في أحد أكثر ممرات الشحن اكتظاظاً حول العالم
حرب الممرات التجارية تستعر في البحر الأحمر
الوفاق/ وكالات
تستعر حرب الممرات التجارية في البحر الأحمر، إذ شن الجيش اليمني واللجان الشعبية، في تسع ساعات فقط يوم الأحد الماضي، هجمات ضد سفن صهيونية أو مرتبطة بتعاملات تجارية مع دول الاحتلال، تعادل تقريباً ما تعرضت له المصالح الصهيونية العابرة للشريان التجاري الحيوي على مدار أكثر من أسبوعين.
وتسلط الهجمات الأخيرة الضوء على تصاعد التوترات في أحد أكثر ممرات الشحن البحري اكتظاظاً حول العالم، الأمر الذي يعرض التجارة الصهيونية بالغة الأهمية لمخاطر كبيرة ويضرب أنشطة إنتاجية وخدمية في العمق ويزيد من حالة الشلل التي أصابت بالأساس موانئ كيان الاحتلال منذ شن المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وشن جيش الاحتلال حرب مدمرة ضد قطاع غزة.
كما تضع هذه الهجمات الولايات المتحدة الأميركية في مأزق شديد، لاسيما أنها تنال من قدرتها على حماية المصالح الصهيونية وشركائها، وفق محللين اقتصاديين.
وجرى، يوم الأحد، استهداف سفينة "يونيتي إكسبلورر" التي ترفع علم جزر البهاماس بصاروخ بحري، وسفينة الشحن "نمبر 9"، التي ترفع علم بنما بطائرة مسيرة، وفق يحيى سريع المتحدث باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية، في منشور على موقع إكس، في حين أفادت سفينة "صوفي 2"، التي ترفع أيضاً علم بنما، عن إصابتها دون وقوع خسائر بشرية، وهو ما أكدته القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، مشيرة إلى "وقوع 4 هجمات على 3 سفن تجارية تبحر بشكل منفصل في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر".
وسفينة "يونيتي إكسبلورر" تعود لشركة بريطانية يملكها داني أنغر نجل رجل الأعمال الصهيوني رامي أنغر الذي يملك سفينة "غالاكسي ليدر" التي احتجزها الجيش اليمني واللجان الشعبية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والتي كانت محملة بسيارات من آسيا إلى الكيان الصهيوني، وفق تقرير لصحيفة غلوبس الاقتصادية.
ويأتي كشف الصحيفة عن الملكية الإسرائيلية لسفينة "يونيتي إكسبلورر" التي تعرضت للاستهداف، بينما كان الأميرال دانيال هاجاري المتحدث باسم جيش الاحتلال قد قال للصحافيين في تل أبيب، الأحد الماضي، إن هذه السفينة كما سفينة "نمبر 9" لا تربطهما أي صلة بـ"إسرائيل".
تسلسل الهجمات
وتسلسل الهجمات الأخيرة التي تم تنفيذها، أكبر من جميع هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية مجتمعة حتى الآن من حيث الكمية، ونطاق الوسائل المستخدمة، وفق محللين صهيونيين.
وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، استولى الجيش اليمني واللجان الشعبية على سفينة محملة بالسيارات تسمى "غالاكسي ليدر" في البحر الأحمر، ولم يجر تحريرها بعد. وفي الـ24 من الشهر نفسه، تعرضت سفينة تجارية مملوكة لرجل أعمال صهيوني لهجوم في المحيط الهندي بطائرة مسيرة.
وتدفع الهجمات المكثفة ضد السفن الصهيونية العابرة البحر الأحمر، شركات الشحن الصهيونية والعالمية أيضاً التي تنقل البضائع بين الأراضي المحتلة وآسيا إلى تغيير مسارات سفنها، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التأمين على السفن، ما يرفع من كلف الشحن والبضائع ويزيد مستويات أسعار السلع، ما يدفع بنك إسرائيل المركزي للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، ما يزيد من الأعباء المالية التي تتحملها مختلف الأنشطة الاقتصادية التي تئن من تصاعد تكاليفها وسط استمرار الحرب، وبالتالي أضحت هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية ضد تجارة "إسرائيل" بمثابة كرة لهب متدحرجة تحرق في طريقها الكثير من الأنشطة.
وأعلنت شركة الشحن البحري الصهيونية "زيم"، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، تحويل سفنها "بسبب الأوضاع في بحر العرب والبحر الأحمر"، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في إطار "إجراءات إحترازية"، كما غيرت شركة الشحن العالمية "ميرسك" مسارات عدة سفن لها.
ويضرب الارتباك الذي يسيطر على قطاع الشحن صناعات حيوية وأنشطة لوجستية صهيونية، فصناعة السيارات تشعر بالفعل بالصدمات الناجمة عن الاضطرابات الحاصلة بشأن سلاسل التوريد من آسيا، لاسيما من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وفق تقرير صحيفة غلوبس، لافتة إلى أن تغيير مسار السفن يعني تأخيراً محتملاً لمدة 18 يوماً في وصول السفن، ما يعني مضاعفة وقت التسليم الطبيعي إلى "إسرائيل" تقريباً.
بالإضافة إلى ذلك، ألحقت هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية أضراراً جسيمة بميناء إيلات، حيث يستقبل الميناء معظم السيارات القادمة إلى الكيان الغاصب، وذلك في وقت تعرضت مدينة إيلات لـ"ضربة تركيعية" بالأساس، وفق وصف صحيفة معاريف الإسرائيلية بفعل الضربات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، حيث قفزت معدلات البطالة بنسبة 100%، وانخفض نشاط الشركات التجارية بشكل كبير، وتضررت مناطق الجذب السياحي.
آثار تكرار الإستهداف
ويقول الخبير في الاقتصاد السياسي، الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار، عبدالقادر سليماني، في هذا الصدد: إن تكرار استهداف سفن شحن صهيونية سيؤثر بشكل كبير على تجارتها واقتصادها.
وأوضح سليماني: إن الاقتصاد الإسرائيلي يقوم بالأساس على صادرات قطاع التكنولوجيا مثل الرقائق الإلكترونية، إلى دول جنوب شرق آسيا، خاصة الصين، ما يعني أن تهديد النقل البحري يمثل أزمة كبيرة لشركات هذا القطاع، التي تمثل منتجاتها أهم صادرات الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل.
يذكر أن تمر عبر مضيق باب المندب الذي يشرف عليه اليمن 10% من التجارة البحرية الدولية سنوياً من خلال مرور نحو 21 ألف سفينة، كما تمر عبره 6 ملايين برميل من النفط يومياً.
وفي حال استمرار المخاطر في المضيق وتعرض التجارة البحرية والسفن الصهيونية لمخاطر الاحتجاز والاستهداف، قد يكون البديل هو النقل الجوي أو البري، وهو ما يعني ارتفاع التكاليف بشكل أكبر، وهو ما سينعكس سلباً على تجارة الكيان الصهيوني الخارجية.
ولا يزال يواجه الكيان الصهيوني صعوبة بالغة في إقناع شركات الطيران العالمية باستئناف رحلاتها إلى "إسرائيل"، حيث تتمسك الشركات بالحصول على ضمانات من كيان الاحتلال للتعويض عن أي أضرار قد تتعرض لها.
ووفق بيانات البنك الدولي، فان التجارة السلعية للكيان الصهيوني مثلت 6/34% من ناتجها المحلي خلال العام الماضي 2022، والذي بلغ نحو 522 مليار دولار. وبلغت قيمة الصادرات السلعية للكيان حوالي 8/73 مليار دولار، فيما وصلت الواردات إلى 2/107 مليارات دولار.أما دائرة الإحصاء المركزية في الكيان الصهيوني، فأشارت إلى أن موانئ الكيان في العام 2022 فرغت بضائع حمولتها 6/40 مليون طن، فيما حملت للخارج بضائع بلغت حمولتها 2/18 مليون طن.