وإباداته الجماعية؛
الكيان الغاصب.. إرثٌ تار يخيٌ لمسار الإجرام الغر بي
الوفاق/ خاص
د. نزيهة صالح
منذ انتهاء الحرب العالية الأولى، وبعد أن ربح الغرب المعركة وبدأ بناء دوله على النموذج الليبرالي الحالي وبالتالي الإمساك بالعالم عبر إنشائه ما يسمى المنظمات الدولية بدايةً بعصبة الأمم ثم الأمم المتحدة ومجلس الأمن، شهدنا العديد من القوانين التي سُنت بإسم حقوق الإنسان وخاصة المرأة والطفل وحماية الأماكن السكنية الآهلة بالمدنيين والمستشفيات وسيارات الإسعاف. قوانين تم وضعها لحماية أنفسهم فقط، أمّا بالنسبة للشعوب الأخرى فلم يشهد التاريخ منذ تأسيس هذه المنظمات ووضع تلك القوانين أي احترام أو تطبيق لأي بندٍ منها، وقد شهدنا الكثير من الممارسات المغالطة للقوانين التي تم وضعها من قبل جهات مدعومة من أعلى مؤسسة دولية وهي الأمم المتحدة، لا بل يمكن القول أن الجهات التي سنت هذه القوانين هي المتحكمة في الأمم المتحدة وبرؤيتها المنحرفة تجاه الإنسان وحقوقه. فمن هي تلك الجهات وما هو تاريخها؟
الغرب... تاريخ من الإجرام وإبادة الشعوب
يمكن أن نبدأ بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية التي أسسها الغزاة الأوروبيون الذين غزوا القارة الأميركية وأعطوا لأنفسهم الحق بإبادة شعب كان يسكن تلك القارة واحتلال أرضه وسرقة خيراته. تلك التجربة الإجرامية التي مرت مرور الكرام دون حساب، فحصلت مجازر لم تصورها الكاميرات ولم يتكلم عنها المراسلون المتنقلون، ووفق بعض الباحثين مثل (توكر سبنسر في موسوعة أميركية الشمالية)، فقد تمت إبادة تامة للسكان الأصليين ولم يبق من القبائل إلا بعض الأفراد الذين هربوا، ولذلك وضع المجرمون جوائز مالية متفاوتة لمن يأتي بفروة رأس رجل أو إمرأة أو طفل (جان بابتيس، تاريخ جزر الإنتيل).
مجازر المحتل الأوروبي الذي عاث قتلاً وفساداً في القارة الأميركية لم يتم احصاءها وإدانتها كلها لغاية الآن لأن المجرم هو المتحكم بالقانون الدولي، مجازر تقول بعض الدراسات أن ما يتراوح بين 130 و200 مليون أبيدوا في القارة المكتشفة، وبعض الدراسات كشفت أيضاً عن أنه حتى مهنة الطب كانت في خدمة المستعمر القاتل، فقد كان أطباء المستعمر الذين من المفترض انهم رسل للإنسانية يستخدمون عدة وسائل إجرامية منها نقل الأمراض للسكان كالجدري وغيرها من الفيروسات القاتلة ليحتل الأوروبيون الغزاة أرضهم ويستوطنوها وليسموا هذه الأرض فيما بعد بالولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك وأسماء أخرى. وبقي الإرث الإجرامي لدى الولايات المتحدة واستمرت بغزو بلاد ٍأخرى وقتل سكانها وحرب فيتنام خير دليل على ذلك ثم غزو العراق وأفعانستان. وهكذا استمر إجرام الولايات المتحدة الأميركية وريثة العرق الأوروبي الدموي إلى أن توجت إجرامها في أواخر أيام الحرب العالمية الثانية بضرب مدينة هيروشيما اليابانية بالقنبلة النووية في 6 آب / أغسطس عام 1945 بقرار إبادة للشعب الياباني بكل وضوح ولم يكن عن طريق الخطأ بدليل انها أعادت ضرب مدينة ناكازاكي بعد 3 أيام أيضاً بقنبلة نووية أخرى لتحدث مأساة أخرى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين اليابانيين.
إسرائيل وريثة الغرب
كل التجارب الإجرامية التي مارسها العرق الأوروبي في غزوه وقتله واحتلاله لشعوبٍ أخرى خارج قارة أوروبا كان دافعاً له بتكرار التجربة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، رغم تأسيسه لمنظمة الأمم المتحدة ووضع قوانين دولية من أجل حماية الشعوب وحقها في الحياة كما يدعي، إلا أن الممارسات اللاحقوقية بقيت هي السمة الأساس في تعاطيه دولياً، وخاصةً بعد أن أصابه الغرور بالإنتصار بعد الحربين العالميتين وسيطرته على منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا والتي كانت بمعظمها بلادا للمسلمين تابعها للدولة العثمانية التي كانت تعلن أنها خلافة إسلامية.
هنا كرر الأوروبي نفس تجربة الإبادة، وكانت بريطانيا هي المعنية بتكرار هذه التجربة في فلسطين. فأعلنت تأسيس هذا الكيان المسخ الذي سمته "إسرائيل" من خلال وعد بلفور لليهود بإنشاء دولة لهم، وبدء حملة تشويه تاريخي عالمية كي يطبعوا عقول العالم كله بأن هذه الأرض هي أرض موعودة لهم من الله، رغم عدم وجود أي إثبات تاريخي أو ديني على مقولتهم، ومنذ ذاك الوقت بدأت الجرائم والمجازر بحق أصحاب الحق الأصليين وهم الفلسطينيون أصحاب الأرض، وبالتزييف بدأت عصابات الصهاينة تستخدم القوانين التي سنها المستعمر العالمي لصالحها وتعطي نفسها الحق بإبادة الشعب الفلسطيني، مثل مجزرة دير ياسين والطنطورة وصلحا ومجازر متنقلة أخرى إلى يومنا هذا وجنين شهدت وغزة تشهد كل يوم على هذا العقل الإجرامي المتجذر في عقل الصهاينة المدعومين من كافة العالم الغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي ورثت الوصاية عليهم من بريطانيا المؤسسة الأصلية لها الكيان المسخ. كل هذا الإجرام هو بتغطية الأمم المتحدة ومجلس الأمن بحجة حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها، ولم يعطى للفلسطيني حق الدفاع عن النفس في أي قرار من قرارات مجلس الأمن.
أمّا لماذا تم تأسيس هذا الكيان وإبعاده عن العالم الغربي وزرعه في العالم الإسلامي؟ فالإجابة هي ليست حباً باليهود فالغرب أراد ابعادهم عنه بسبب الكره الشديد لليهود المتشددين وكانوا دائماً يعانون منهم فأرادوا ان يريحوا الشعب الغربي من وجودهم بينهم فأوهموهم بأن لهم وطنًا تاريخياً دينياً في أرض مقدسة كانت لهم. هنا استخدمهم الغرب ووضع بلاءهم في بلاد المسلمين وجعل من هذه الدولة المسخ قاعدة عسكرية لهم كي يرهبوا بها بلاد المسلمين لسرقة خيرات هذه البلاد من نفط وغاز وموارد طبيعية أخرى.
وقد انطلقت هذه الفكرة الغربية كما قلنا من تجربة الغرب في إبادة الشعوب في القارة الأميركية وفي قارة استراليا، فأرادوا ان يطبقوا نفس التجربة في فلسطين بأن يبيدوا شعباً ليحتل شعب آخر الأرض ويستقر كما حصل في القارة الأميركية.
فشل المشروع الاستيطاني الصهيوني
السؤال هنا: هل نجح المشروع الجديد في فلسطين؟ للإجابة على السؤال لا بد من استعراض المسار التاريخي الذي مر على تأسيس الكيان المسخ منذ تأسيسه لغاية الآن؟ لم ينجح هذا المشروع بدليل أن المقاومة الفلسطينية ضد الإستيطان بدأت منذ أعلن بلفور وعده لليهود بوطن مسروق، ولم تتوقف المقاومات على مر السنين، وكان لكل حقبة تاريخية مقاومة خاصة بزمانها ومكانها ولم تتوقف على الرغم من الخضوع والخنوع لدى حكام بعض الدول المحيطة وعدم مساندتهم للمقاومة الفلسطينية في أي وقت من الأوقات، وتُركت تعاني وتجاهد لوحدها مستفرداً بها العدو الصهيوني، إلا أن الشعب الفلسطيني لم يتخل عن أرضه وواصل النضال وحده لإسترجاع أرضه وهذا ما يفعله الفلسطيني اليوم، وما نشهده في قطاع غزة ينضوي تحت عنوان استرجاع الحق المسروق. والمقاومة الفلسطينية الحالية كان لها حظ الدعم من أشرف ثورة في العالم وهي ثورة الشعب الإيراني ضد الشاه أقوى حليف لإسرائيل في المنطقة، وبإنتصار الثورة الإسلامية في ايران تنفست المقاومة الفلسطينية نفساً حراً من خلال الدعم الذي قدمته الجمهورية ولا زالت تقدمه لغاية الآن للمقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في لبنان، وقد تحقق تحرير لبنان من احتلال اسرائيلي لجنوبه والآن المسير لتحرير فلسطين من شذاذ الآفاق وإزالة هذه الغدة السرطانية كما سماها
الإمام الخميني (قدس).