في حرب لا تبدو نهايتها قريبة

الاقتصاد الصهيوني يعاني تأثيرات كارثية لحرب غزة

عادت إلى الأذهان التكلفة الكارثية التي يتحملها الاقتصاد الصهيوني مع تجدد العدوان على غزة، في حرب لا تبدو نهايتها قريبة، وفي وقت يحاول فيه رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو محو ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من الذاكرة.وبعد تمكنها من تجنب الانهيار، في أعقاب الصراعات السابقة، مثلت دولة الاحتلال صورة مثالية لاقتصاد يتميز بالمرونة؛ لكن هذه المرة، يرى محللون أن الأمر قد يكون مختلفاً.واهتز الاقتصاد الصهيوني بالفعل قبل الحرب مع الاحتجاجات الضخمة التي أعقبت محاولات نتنياهو فرض ما أسماه "إصلاح النظام القضائي"، في حين رآها كثيرون محاولة لجعله خاضعاً للحكومة. وكان هناك انخفاض بنسبة 60% في الاستثمار الأجنبي، وتآكل في قيمة العملة، بالإضافة إلى تقلبات واسعة في سوق الأسهم، وفقاً لبيانات نشرتها بلومبيرغ.
وبلغ معدل نمو الاقتصاد الصهيوني 5/6% في عام 2022. وقبل انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، توقع بنك إسرائيل المركزي نمو الاقتصاد بمعدل 4/3% في عام 2023.وفي السيناريو القاتم الحالي، توقع البنك أن التعافي المستدام والسريع من الحرب، إذا انتهت في عام 2024، يمكن أن يؤدي إلى نمو الاقتصاد الصهيوني بنسبة 2/2% في عام 2024؛ ولكن إذا استمرت الحرب حتى عام 2025، فقد قدر البنك أن النمو سوف يستقر عند 2/0% فقط.وقبل الحرب، وعلى مدار السنوات الأخيرة، تمتعت "إسرائيل" بأحد أعلى مستويات المعيشة في المنطقة. وقدر متوسط دخل الفرد في عام 2022 بنحو 173/52 دولاراً أميركياً، من قبل صندوق النقد الدولي، على الرغم من حقيقة أن 25% من الإسرائيليين يعيشون في فقر وأن هناك توزيعاً غير متساو للثروة؛ لكن على مدار الأشهر الأخيرة التي سبقت عملية "طوفان الأقصى"، ارتفعت أسعار العقارات وتكاليف المعيشة.
 تكلفة الحرب
وفقاً لما ذكرته رويترز، فقد جرى إيقاف الإنتاج في أحد حقول الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية الرئيسية، كما أثر كوفيد-19 أيضاً على الاقتصاد الصهيوني. والأسبوع الماضي، قدر البنك المركزي الإسرائيلي أن الحرب في غزة قد تكلف حوالي 53 مليار دولار بين عامي 2023 و2025، على أن يكون أكثر من نصف هذا المبلغ مخصصاً للإنفاق العسكري المتزايد.
وعادة ما يستحوذ جيش الاحتلال على أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما وصل إلى 4/23 مليار دولار العام الماضي. كما تتلقى تل أبيب 8/3 مليارات دولار أيضاً، في صورة مساعدات سنوية من الولايات المتحدة، تستخدم بشكل أساسي لشراء الأسلحة الأميركية.
وقبل السابع من أكتوبر، امتلك بنك إسرائيل حوالي 200 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، أي ما يقرب من 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؛ لكن مع بدء العدوان على القطاع المحاصر، ضخ البنك المركزي ما يقرب من 30 مليار دولار من العملات الأجنبية في الأسواق، بهدف دعم العملة الإسرائيلية، والحفاظ على السيولة المطلوبة في الأسواق المختلفة. ومع ذلك، سجل الشيكل أدنى مستوياته في ثماني سنوات.
 الاقتصاد الحقيقي
وفي ما يخص الاقتصاد الحقيقي، كانت السياحة والتكنولوجيا المتقدمة وصادرات الخدمات أكبر المساهمين في الاقتصاد الصهيوني، وقد تأثرت جميعها سلباً بالصراع.ووفقاً للبنك الدولي، فقد ساهمت الصناعة ككل بنسبة 2/17% من الناتج المحلي الإجمالي، ووظفت 17% من القوى العاملة. وبسبب الحرب، تباطأت فجأة صناعة التكنولوجيا في "إسرائيل"، وهي محرك أساسي للنمو. وأثر استدعاء نحو 360 ألف جندي احتياطي، جرى توظيفهم في وظائف مختلفة في وقت السلم، في تقييد قدرات شركات التكنولوجيا الفائقة على العمل، ومن ثم الاضطرار لتركهم أعمالهم بعد قليل، من دون الإعلان عن ذلك.
 قطاع السياحة يعاني
وعانى قطاع السياحة في الأراضي المحتلة، بمختلف شركاته، بشكل كبير. وساهم هذا القطاع بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان الصهيوني العام الماضي، ووفر بشكل غير مباشر 6% من إجمالي الوظائف؛ ولكن في الوقت الحالي، بقيت الفنادق مهجورة، أو يجرى استخدامها مراكزاً للإيواء لمن اضطروا أو أجبروا على ترك منازلهم للابتعاد عن مناطق المواجهات.وتجنبت السفن السياحية شواطئ فلسطين المحتلة، وألغت شركات السياحة خططها، واضطرت في بعض الأحيان لدفع تعويضات للسياح، كما أوقفت شركات الطيران الكبرى رحلاتها من البلاد وإليها، بما في ذلك رحلات الشحن، وفقاً لما ذكرته رويترز.
 الزراعة تعاني
وكان للحرب أيضاً تأثيراً مباشراً على إنتاج الغذاء في الكيان الصهيوني، رغم أنه اعتاد استيراد المواد الغذائية، حيث لا يكفي الإنتاج المحلي عادة لتلبية احتياجات المواطنين والمستوطنين.
وأفادت تقارير رسمية بأن نشاط الزراعة يعاني من عجز يقدر بنحو عشرة آلاف مزارع. وقد رفض اقتراح من وزارة الزراعة الصهيونية لتوظيف 8000 من الضفة الغربية، منهم نساء فلسطينيات من جميع الأعمار، ورجال يبلغون من العمر 60 عاماً أو أكثر، من قبل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الزعيم اليميني المتطرف. وفي جنوب الأراضي المحتلة، بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أصبحت المزارع منطقة واسعة لاحتشاد الجيش، وخلت من المزارعين.
 أولويات الميزانية
ويدفع الاقتصاديون الحكومة إلى إعادة ترتيب أولويات الميزانية. وبعد انطلاق المواجهات العسكرية بقليل، كتب ثلاثمائة خبير اقتصادي صهيوني رسالة مفتوحة إلى الحكومة، دعوا فيها رئيس الوزراء ووزير المالية إلى التنفيذ العاجل لمجموعة من التدابير مهما كانت غير مستساغة في نظرهم، وطالبوا بإعادة توجيه الأموال المخصصة للبرامج التعليمية للمجتمعات الحديدية إلى الإنفاق العسكري.وأفادت وسائل إعلام عبرية إن مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال العالمية بدأت جهداً أطلق عليه اسم "الأمة الحديدية" لحماية الشركات الصهيونية الناشئة من الإفلاس، ومنع الاقتصاد من الانهيار تحت الضغط بسبب الصراع المستمر في غزة. وقد طلبت بعض الشركات الصهيونية مابين 500 ألف إلى 5/1 مليون دولار لضمان استمرار أعمالها.
ونظراً لعدم توقف الحرب من جانب الكيان الصهيوني، سيتعين على الاقتصاد والمواطنين في دولة الاحتلال، في نهاية المطاف، أن يتعايشوا مع عواقب رفضهم منح الفلسطينيين حقوقهم المعترف بها.

البحث
الأرشيف التاريخي