الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وتسعون - ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وتسعون - ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

رواية «أم سعد».. رسالة ضد اليأس وإعادة ترتيب أوراق المقاومة

من اللافت للإنتباه أن هذه الرواية التي كتبها كنفاني بعد نكسة 1967 بسنتين، كانت رسالة ضد اليأس ووصية لتظافر الجهود وإعادة ترتيب أوراق المقاومة بدل الهجرة؛ فكل قضية عادلة تحتاج أمثال أم سعد، امرأة تنهض كل مرة من الهزيمة وهي تؤمن بأن العود الناشف يمكن أن ينبت عنبا ولو بعد حين؛ وتدافع عن ابنها الذي رفض أن يشارك في عملية إزاحة الوحل عن المخيم، وفضّل بدل ذلك أن يكافح للقضاء على أسباب وجود المخيم ذاته. إنها امرأة تجيد التقاط أسباب الأمل مهما كان كبيرا ما تعانيه من بؤس.
هكذا يجسد غسان كنفاني صورة شريحة واسعة تملك وعياً سياسياً وتناضل من موقعها، بأغلى ما تملك، يفعل ذلك ليصورها كمحرك رئيسي للمقاومة ومدافع صلب عن القضية العادلة، ويرسل بذلك رسالة ضمنية بأن المقاومة هي الحل، وهو الذي كان يقول "لا يمكن الاعتماد على الدول العربية لتحارب من أجل عودة الفلسطينيين إلى بلادهم"، وكتب في روايته:
"قال لها: تصبحين على وطن.
فقالت أم سعد: ما فش حد بنام بصحى بلاقي وطن بيستناه".
الكلمة لا تموت
من جانبه، يلفت الكاتب المصري محمد سمير ندا لعبقريّة غسان كنفاني التي يمكن استخلاصها في روايته القصيرة "أم سعد"، من خلال توحيده بين الأرض والأم، ومزاوجته بين التراب والجسد في شخصية روايته الرئيسية، مشيرا لأن "أم سعد وسعيد – تلك المرأة/الأرض التي لم تعرف السعادة- ليست سوى جسد ينبت ألف فدائي كل صباح، بعدما توارى في مساءاتها ألف شهيد، من دون أن ترتدي يومًا ثوب الحداد".
ويضيف صاحب رواية "بوح الجدران" الذي ولد في العراق وتشكّل جزء من طفولته على إيقاعات الحرب الصدامية المفروضة على ايران- أن "الأم الفلسطينية، شأنها في ذلك شأن حقول فلسطين، تلد الرجال وفي يدهم بندقية، ترضعهم بأسها، هناك حيث لا يبكي الرضع، ولا يتأخرون في المشي، ولا يعرفون الزحف إلى الوراء، فإن سقط منهم شهيد، ردته إلى رحمها الذي لا يشيخ ولا تنضب خصوبته، لكي تلده من جديد".
ويعتبر "سمير ندا" أن "ملامح أم سعد تشبه أمهاتنا وجدّاتنا، تعيش بين ركام المخيّمات، بقيم الاعتزاز بالحق، والاعتداد بالفدائي الذي أرضعت، وكل هذه القوة والصلابة والإيثار".
ويتابع: "تثبت أم سعد، في هذه السرديّة الخالدة، أن هذه الأرض لن تُفقد طالما بقي أبناؤها قيد الثبات، وأن وطنا كفلسطين، لن يغيب عن خارطة العالم، طالما بقي أسفل حطامه، وفي مخيّماته، وفي مستشفياته ومدارسه، وفي ما بقي من دوره منتصبًا، أمهاتٌ يعيدون تدوير الأمل، ويمنحون الميت ولادة جديدة، ويلقمون البأس لأطفالهم، ثم يبعثون الهمّة في أجيال أشهرت رايات اليأس…".
وإذ يتباهى بعض بلدان العالم بذهبها وعتادها، فإن فلسطين -حسب سمير ندا- هي "أغنى دولة في الأرض؛ بأرحام نسائها، فكل الثروات إلى نضوب، إلا رحم الأم الفلسطينية وصدرها العامر بالبأس والأمل، وثباتها أمام العروش والنعوش".
ويؤكد الكاتب المصري في ختام حديثه أن الاحتلال استهدف غسان كنفاني من أجل كلمات ومعانٍ كهذه، "فقصف أقلامه واعتقد أنه أسكته، لكن أسلحة العالم كلها، وحتى أعتى قنابلها، لن تقدر على إخضاع الأم الفلسطينيّة، تمامًا كما لم تقدر على إسكات غسان بعد مرور نصف قرن على التخلص من جسده.. فالكلمة لا تموت، والأمهات في فلسطين، لا يتوقفن عن ولادة الكلمات".
وصية أم سعد
أما الروائي والمترجم المغربي عبد المجيد سباطة فيقول إن نساء قطاع غزة نفذن وصية أم سعد بالحرف الواحد.
ويضيف سباطة الذي وصلت روايته للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "أياما قليلة بعد اندلاع الحرب الجديدة على قطاع غزة، برز إلى العلن مشروع "قديم – جديد" يستهدف ترحيل أبناء القطاع وإعادة توطينهم في سيناء المصرية، وربما القيام بالمثل فيما بعد مع أبناء الضفة الغربية وطردهم إلى الأردن، بما يمثل نكبةً جديدةً وإنهاءً فعلياً للقضية الفلسطينية التي يناضل شعبها منذ أكثر من 7 عقود". وأردف -صاحب رواية "الملف 42": "لقد تحدث جيش الإحتلال أكثر من مرة عن رغبته في نزوح سكان شمال قطاع غزة إلى جنوبه "الآمن"، في تجسيد متكرر للأكاذيب التي لطالما احترفها على طول سنوات وجود كيانه".
ويختم سباطة حديثه بالقول: إن نساء القطاع يعملن بوصية أم سعد، سواء قرأن الرواية أو سمعن بها أم لا، فقد أعلنّ بصريح العبارة أن ما جرى عام 1948 لن يتكرر، ولن يغادرن أرضهن أبدا، وأنهن مستعدات لتقديم أبنائهن للشهادة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل إجهاض هذا المخطط، ما دام الوطن "هو ألا يحدث هذا كله" على رأي كنفاني نفسه.
فهم غسان كنفاني شعبه جيداً، وسخر قلمه لاستنهاض همته وتشجيعه على مقاومة المحتل بكل الطرق، فأدركت إسرائيل خطره مبكرا وقتلته بانفجار سيارة مفخخة عام 1972.

البحث
الأرشيف التاريخي