كتاب الحرب على الحجاب
لحظ الدِّين الإسلاميّ في تشريعاته قضيَّة المرأة وحماها من الظلم الذي تعرّضت له عبر التاريخ، إذ حفظ منزلتها بعد أن أعطاها حقوقها كافَّة؛ فهي المولودة المحترمة والمدلّلة، وهي الفتاة والشابّة العفيفة التي تتلقّى التربية لتحميها من أيدي الفاسدين، وهي الزوجة الشريكة في بناء المدماك الأول في الاجتماع البشري، وهي الأمّ المكرّمة التي تصنع الرجال.
من الواضح أنّ التشريع الإسلاميّ قد حفظ الحقوق المعنويَّة والمادّيَّة للمرأة، بما ينسجم مع طبيعتها وتكوينها كأنثى. وترتبط فلسفة هذه التشريعات في الدِّين الإسلاميّ بقضيَّة إنصاف المرأة كإنسان ذي تكوين جسديّ ونفسيّ فيه إختلاف عن الرجل، وبالتّالي فإنّ الإنصاف والرحمة يقتضيان وجود نوع من التفاوت والتمايز في التشريعات على مستوى الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وهو ما يُحقّق للمرأة شأنها المتعالي والرفيع، كـ«إنسان» لا كـ«رجل»، إذ الرجولة ليست من لوازم إنسانيَّة المرأة.
وبنظرة موجزة إلى واقع المرأة نجد أنّ قضيتها في المجتمع ولناحية دورها وحقوقها قد خضعت لتجاذبات حادّة في القرون الأخيرة، فالغرب قد خلص إلى تصوّر خاصّ لهذه القضية، واختار لنفسه طريقًا محدّدًا على هذا الصعيد، بغضِّ النظر عن فلسفته وأهدافه في هذا المجال.
وأمَّا لناحية العالم الإسلاميّ، فإنّنا لم نشهد تصوّرًا أو وثيقة يُمكن نسبتها إلى الأمّة بمجملها، وتتعدَّد الأسباب، منها بشكل رئيسيّ يتمثّل في مرجعيَّة الغربيّ عند الكثيرين في عالمنا الإسلامي، أي أنّ فريقًا يرى الأمثولة في الأنموذج الغربيّ، فصارت الرؤى والقراءات تُصاحب هذه الأمثولة على الدوام أو غالبًا، بينما يتموضع فريقٌ آخر باعتباره أنَّه في مكانه، والمرجعيَّة العكسيَّة التي تدفعه إلى هذا التموضع هي الغرب نفسه. فلا يمكن فصل الغرب عن أيّ مشروعٍ فكريِّ عالميِّ. لكنّ الإسلاميّ الذي يريد تقديم صياغة متكاملة لموضوع المرأة لا يحقّ له من ناحية منهجيَّة ومعرفيَّة أن يتماهى والغربيّ في مشروعه، وهو أمرٌ مع الاعتراف بعولمة بعض فروع الثقافة اليوم، يؤول في ما يؤول إليه، إلى الخصوصيَّات الثقافيَّة للحضارات والأمم.
يناقشُ كتاب الحرب على الحجاب الصادر عن مركز المعارف للدراسات الثقافية دوافعَ العلمانيّةُ والليبرالية لمحاربة الحِجاب، ويكشف أبرز أدبيات تمكين المرأة بهدف نزع حجابها وتحريفه، واستراتيجيّة أميركا الناعمة في هذا الإطار، كما يحاولُ أن يفسّر ظاهرة تفشي السفور المقنّع في البيئات الإسلاميّة.
هذا الكتاب، هو حلقة من هذا الواقع الإشكاليّ من النواحي الفكريَّة والثقافيَّة والحقوقيَّة، حيث يتناول بالعرض والتحليل كيف تعامل الآخرون من الغربيِّين والمستغربين مع أحد الواجبات الرئيسة الخاصَّة بالمرأة، -والتي ترتبط بعفّتها وخصوصيّاتها كأنثى- وهي الحجاب والستر، والتي حوّلت التيارات الفكرية الغربية وغيرها من المثقفين المستغربين من قضيَّة حجاب المرأة المسلمة وسترها إلى قضيَّة رأي عام ترتبط بالحرّيَّات، وتتعارض مع أنظمة المؤسّسات التربويَّة وغيرها.
ومن الواضح عندنا أنّ القضيَّة ترتبط بنظرة الغربيِّين السلبيَّة والسطحيَّة إلى الشريعة الإسلاميَّة من منظار المستشرقين الذين اقتحموا تراث العالم العربيّ والإسلاميّ بالدراسة والبحث والتحقيق...، محكّمين في مناهجهم الكثير من الإسقاطات الفكريَّة والثقافيَّة على هذا التراث، ابتداءً من مصادر التشريع المتمثّلة بالقرآن والسنّة، وصولًا إلى شخصيَّة نبيّ الإسلام ص، وإلى أبسط الأحكام أو الأفكار وحتى القيم. الكتاب قد اعتمد العرض والتحليل، ولم يدخل في المناقشات النقديَّة المباشرة، حتى لا يخرج الكتاب عن هدفه المحدّد، وإنّما ذلك، كي يفتح الباب أمام الجميع للتصدّي والردّ والنقد على كل ما أثير حول حجاب المرأة في أبعاده المختلفة.