الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وثمانون - ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وثمانون - ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

الشعب حارس الثورة

قوات التعبئة «البسيج» الداعم الجوهري لديمومة الثورة الإسلامية والمعزز لانتصاراتها

لا يمر حدث أو استحقاق مفصلي أو حتى خلال الأيام العادية في الجمهورية الإسلامية في إيران، إلا وستجد قوات التعبئة "البسيج" في مقدمة القوات الأمنية والعسكرية، التي تنظم وتحافظ على امن المواطنين والمناطق. فما هي قوات البسيج؟
يُعد مصطلح التعبئة أو البسيج في ايران المُستخدم اليوم ببعده الإسلاميّ الثقافيّ الذي يشمل معايير التهيئة والاستنفار والجاهزية والمبادرة وانتظار التكليف الشرعي العام... فهو جديد، على أنّ جذوره موجودة في تاريخ الأنبياء(ع) وسيرة الرسول (ص) وروايات أهل البيت (ع).
والتعبئة هي منظمة ثورية تتشكل من جماهير الشعب وأفراد المجتمع، ويعتقد بعض علماء الاجتماع وعلماء السياسة أن التعبئة تحدث من أجل الثورة، أي تعبئة جماهير الشعب لإحداث الثورة. ولذلك فإن حركة جماهير الشعب لإقامة نظام حكومي جديد تُسمى تعبئة. بناءً على ذلك، يعتقد البعض أنه بعد تغيير الحكومة والنظام السياسي، تفقد التعبئة فلسفتها الوجودية وتفسح هذه الحركة الجماهيرية المجال أمام مؤسسات الدولة المختلفة بإدارة البلاد، ويتوقف عملها نهائياً.
وفي المقابل تقبل بعض الحكومات وخاصةً الديمقراطية منها، مشاركة الشعب في إدارة البلاد لأن هذا النمط من المشاركة بين الدولة والشعب باعتقادهم يقوي ويثبت النظام ويضفي عليه شرعية شعبية تواكبه في كل مراحل إدارته للبلاد، ويُسمى هذا النوع من العمل بالمشاركة الحديثة، والتي تتحدد بمشاركة الناس في الانتخابات والمجالس والخدمات الاجتماعية. وهذا النمط التشاركي بين الناس والدولة في إدارة البلاد والتي تُسمى بالمشاركة الحديثة، تختلف عن حضور التعبئة في كل مفاصل إدارة البلاد .
الحركة التعبوية في إيران
في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت حركة الجماهير ووجود القوى الشعبية راسخة قبل انتصار الثورة، وفي أثناء الثورة لعب الشعب دوراً كبيراً في تحقيق الانتصار، فتُعتبر الثورة الإسلامية ثورة الشعب والأمة الإسلامية. هذه الحركة التعبوية بعد استلام مؤسسسات الدولة إدارة البلاد لن تتوقف ولن تتغير فلسفة هذه الحركة وأصلها، بل سيظل حضورها ومشاركتها هو نفسه قبل الثورة وبعده، وما سيتغير هو توجهها العملي الذي سينتقل من صناعة الثورة لينحو إلى الحفاظ على هذه الثورة عبر المشاركة في الإصلاحات والبناء والمساعدة في بناء الدولة في كافة المجالات، ومن الضروري أن يستمر هذا الحراك الشعبي التعبوي المُساند لمؤسسات الدولة.
ثورة فريدة بمشاركة مليونية
إن الثورة الإسلامية ومقارنتها بالثورات العالمية الكبرى، تُعد ثورة فريدة بنوعها، في جانب عدد المشاركين في مسار الثورة (بالمقارنة بعدد سكان البلاد). فمصير الثورة بعد انتصارها، له علاقة مباشرة بالمشاركة الشعبية. هناك قاعدة جوهرية: لو أرادت الثورة التمسك بمبادئها، فإن الشعب هو القاعدة لتلك المبادئ. في هذا المجال، يحظى الحفاظ على الوحدة وإتباع القيادة أهميةً كبرى. لذا منذ انتصار الثورة الإسلامية حتى يومنا هذا، شكلت المشاركة الشعبية الضخمة السبب الرئيسي في استمرار الثورة.
وهناك أسباب وعوامل مختلفة، لها دورها في اندلاع الثورة وانتصارها واستمرارها، منها  دور القيادة ودور الشعب والسمات الثورية للشعب و... من بين تلك العوامل للتعبئة الشعبية دور مهم وبارز، وهذا العامل يرتبط مباشرةً بالعوامل الأخرى وخاصةً القيادة والشعارات، غير أن هذا العامل يختلف في الثورات المعاصرة، تاركاً تأثيرات مختلفة في كلٍ منها.
إنما التعبئة الشعبية ونظراً لشدتها تترك تأثيراً مباشرا على انتصار وتأسيس كيان سياسي جديد وكذلك على التطورات التي تشهدها الساحة بعد انتصار الثورة. وفي الثورة الإسلامية الإيرانية، شارك السواد الأعظم من الشعب، ما عدا فئة قليلة، من أتباع النظام السابق، ونزل الناس في شوارع المدن والقرى، وبهذا فقد النظام البهلوي العميل للغرب، أي إمكانية للقيام بأي مبادرة. جاءت المشاركة الشعبية بعد دعوة علماء الدين الثوار للناس، وعبر المساجد والمراكز الدينية، وبلغت حداً أثارت دهشة كل المحللين لقضايا الثورة على المستوى العالمي، وسلبت نظام الشاه إمكانية إدارة التطورات والسيطرة عليها.
فلقد أرسلت الإدارة الأمريكية الجنرال هايزر إلى طهران، لتنفيذ انقلاب عسكري، في حال التأكد من سقوط محمد رضا شاه، لكنه عاد إلى بلاده بعد أيام من سقوط الشاه بعد فشل خطته، بسب المشاركة الشعبية الكبرى، معلناً عدم استطاعته جذب واستقطاب  العدد المناسب من قادة الجيش للمشاركة في الانقلاب.
وفي هذا السياق صرح سماحة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي (حفظه الله) ، بأن الثورة الإسلامية تُعد أكبر ثورة معاصرة، وأكثرها مشاركة للشعب، كما تُعد فريدة بنوعها في جانب عدد المشاركين فيها، مُقارنةً بعدد سكان البلاد، فتتحدث المصادر التاريخية عن المشاركات الشعبية في الثورات المختلفة، مثل ثورة 1789 الفرنسية، وثورة 1917 الروسية، وثورة 1949 في الصين، وتظهر المعطيات الخاصة بهذه الثورات حجم المشاركة الضعيفة فيها، على عكس ما شهدته ساحات الجمهورية الإيرانية عن أكبر مشاركة شعبية جماهيرية بين ثورات العالم، إذ شارك الشعب في الثورة الفرنسية، بنسبة لا تتعدى العشرة في المئة، وكذلك الثورة الروسية التي تلفت المصادر حضورها الشعبوي بنسبة لا تتعدى الواحد في المئة.  
وهذا ما نراه أيضاً في الثورة الصينية التي حدثت في عام 1949، بقيادة "ماو" ، والتي كانت المشاركة الشعبية فيها قليلة، ذلك أن خمسة ملايين من عدد سكان الصين البالغ عددهم 600 مليون نسمة حينها، كانوا يدعمون "ماو"، واعتبر المحللون بأن سبب انتصار هذه الثورة بالرغم من العدد القليل من الداعمين لها، إنما يعود لضعف الأنظمة السابقة وانهيارها، والحماس التي كان يتحلى به الثوار إلى جانب أسبابٍ أخرى.
لذا فإن المشاركة الواسعة النطاق للشعب في الثورة الإسلامية، ترك تأثيره على استراتيجيات الثورة ومنها عدم اللجوء للأسلحة، والاستفادة من مشاركة الناس في الساحة، والذين بلغ عددهم الملايين من الناس، بحيث جاءت المرحلة النهائية لانتصارها التاسع من يناير / كانون الثاني من العام 1978م حتى الحادي عشر من شهر شباط/ فبراير من العام 1978م، وسرعة إنشاء نظام سياسي جديد، بحيث تمت صياغة الدستور الجديد وتم اختيار مسؤولي النظام، ومهّد الأرضية لتحقيق طموحات الثورة على المستوى الداخلي والإقليمي والعالمي.
التعبئة أساس معظم المؤسسسات الإدارية
أرسى الإمام الخميني(قدس) أُسس التعبئة منذ اليوم الأول للانتصار، وحتى قُبيل الانتصار، عبر إنزال الجماهير إلى الساحة وإلقاء أعباء الحركة على عواتقهم، من خلال الاعتماد عليهم والثقة بهم. لقد وثق الإمام بالجماهير، ووثقت الجماهير بأنفسها وكانت لديهم ثقة عالية بالذات، و لو لم يثق الإمام بالشعب لمّا وثق الشعب بنفسه. والواقع أن الحرس الثوري نبع من التعبئة، جهاد البناء‌ انطلق من التعبئة، مؤسسات عديدة نشأت من التعبئة. صحيح أن التعبئة لم تكن منظمة‌ كما أصبحت في الأعوام التالية، لكن ثقافة التعبئة وحركتها وحقيقتها غدت نبعاً للكثير من الخيرات الهائلة في إيران ومجتمعها ونظامها الإسلامي، هذه هي حقيقة التعبئة.
والجدير ذكره أن التعبئة واسعة وتستوعب جميع المجالات، فالتعبئة متواجدة في المؤسسات غير العسكرية وفي القطاعات المختلفة، في الجامعة، وفي المعامل، وفي شرائح الشعب المختلفة، وفي القرى والمدن، وبين العشائر وفي الحوزات العلمية نراها متواجدة على امتداد ساحات إيران وفي كل مجالات الحياة الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والتربوية، التعبئة متواجدة تواجداً شاملاً مقتدراً لا متناهياً. وهي غير مرتبطة لا بالمال ولا بالعناوين ولا بالجاه والجلال، ولا بالأوامر التي تصدر من الرؤساء، معيار التعبئة هو البصيرة والإيمان، الإيمان الذي ينبع من قلوبهم ويدفعهم إلى العمل. والبصيرة تُفهمهم كيف يعملون وكيف يشخصون المعايير وكيف يسيرون على الدرب. هذا هو معنى التعبئة، وفق ما يُعرفها الإمام الخامنئي (حفظه الله).
دور اجتماعي سابق للثورة
قبل انتصار الثورة وبداية الحرب المفروضة التي شنّها نظام صدام البائد على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وقبل أن يبرز الدور العسكريّ للتعبئة والتضحيات التي قدّمها عناصرها في مواجهة الحرب المفروضة ، برزت روحيّتهم العالية في كثير من المجالات، مثل خدمة المحرومين، إذ كانوا يذهبون إلى القرى البعيدة والمحرومة والنائية لمساعدة الناس في الحصاد والزراعة. ولاحقاً، تطوّرت الأمور أكثر وأخذت طابعاً مؤسّساتيّاً، فظهرت مؤسّسات كثيرة مثل جهاد البناء التي قامت بالكثير من المهام والنشاطات بهدف خدمة الناس، وكان من مهام التعبويّين أيضاً توفير الأمن في كثير من المناطق التي كانت ترزح تحت تهديد الأشخاص الذين كانوا ضدّ الثورة.
بهذه الروحيّة التعبويّة كان التعبويّون يقومون بواجبهم لتوفير الأمن وحفظه، بحيث وقفوا جنباً إلى جنب مع الجيش والحرس، اللذين ما كانا يستطيعان أن يقوما بواجبهما والتصديّ لهجمات العدوّ لولا كلّ ما قدّمه هؤلاء التعبويّون أصحاب المبادرات الحيّة. وعندما ننظر إلى الأيام الأولى بعد انتصار الثورة نجد أن الشباب المندفعين كانوا حاضرين وكانوا يحددون مكان الحاجة، وكانوا ينخرطون بشكلٍ سريع ويلبونها، لم يتركوا مجالاً أو ساحة خالية من حضورهم. بعد الحرب، أصبحت التعبئة متجهةً نحو ضم الدور العسكري لها، ومأسستها وتنظيمها.
في الثقافة الإسلامية يعدّ تحمل المسؤولية بغية تحقيق القيم والطموحات الإسلامية السامية، من واجب كل أبناء الشعب، وليس المسؤولين أو النظام السياسي، على هذا فإن مشاركة الناس في مختلف الساحات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية و... تكتسب طابعاً حقيقياً وتترك تأثيرها على تلك الساحات.
ختاماً نذكر ما قاله الإمام الخامنئي (حفظه الله) إن كل حكومة وكل بلد يكون فيها الشعب حاضراٌ ويتحرك نحو جهة محددة، سيكون انتصارها حتمياً. هذا أمر مسلّم،  تتعرض البلدان للضربات والهزائم حين لا يكون الشعب حاضراً في الميدان وحينما لا يكون الشعب متحداً في ميدان العمل. حيثما يتواجد الشعب في الميدان ويوجد اتحاد وانسجام بين أفراد الشعب فإن الانتصار والتقدّم حتميّان، التعبئة هي نموذج كهذا، هي مظهر من هذا الحضور الشعبي في الميدان وتلاحم الشعوب فيما بينها.

 

البحث
الأرشيف التاريخي