الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وتسعون - ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وتسعون - ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

قصائد تسكن في وجدان الناس جيلاً بعد جيل

الشعر.. صوت الضمير الإنساني

حسن بعيتي
شاعر وأديب سوري
إن اللحطة التاريخية التي نعيشها اليوم تكتسب أهميتها من كونها تعيد ترتيب المشهد لتأخذ الأشياء مكانها الصحيح بعد زمن سادت فيه المفاهيم الملتبسة التي يغلفها الكثير من الغبش والتناقض. نعم نحن اليوم في لحظة تعيد تصحيح المشهد لأن القدس هي القيمة الجامعة التي لا لبس فيها ولا خلاف عليها.
وعلينا أن ندرك اليوم أن كل الصراعات الأخرى التي لا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية ولا تواجه المشروع التوسعي للصهيونية هي صراعات هامشية لا تخدم المصلحة العليا لشعوب منطقتنا ولا سيما تلك الشعوب التي تقف في وجه العدوان الصهيوني،  وعلى الرغم من كوني شاعراً لا يميل كثيراً إلى قصائد المناسبات الخطابية، إلا أن الحدث الذي نعيشه اليوم يعلو إلى أقصى درجات الوجد وهو جدير بأن نكتب له وعنه القصائد والأناشيد والأغاني.
إنها حقاً المعركة التي لا غبار عليها أخلاقياً وإنسانياً.
أما عدم مَيلي لقصائد المناسبات عموماً فلأنها غالباً ما تأتي ضعيفة العاطفة فتغلب عليها الصنعة وأحياناً التصنع ولكن هذا لا يمنع وجود نماذج شعرية ترتقي بحق إلى مستوى فني رفيع وتأتي بعيدة عن التكلّف، لا سيما حين يتناول الشاعر الشهادة كقيمة تعلو على كل قيمة.
أتذكر هنا مثلاً هذه الأبيات لبدوي الجبل التي يقول فيها:
هل في الشام و هل في القدس والدةٌ
لا تشتكي الثكل إعوالاً وإرناناً
تلك القبور و لو أنّي ألمّ بها
لم تعد عيناي أحباباً و إخواناً
يعطي الشّهيد فلا والله ما شهدت
عيني كإحسانه في القوم إحساناً
وغاية الجود أن يسقي الثرى دمه
عند الكفاح ويلقى الله ظمآنا
ويأخذني هذا أيضاً إلى قصيدة شهيرة للشاعر سليمان العيسى يقول
في مطلعها:
ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا
عند الشهيد تلاقى الله والبشرُ
فهذه نماذج ترقى شعريّاً وفنيّاً إلى مستوى الحدث ولعل الأخطل الصغير ينجح بدوره حين يكتب لفلسطين قصيدته الرائعة وردةٌ من دمنا.
والتي يقول فيها:
يا جهاداً صفّق المجد له
لبسَ الغارُ عليه الأرجوانا..
وقوله في بيت آخر:
يا فلسطين التي كدنا لما
كابدته من أسى ننسى أسانا
ومن النماذج المميزة التي لا يفوتنا أن نذكرها في هذا المقام قصيدة الشاعر عمر الفرّا التي تغنى بها حين نجحت المقاومة اللبنانية في تحرير جزءاً من الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠ والتي يقول في مطلعها:
كذا صار الدم العربي سكيناً وذباحا..
وصار الشعر بعد الصمت في الساحات صداحا‏
كذا صرنا ولن نبقى إذا كنا تناسينا
جهادَ الحق والإيمان.‏
وأن الشعب رغم الذل.. رغم القهر..‏
يرفع راية العصيان..
يصمم أخذها غصباً.. ويأخذها‏
كذا فعلت رجالُ الله يوم الفتح
في لبنان..‏
ولا شك أن كثيراً من شعراء فلسطين كتبوا قصائد رائعة من داخل المشهد ومن قلب الحدث والأمثلة كثيرة لمحمود درويش وسميح القاسم الذي ما زال صوته يصدح:
تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنّم
وكل أرض تحتكم جهنّم
تقدّموا
يموت منّا الطفل والشيخ
ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلم
ولعل قصيدة إبراهيم طوقان من أبرز تلك الأمثلة وقد استمعنا إليها في كلمات الشارة للمسلسل الشهير "التغريبة" الفلسطينية:
هو بالباب واقفُ
والردى منه خائفُ
فاهدئي يا عواصفُ
خجلاً من جراءته
صامتٌ لو تكلَّما
لفظ النار والدما
قل لمن عابَ صمته
خُلق الحزمُ أبكما
والأمثلة كتيرة لا يمكن لنا أن نحيط بها، ولا شك أن لهذه القصائد التي سكنت في وجدان الناس جيلاً بعد جيل دوراً عظيماً باعتبار الشعر هو صوت الضمير الإنساني أو هكذا ينبغي له أن يكون وقد يحدث أن الأغنيات تخيف الغزاة كما يعبّر محمود درويش أكثر مما تفعل البندقية لأنها تربّي الروح على المدى الطويل.
 قد يقول القائلون اليوم إن المقاومة لا تكاد تفعل شيئاً ويتهمونها ويسيئون إليها وكأن عليها أن تدخل حرباً مفتوحة لا تبقي ولا تذر.
لكن السياسة لا تكون حكيمة إلا إذا اختارت ما يكون نفعه أكثر من ضرره لا سيما على المدى البعيد.
 وبالنظر إلى ميزان القوى سيرى مَن يُنصف أن المقاومة تبدي شجاعة منقطعة النظير ولا أعني هنا في داخل فلسطين فقط، ولعل المنتقدين لا ينظرون بإنصاف إلى وقوف القوة العظمى متمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب في صف العدوان والتجبّر الصهيوني فماذا يبقى أمام شعوب المنطقة إلا أن تفعل وتبادر بما يتناسب مع قراءة الواقع الصعب. ولعل أهم ما حققته الحرب الدائرة اليوم في غزة هو أنها فضحت الغرب المتبجح بقيم الحضارة والديمقراطية بعد أن أظهر انحداره إلى حضيض العنصرية والانحياز للقاتل والمعتدي.
تجلى ذلك واضحاً من خلال اضطهاد كل ما يرفع صوته لنصرة المظلوم في بلدان تدعي العدالة والحرية، من هذا المنطلق يمكن القول إن كل ما قدمته وتقدمه المقاومة جدير بالتقدير. قد تكون الخسائر فادحة والآلام عظيمة ولكن تنتصر القيمة بالرغم من كل شيء . وإن بروز القضية الفلسطينية من جديد كحدث رئيس على مستوى العالم هو انتصار للقيمة، فالشكر للمجاهدين الأبطال الذين يدافعون عن الحق والشكر لداعميهم في كل مكان  من العالم.

 

البحث
الأرشيف التاريخي