الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانون - ١٦ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانون - ١٦ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

ضمن محاولات تغريب المجتمع الإيراني؛

فشل سياسة الشاه نزع الحجاب عبر تصدي المجتمع له

في ذكرى مرور 25 قرناً على الحكم الملكي، قام الشاه ببناء مدينة من الخيام المزوّدة بكل شيء لضيوفه من ملوك ورؤساء من حول العالم، اُحضرت لأجلهم أفخر الولائم من أوروبا، ليقول ولتقول معه حكومته للعالم إنه أعظم الملوك حتى وإن لم تكن أسرته سليلة ملوك. لم يكن البذخ وحده عماد هذه الشخصية، "التسمم بالغرب"، المصطلح الذي وضعه الفيلسوف الإيراني أحمد فرديد، كان أيضاً وجهاً آخر مرئياً، وقد أسّس له رضا شاه الذي احتار كيف يقول للعالم إنه يحكم دولة غربية تقع في الشرق. فحيناً يفرض على الرجال لبس قبعات وربطات عنق، وحيناً آخر يعلن منع النساء من ارتداء الحجاب ونزع الشادور. يمكن اختصار هذه المرحلة بجملة قالها رضا شاه لرئيس وزرائه "قلي هدايت" الذي بدوره ذكرها في كتاب مذكراته (خاطرات وخطرات) "كلّ ما أحاول فعله هو أن نبدو مثل الأوروبيين حتى لا يهزأوا بنا".
التمثل بالغرب عبر سياسة منع الحجاب
اشتمل حكم "رضا خان" المطلق على إيران الذي استمر لـ 16 عاماً على عدد من الإجراءات المناهضة للثقافة الإسلامية في ايران، والتي سعى فيها بشكلٍ أساسي على التخلي عن المظاهر الإسلامية للمجتمع والتحول إلى مظاهر الحضارة الغربية. من بين جميع التيارات الثقافية للحكومة البهلوية الأولى ، حظيت مسألة نزع الحجاب بأكبر قدر من الاهتمام؛ فإن محللي التاريخ الإيراني المعاصر يعتقدون عموماً أن هذه المسألة شكلت أهم الإجراءات الأساسية لرضا شاه للانتقال بالبلد إلى كنف الحضارة الغربية. في هذه المقالة سنتتعرف على إجراءات نظام الشاه في محاولته فرض سياسة منع الحجاب في إيران، والفشل الذريع الذي مُنيت به عبر رفضها من قبل المجتمع الذي تصدى لها  محافظاً على ثقافته الإسلامية.
خلفيات سياسة منع الحجاب
رغم الإعلان الرسمي عن سياسة منع  الحجاب في ايران في الثامن من يناير من العام 1936م ، وبداية إجبار النساء على خلعه في 21 من شهر مارس من العام 1937م ، تعود فكرة منع الحجاب إلى سنوات سابقة، وبالتحديد إلى تاريخ رحلة الشاه  في عام 1934م إلى تركياـ، حيث أعجب بملابس المرأة التركية وفق مذكرات "مهدي قلي هدايت".
كانت رحلة رضا شاه إلى تركيا نقطة تحول في ترسيخ معتقداته وأفكاره حول الحاجة إلى منع الحجاب في إيران، فقد أبدى رغبةً عارمةً بنقل التجربة التركية في اللباس إلى ايران، وأبلغ السفير الإيراني في تركيا: "ما زلنا متأخرين ويجب أن نعمل على الفور بكل قوتنا من أجل التقدم السريع للشعب، وخاصةً النساء. "
بعد عودته من تركيا، عمل الشاه على متابعة موضوع نزع الحجاب بجدية، موكلاً هذه المهمة إلى وزير التربية والتعليم آنذاك، علي أصغر حكمت ، لوضع خطة  مكتملة المعالم لتنفيذ سياسة منع الحجاب في ايران، وقد وضع الوزير برنامجاً لخطته شمل أربعة محاور، وهي تشكيل مركز يسمى "مركز المرأة" برئاسة شمس بهلوي شقيقة الشاه، وإقامة الاحتفالات والمناسبات الثقافية المختلفة وإجبار الفتيات على المشاركة علانية مع الشباب عبر إنشاد الأغاني سوياً وما إلى ذلك، ومشاركة الفتية مع الفتيات في دروس الرياضة والتمارين البدنية، ونشر سلسلة مقالات عن الشعر والنثر في الصحافة، وكلها تتحدث بلغة النصح والنقد للعادات المعادية للحجاب، وتسلي م إدارة المدارس الإبتدائيةالمختلطة  للنساء.
خطوات تنفيذ الخطة
بعد وضع  تفاصيل الخطة، أُرسلت التعليمات للبدء بالتنفيذ، فشرعوا بعرض البرامج الدعائية والثقافية اللازمة في مجال وزارة التربية والتعليم. في هذا البرنامج ، تم تصميم برنامج منفصل لكل مجموعة وفق الفئات العمرية، بالنسبة للأطفال الصغار ، كان من المقرر تولي النساء إنشاء رياض أطفال مختلطة وتسلم الإدارة التدريجية للمدارس الابتدائية المختلطة ؛ فيما يتعلق بالمراهقات ، كان التركيز على ارتداء الزي المدرسي في المدرسة و الشارع. فيما يتعلق بالمجموعة النسائية ، كانت الخطوة الأولى هي تنظيم اجتماعات في البيئة المدرسية حيث تأتي النساء المدعوات مع أزواجهن والاستماع إلى محاضرات حول نزع  الحجاب. كانت الخطوة الثانية هي ترتيب التجمعات غير الرسمية والتجمعات العائلية بين كبار الشخصيات في المدينة.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذت لتشجيع الاختلاط بين الذكور والإناث إجبار موظفي الحكومة على النزول إلى الشوارع مع زوجاتهم  بدون حجاب أو أي غطاء للرأس. ولتشجيع الموظفين نُشرت صور الاحتفالات وخطب البرامج المتعلقة بمنع الحجاب لرئيس الوزراء في الصحف الإيرانية المختلفة. لكن رغم كل هذه الإجراءات والدعاية، فإن تزامن بعض هذه المناسبات مع أيام محرم و مراسم عزاء سيد الشهداء، أظهرت المشاركات النسائية الضخمة في المراسم مرتدين الحجاب وحتى العباءة، بشكلٍ قاطع فشل هذه السياسة.   
قوات الشرطة في خدمة تنفيذ سياسة رضا خان
بعد اكتشاف رضا خان وحكومته تعثر تنفيذ خطته عبر الاحتفالات والخطب والإجراءات الثقافية، شرع باستخدام القوة، فاستعان بقوات الشرطة لمنع ارتداء النساء الحجاب . ومع انتشار ضباط الشرطة في الأماكن العامة ، تمت السيطرة على حركة النساء المرتدين للعباءة، بعد خضوعهن لمراقبة شديدة من قوات الشرطة، التي صادرت عباءاتهن. وحاولت النساء المؤمنات الحفاظ على الحجاب الإسلامي وفق قدراتهن،  فسارت النساء في الشوارع مرتديات المعاطف الطويلة والحجاب والأوشحة التي تغطي شعرهن.
لذا أصدر الشاه رداً على مثل هذه التصرفات أمراً حيث طلب من الشرطة بـ "إصدار أوامر إلى ضباطها بتفتيش الشوارع والأسواق والممرات وما إلى ذلك ، والتوبيخ الشديد إذا شوهدت سيدة ترتدي الحجاب". أدى تطبيق أحكام هذا المرسوم إلى أعمال عنف وصلت إلى حد هتك حرمات النساء المحجبات في الشوارع. ومع ذلك ، فقد تمت متابعة هذه الأعمال العسكرية الشديدة عن كثب لدرجة أنه في مدينة مثل سمنان ، بعد أسبوع من إعلان الأمر ، تم سلب 200 غطاء للرأس والشال من النساء.
لم يقتصر عمل الشرطة على المدن والبلدات ، بل في القرى ، كما أصدرت حكومة كرمانشاه بياناً مشتركاً حثت فيه جميع نواب الحكومة على اتخاذ خطوات لضمان أن تكون ملابس أهالي القرى والمدن على شكل "نساء متحضرات" في العالم.
وطلب من المحافظات الإيرانية إعداد تقارير مفصلة  تتضمن الإجراءات المتخذة لضمان نزع حجاب النساء، مثال " أخذ التعهد والالتزام من حمامات النساء بعدم السماح بالدخول لأي إمرأة ترتدي الحجاب أو أي غطاء أخر للرأس، وعينوا لذلك مفتشين في الحمامات  لمراقبة قرار المنع، ومدى الالتزام، وحظروا كذلك زيارة النساء للقبور و ..." شكلت هذه الأمور مجتمعة مثالاً واضحاً على شدة الرقابة الاجتماعية للضغط على النساء المحجبات.
على مستوى الدوائر الحكومية، ومن أعلى المستويات إلى الموظفين العاديين ، عانى الجميع من ضغط شديد لتطبيق سياسة منع الحجاب، فقد ألزموا بحضور الاحتفالات والمناسبات مع زوجاتهم وذلك للتأكد من عدم ارتداء نسائهن أي غطاء للرأس، وإذا "أهمل بعض أعضاء الإدارة اصطحاب زوجاتهم إلى المؤتمرات والتجمعات العامة" ، فسيتم  الطلب من مديري الإدارات بتحذير موظفيهم من عدم إهمال حضورهم، وإلا سيتعرضون للعقاب والمسائلة. وهكذا عانى هؤلاء الموظفون من ال رقابة الشدية من إداراتهم فهم كانوا معرضون للطرد من وظيفتهم بمجرد وجود تقرير واحد للشرطة  بأن زوجته ترتدي الحجاب ، وقد حُرم العديد من الموظف من أعمالهم بسبب هذه السياسة.  
في المستويات الأعلى  من الموظفين، فقد كان الوضع أصعب من  المستويات الإدارية الأخرى، فلقد اهتم  الشاه اهتماماً بالغاً في تنفيذ سياسة  منع الحجاب عند أصحاب هذه المناصب المهمة وخاصةً في قوات الجيش، وعندما رفض أحد المسئولين القضائيين في الجيش نزع الحجاب لزوجته أثناء دخولها ضريح الإمام الرضا (ع)، تمت محاكمته.
فشل سياسة  منع الحجاب في عهد رضا خان
في البداية طبقت الإجراءات التأديبية بالتزامن مع الإجراءات الدعائية ، وبعد فترة أصبحت الإجراءات التأديبية والقمعية ومجموعة من الأساليب الإدارية وجهود الدعاية جنباً إلى جنب مع المواجهات العنيفة. ووفقاً للوثائق المتاحة ، فقد باءت جهود رضا خان العسكرية والثقافية في الكشف عن الحجاب بالفشل.
مع سقوط حكومة رضا شاه، ظهر غضب المجتمع ورفضه للسياسة وبدأت أثار مقاومة النساء لسياسة منع الحجاب تؤتي أُكلها في المجتمع الإيراني.
عام 1942م كشفت وزارة الداخلية برسالة إلى رئيس الوزراء عن فشل سياسة منع الحجاب، ومما جاء فيها: "سماحة رئيس الوزراء! أفيد أن ارتداء العباءة الأبيض كان شائعاً لبعض الوقت، ومؤخراً أصبح ارتداء العباءة السوداء شائعاً بين بعض النساء ، وشوهدن يمرن في الشوارع والممرات و هن يرتدين العباءة". "في الآونة الأخيرة ، انتشر ارتداء عباءات الصلاة، والسوداء، وعمامات بيضاء والقبعات المصنوعة من اللباد في معظم المدن ..." فضلاً عن هذا تُبين مختلف التقارير المرسلة من مختلف المحافظات بان سياسة نزع الحجاب التي تبناها رضا خان فشلت ولا يمكن فرضها بالإجبار عبر قوات الشرطة على المجتمع الإيراني.

البحث
الأرشيف التاريخي