجتماعية الفلسطينية ومحاولة منعه لنسق تطورها إلاّ أن هذا المجتمع الذي تميز بالحيوية والقدرة على تكييف أوضاعه بل تمايز بها وبتفوق على المحتل نفسه، تلاحمت عناصره المختلفة ومكوناته ضد الخصم وهو العدو الصهيوني بالرغم من تأثير الاحتلال السلبي على كل طبقاته ومراتبه الاجتماعية.
في الجانب الآخر أعطت الانتفاضة مضموناً جديداً وفعالاً لشكل العلاقات الأسرية والعائلية الضيقة باتجاه أكثر عمومية وشمولية وطنية فقد انفتحت الأسرة على محيطها أكثر بالمعنى الضيق والواسع. كما إن جسم العائلة والعشيرة وهي تنظيم متين في المجتمع الفلسطيني وُظف لصالح الموقف الوطني وعلى حساب رابطة الدم، وهذا يُعد تحولاً نوعياً كبيراً " مثلاً أسرة تتخلى عن أحد أفرادها العملاء وتهدر دمه وتشارك في إعدامه".
كذلك عزز الشعور الجماعي بالاستهداف الترابط العضوي واللحمة بين وحدات البنية الاجتماعية الفلسطينية. فلقد بنى المُجتمع المدنيّ الفلسطينيّ نفسه، ما بين احتلال 1967 وانتفاضة الحجارة 1987، على أسس وقيم التكافل الاجتماعيّ، الانتفاضة الأولى، ورغم عفويّة انطلاقها، ما كانت لتقوم وتستمر لولا أطر من التكافل الاجتماعي المبنيّة أصلاً. لقد كانت بوادر تلك الأطر مستندة على ثقافة "العونة"، لكنّها بدأت تأخذ شكلاً مُنظماً مع بداية عقد السبعينيّات، فبدأت تتشكّل مجموعات تطوّع في مُدن كالقدس ورام الله.
وتوسّع العمل التطوعيّ خلال السبعينيّات فمنذ "نهاية السبعينيات صارت هناك مئات لجان التطوّع المحليّة تشمل كل الأعمار، وبدأت تُنفّذ المشاريع المختلفة. وصل هذا التعاون والتكاقل الإجتماعي إلى ذروته مع الانتفاضة الأولى واستمر الطابع التكافليّ الشعبيّ للعمل الاجتماعيّ إلى ما بعدها، وشمل مجالاتٍ متنوعة، كالخدمات الطبيّة، والإقراض الزراعيّ، وحتّى مجال المساعدة القانونيّة لأسرى الانتفاضة.
لقد كان للفعل المقاوم المتصاعد الذي أحدثته الانتفاضة بمشاركة شاملة لمختلف الشرائح أثراً في تجاوز الفوارق الشكلية اجتماعياً وسياسياً أيضاً على صعيد الفصائل والقوى لصالح صيغة أكثر ائتلافاً وتقارباً وعضوية فعند محاصرة قرية تهب القرى المجاورة لدعمها بكل ما تملك وبالذات نضالياً وغذائياً ويقوم التجار وأصحاب العقارات بالالتزام بتخفيف إجارات العقارات وعدم استغلالهم للأوضاع لرفع الأسعار والتزامهم بالبرنامج الذي تقره القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة وذلك وفق المرويات الشفوية التي امتلأت بها الكتب الفلسطينية والتي تناولت هذه الإنتفاضة. وفي هذا الإطار أعطت الانتفاضة للروابط والمشاريع الدينية بُعداً وطنياً فاعلاً وداعماً للانتفاضة، فعلى مستوى الشعب نلاحظ أن المقدسات الإسلامية والمسيحية وضرورة تحريرها قد لعبت دوراً في تعزيز مشاركتها بالنضال، إذ لعبت المساجد والكنائس دوراً بارزاً في النضال المستمر ضد الاحتلال وشكلت منابر تعبوية للجماهير.
المرأة الفلسطينية في الانتفاضة
تطوّر أداء المرأة الفلسطينية الوطني النضالي في سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 87-1993، إذ انخرطت في العملية الانتفاضية في كافة مظاهرها وأشكالها ووسائلها ومجالاتها امتداداً من اتحادات مجالس الطلبة الجامعية، مروراً باتحادات المرأة بأنشطتها المتعدّدة، وانتهاءاً بالمشاركة الميدانية الفعلية إلى جانب الرجل في التظاهرات والمواجهات، وكل ذلك إلى جانب دورها في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة، ووفق التقارير والدراسات البحثية الفلسطينية فقد لعبت المرأة الفلسطينية دوراً كبيراً في الانتفاضة الأولى ساهم إلى حد كبير في استمرارها وتحمّل أعبائها وتضحياتها وضغوطاتها المختلفة، وخاصةً على الصعيد الاقتصادي، إذ كانت المرأة تحمل كميات كبيرة من الحليب والدواء والمواد الغذائية وتتسلّل مخترقة الحصارات والأطواق العسكرية لمساعدة أهالي القرى والمخيمات المحاصرة ، فضلاً عن دورها في الزراعات البيتية والخبز ما ساهم في توفير سبل الصمود والاستمرار.
لقد خرجت المرأة الفلسطينية في الانتفاضة للشارع لتشارك في الاعتصامات والمظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال متحدية الغازات السامة والدبابات والرصاص وتقدم فلذات أكبادها والأجنة في بطونها شهداء على درب المقاومة جراء استنشاق الغازات السامة أو الاستشهاد أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال. ونتيجة للدور الهام والجريء للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة أدركت الادارة الاسرائيلية ذلك إذ قالت " إن الحرب هي الحرب وإن للنساء الفلسطينيات دوراً فعالاً في الانتفاضة لذلك لا بد من اعتقالهن وتعذيبهن إذا لزم الأمر لنزع الاعتراف منهن".
هذا وأظهر تقرير دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية مشاركة المرأة الفعالة إذ" إن الإناث يشكّلن 7% من عدد الشهداء الفلسطينيين في الفترة 1987-1997،  (ويصل إلى نحو 1500  شهيد تقريباً )، ويشكّلن 9% من عدد حالات  الجرحى البالغ نحو 70 ألف جريح، إضافة إلى اعتقال مالا يقلّ عن 500 امرأة خلال الانتفاضة الأولى، فضلاً عن " اعتقال نحو عشرة آلاف امرأة فلسطينية منذ عام 1967"، و أكثر من ( 1700) حالة إجهاض خلال الفترة ذاتها جرّاء استنشاق الغازات السامّة والضرب المُبرح للنساء".  
الانتفاضة.. مقاومة مستمرة
إن حالة الانتفاضة والمقاومة ليست سوى الرّد الطبيعي والمشروع على احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، كما مجازره المرتكبة بحق الفلسطينيين في أراضي الـ 48، لكن كان هناك أسباباً أخرى تمثّلت في تزايد بناء المستوطنات والقمع والتنكيلات اليومية بالإضافة الى التفتيشات عند الحواجز التي كثّفها الاحتلال لا سيما بين المناطق، ورفضاً للحصار والتشديدات الاجتماعية والاقتصادية، فيما مهّدت طريقها أعمال فدائية فردية تكثّفت في العام الذي السبق الانتفاضة مباشرة.
و انتفاضة الحجارة هذه التي استمرت لـ 6 سنوات لم تنتهِ فقط عند 13 أيلول عام 1993 اذ توارث الجيل الجديد من الشباب الفلسطينيين زخمها ونفسها المقاوم والنضالي وارتقوا الى أهم القدرات العسكرية والجهادية.
ختاماً لقد شكلت الانتفاضة محطة استراتيجية من مراحل نضال الشعب الفلسطيني واعلاء الصوت المقاوم من داخل فلسطين المحتلّة. كما أكدت الانتفاضة على وجود هوية وطنية وصمود فلسطيني، وساهمت في دخول الصراع الصهيوني الفلسطيني على وجه الخصوص مرحلة جديدة حيث شكل الميدان الأول لبناء وتأسيس كوادر المقاومة وبناء الخبرات والتجارب الأولى. وقد عبرّت الشعب الفلسطيني في هذه الانتفاضة عن فهمٍ عميق لمتطلبات المرحلة النضالية آنذاك ووعي بالمشروع الصهيوني، كما أكدت على تلاحم الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، والأهم أنها رسّخت المفاهيم الجهادية ومشروعية المقاومة من داخل فلسطين المحتلّة ونقشت في الذاكرة التاريخية الفلسطينية نموذجاً ثابتاً سيكون الأرضية في الإنتفاضات
والعمل المقاوم.

 

البحث
الأرشيف التاريخي