الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وثمانون - ١٩ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وثمانون - ١٩ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

حقوق الأطفال مجرد «مصطلحات» في قاموس العنصرية الغربية والهمجية الصهيونية

الوفاق/ خاص
د. ليلى صالح
شكلت المصطلحات الغربية الجديدة التي طُرحت في كل اللقاءات والمؤتمرات الاجتماعية والسياسية، وما نتج عنها من قوانين ومواثيق عالمية طالت الشأن الاجتماعي، جزءا أساسيا من الحرب الناعمة على مجتمعاتنا الإسلامية والعربية. فهل المدارس الفكرية العربية والإسلامية عجزت عن توظيف مصطلحاتها الأصيلة لتُلبي احتياجات العصرنة المجتمعية، أم أنها تأخرت عن إنتاج مصطلحات جديدة تُحاكي منظومتها القيمية المعرفية ويمكنها ذلك بيقظة معرفية ممنهجة تنقذ مجتمعاتها من التبعية المجتمعية التي تُمثل الاستعمار الحديث؟
تعريف المصطلح
عرّف "جون كارول" اللغة "بأنها النظام المتشكل من الأصوات اللفظية الاتفاقية"، إلاّ أن اللغة يحكمها المعنى والسياق للوصول إلى المعنى الحقيقي المراد من الكلمة، كما يحكم المفهوم البيئة التي أُنتج فيها، فيصبح لكل مفهوم بيئة أنتجته وجعلت منه حاملاً لسمات المرحلة التي أُنتج فيها، وحين يُشير المفهوم إلى الفهم أو الاستيعاب الشامل لمعنى ما، يشير المصطلح إلى تخصص يستخدم للدلالة على مفهوم معين في سياق معين، فبتتبع تعريفات المعجمات العربية للمصطلح من كلمة "ص ل ح" هو ما يعطي مفهوم واحد يسلم ويتصالح ويتوافق حوله مستخدموه، وهو نقيض الخلاف.
المصطلحات المجتمعية
في السياق ذاته عرف "الجرجاني" المصطلح بأنه اتفاق جماعة على أمرٍ مخصوص، وهذا الاتفاق والتواطؤ أو التصالح إن تم بين جماعة المحدثين تفتق عنه مصطلح في الحديث، وإن قام بين جماعة الفقهاء على مسائل في الفقه نتج عنه مصطلح في الفقه، وإن كان بين جماعة من النحاة ابتكروا مصطلحا" نحويا"، وإذا صدر من مفكري الاجتماع السياسي تتبناه النخب في أدبياتها وخطاباتها السياسية، وإذا طُرح في المؤسسات الأكاديمية والمؤتمرات العالمية الإنسانية والاجتماعية تحول إلى مصطلح مجتمعي تتبناه المجتمعات، ودخل كنسق لغوي جديد للتواصل بين المجتمعات.
أهمية المصطلحات
أهمية الوقوف عند المصطلحات المجتمعية اليوم تتجاوز أهميتها العلمية التي عبر عنها "الخوارزمي" بأنها مفاتيح العلوم، حيث اعتبر بأن فهم المصطلحات يُعد نصف العلم، أي إنك إذا فهمت مصطلحات النص فقد فهمت النص كله، لأن المصطلح عنده هو لفظ يعبر عن مفهوم والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض على شكل منظومة، فالأهمية اليوم لامست خطورة تأثير المصطلحات على المنظومة المعرفية والقيمية للمجتمعات، إذ لا يقتصر انعكاس المصطلح على الفهم الموضعي في تبني رأي خاص تجاه موضوعٍ اجتماعي محدد، بل إن تبني مصطلح ما، يفرد سلوكيات فردية واجتماعية واتجاهات فكرية تفرض تغير المزاج المجتمعي العام للمجتمعات.   
دور المصطلحات في المجتمع
تعاظم دور المصطلحات في المجتمع المعاصر الذي أصبح يوصف بأنه “مجتمع المعلومات أو مجتمع المعرفة”، وقد اتخذت الشبكة العلمية للمصطلحات في فيينا شعاراً “لا معرفة بلا مصطلح” فبفضل الترابط بين أنواع المعارف والتكنولوجية المختلفة أدى إلى توليد علوم جديدة وصناعات وخدمات جديدة.
وبالرغم من اعتبار المصطلح جوهر كل علم، وتتجلى كينونته داخل الحقل اللساني عبر البُعد التداولي له، دخلت المصطلحات الاجتماعية السياسية في أزمةٍ صارخة بعد القرن العشرين، إذ أصبحت تعاني من فوضى تداولية جعلتها غير قادرة على الانضباط من جهة، وعلى دوامة التناقض أو التداخل والتضارب بين المعنى والاستعمال من جهةٍ أخرى، هذه الفوضى أفقدت المصطلح خاصية مهمة جداً وهي التوحد والاتفاق فأصبح المصطلح هشاً يفتقد الاتفاق المطلق بين واضعيه ومستخدميه، والأخطر يكمن في التباس المعنى والمقصد من المصطلح، إذ أنه بعد طرحه وتمريره بصورةٍ ناعمة في مجتمعاتنا أدى إلى انعكاسات اجتماعية سلبية، نتج عنها زلزلة العلاقات الاجتماعية الأساسية في المجتمع القائمة بين المرأة والرجل لتأخذ شكل صراع اجتماعي، يُهدد الأسرة برمتها.
عصرنة المصطلحات الاجتماعية
في مطلع الألفية الثانية، وبعد دخول العالم مرحلة ما بعد الحداثة، توسعت الكثير من العلوم الغربية لاسيّما العلوم الاجتماعية، وبرزت حاجة إلى مصطلحاتٍ جديدة تواكب التطور الرقمي والمنظور المادي الاستهلاكي، فتوسعت معه دائرة المفاهيم والمصطلحات الهجينة والوافدة من المدرسة المادية الغربية إلى مجتمعاتنا، التي لا تحمل ميزات المصطلح وشروطه من حيث التوافق العام على المعنى الضمني العميق، وذلك جراء الحاجة الملحة للتعبير عن المفاهيم الجديدة، فنتج عن هذا الأخير تصادم وتعارض بين تأخر أو عجز المدرسة الفكرية التقليدية العربية والإسلامية من مواكبة التطور المجتمعي في إنتاج مصطلحاتها المجتمعية التي تواكب العصرنة واحتياجاتها، وبين انسياق مجتمعاتنا العربية لتبني المصطلحات الاجتماعية والسياسية والإعلامية الوافدة دون التمحيص في أصالة المعنى وانعكاسه على منظومة القيم الفكرية والأخلاقية، وهذا "أحدث جدل عقيم سبّب اهتزازات مفاهيمية تمنع التداول السليم والتلقي القاعدي للمصطلحات".
مصطلح تمكين المرأة بين الضبابية والوضوح
في السياق المعاصر، يُستخدم مصطلح "تمكين المرأة" للإشارة إلى الجهود والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز دور ومشاركة النساء في المجتمع بمختلف الميادين، كما يركز هذا المفهوم على منح النساء الفرص والقدرات التي تُمكنهن من اتخاذ قراراتهن والمساهمة بفاعلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كما يشمل ذلك تحقيق المساواة في الفرص ومكافحة التمييز الجنسي، وتعزيز حقوق النساء وتمكينهن لتحقيق إمكاناتهن الكامنة، لتحقيق الديمقراطية التي تتجلى في تمكين المرأة وحماية الأطفال عبر ضمان حقوقهم، لتحقيق تقدم اجتماعي، وتضمن حماية حقوق الأفراد الأكثر ضعفًا في المجتمع.
يبدو من الانبهار الأول في طرح هذا المصطلح في المحافل العلمية والاجتماعية والإنسانية، وسط إشكالية عقيمة في معالجة قضايا المرأة المعاصرة عالمياً، مع أنه ثمة تباين جوهري وموضوعي في معالجة قضايا المرأة الناتج عن اختلاف احتياجات كل امرأة في مجتمعها وفق البيئة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية لذلك المجتمع، لاقى هذا المصطلح انفتاح الكثير من النخب العربية والإسلامية لتبنيه، وبالرغم من المحاولة في استخدامه كلٌ من منظوره الفكري، لم تستطع هذه النخب أن تضبط تأثيره السلبي في مجتمعاتها، فقد طُرح المصطلح عالمياً بسلة مجتمعية متكاملة، إذ أنه يطرح تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة بالتوازي مع المساواة للرجل دون التمييز ما يناسب إمكاناتها البيولوجية وطاقتها في أنواع محددة من الوظائف المهنية وفرضه عليها ما يُعد ظلما مجتمعيا إضافيا للمرأة وعليها أن تتعايش معه تحت مسمى مكافحة التمييز الجنسي. قد يرى البعض بأن مقولة "ظلم المرأة" الناتج عن تعزيز مصطلح تمكين المرأة وغيره من المصطلحات الوافدة من المدرسة المادية الأداتية الديمقراطية مبالغ فيه، نرد بأن الانعكاس السلبي  لهذا المصطلح وغيره يظهر في التبعات القانونية والنواتج الاجتماعية لتبني هذا المصطلح. فيدفع المرأة العاملة للتنصل من مسؤوليتها الأسرية من أمومة وحضانة حين تتعارض مع وظيفتها المهنية للحفاظ على وظيفتها، وبالمقابل تدفع الرجل للتنصل من مسؤوليته الأسرية المادية تحت مسمى المساواة، فهذه القوانين تلزم المرأة والرجل بتعزيز الفردانية، والتنصل من المسؤوليات الأسرية وتُهدد استقرار الأسرة بل أصل تشكلها.
حروب المصطلحات
ومن وجهة تبني المصطلحات المعاصرة من "تمكين المرأة"، و"حماية الأطفال" وغيرها لتنمية المجتمعات في ظل المجتمعات الديمقراطية نجد سقوط هذه المصطلحات وغيرها أمام الأداء السياسي والعسكري لقوات الكيان الصهيوني في حرب "طوفان الأقصى"، وسقطت معها كل الاعتبارات الإنسانية، إذ نشهد كل يوم ولادة أكثر من ١٥٠ طفل في ظروف حصار وقصف مستمر وتدمير وإبادة جماعية، وتدمير للمستشفيات في غزة، وقد تخطى عدد الشهداء ال ٢٥ الفاً بينهم خمسة آلاف طفل، وسط صمت دولي، داعم للعدوان الصهيوني على قطاع غزة بالأساطيل العسكرية، وتقهقر عربي حكومي، فلم تستطع أكثر الدول العربية الضغط على هذا الكيان المؤقت والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بالحد الأدنى. فالنواتج السياسية والاجتماعية لحرب "طوفان الاقصى" وانقسام العالم حول هذه الحرب يؤكد بأننا أمام حرب عالمية بين معسكرين معسكر الوحشية للغطرسة الصهيونية وداعمتها أمريكا والحلف الاوروبي، ومعسكر الإنسانية والقيم الأخلاقية والحق  لمحور المقاومة والشعوب الداعمة له.
خلاصة القول، ترتبط المصطلحات الاجتماعية المعاصرة بجزئياتها ارتباطاً وثيقاً بنمط وسلوك الدول الديمقراطية تجاه مجتمعاتنا العربية والإسلامية ولا يمكن الفصل بين التنظير والتطبيق، فالاتجاهات الحقيقية للنواتج الاجتماعية لهذه المصطلحات كشفتها نواتج "حرب الأقصى" من تجاوز كل الاعتبارات الإنسانية في المدرسة الفكرية الديمقراطية بكل ما تنتجه من مصطلحات.

البحث
الأرشيف التاريخي