الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون - ٠٩ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون - ٠٩ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

في ظل الصمود والانتصار

اضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة والثورة غاية العدو

الوفاق / وكالات -  كثيرة هي الثورات والحركات الثورية والمقاومة التي خسرت معاركها مقابل عدوها، ففرض إرادته عليها واستسلمت له، طائعةً أو مكرهة. ولمعرفة أسباب الهزائم والانصياع للعدو، لا بد من البحث في الخلل الذي قد يكون قد وقع في مكونات وضروريات قيام أي حركة مقاومة أو ثورة أو معارضة ضد ظالم  مستبد أو محتل، والتي تشكل وجود القضية العادلة أبرزها والقيادة الراشدة والحليف الصادق والحاضنة الشعبية(الشعب الواعي)، ولمّا كانت المكونات الثلاثة الأولى تعمل ضمن البيئة والمساحة التي يؤمنها لها الشعب (الحاضنة الشعبية)، ولمّا كان أصل الهدف الذي تعمل له المقاومة أو الذي من أجله قامت الثورة هو تحرير الأرض والانسان من جور المحتل والطغيان، وحيث أن المقاومين والثائرين يقومون بفعلٍ مقاوم كجزء من كل الشعب، فهم الوكيل الذي يُمثل مصالح الشعب ويدافع عنه، كان المكون الأخير هو أهم ركن من أركان نجاح الثورة وانتصار المقاومة، فلو تخلى الشعب عن خدمات الثائر أو المقاوم فلن ينفع عدل القضية أو رشد القيادة أو صدق الحليف في دحر المحتل أو كبح ظلم الظالم، وسيغدوا المقاومون أو الثائرون كسمكة تسبح في ماء قليل الأوكسجين، لا تلبث أن تُفارق الحياة .من هنا أتت هذه المقالة للتعرف على دور الحاضنة الشعبية والشعب تجاه الثورة والمقاومة.
تلاحم الشعب الفلسطيني مع مقاومته وراء صمودها وانتصارها
توفرت للمقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها الحاضنة الشعبية بالرغم من انتشار الشعب الفلسطيني في العالم، وكون الحاضنة الشعبية بكل تلك الأهمية فقد حاول الاحتلال وكل من يتضرر من وجود المقاومة وقوتها، أن يجهض هذه الحاضنة والبيئة الشعبية عبر مخططات كبرى استهدفت كل أشكال الالتفاف حول المقاومة ودعمها، إذ أدرك المحتل أن ثقافة المقاومة نفسها التي تعتنقها الجماهير الفلسطينية هي الكفيلة بإبقاء الكفاح المسلح حياً ومتوارثاً من جيل إلى جيل. وشكلت الحاضنة الشعبية نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلم يعد الشعب بمعزل عن أداء وعمل المقاومة خلال الحروب والاجتياحات الإسرائيلية، وهذا ما شاهده العالم وسمعه عن قصص مؤازرة الشعب الفلسطيني لمقاومته عبر ما يستطيعون إليه سبيلاً.
وما يشهده قطاع غزة حالياً بعد عملية "طوفان الأقصى" من ارتكاب المجازر وتهجير المواطنين في مشهدٍ يُذكر بأحداث النكبة عندما تعمدت العصابات الصهيونية إخراج السكان من منازلهم وتهجيرهم، كل ذلك لإقامة شرخ بين الشعب ومقاومته عبر تحميلها مسؤولية ما يجري عليهم من ظلمٍ وتنكيل، لكن ثبات السكان في منازلهم واكتشافهم خدعة العدو وغايته من التهجير، أفسد مخططاته.
العنف الصهيوني واستهداف حاضنة المقاومة
يعمل الاحتلال الصهيوني على استهداف الهويّة الجمعيّة التي تتأسّس عليها البنى السياسيّة والمعرفية الفلسطينيّة وتشكّل الحاضنة الشعبيّة لها. فالاستهداف الصهيوني للفلسطينيّ يتميّز على طول الطريق والتجربة باثنين: الهدم المادّي أولًا الذي يتمثّل بالتهجير والاستيطان والضم، وهدم المؤسسات والتنظيمات والحيّز الذي يعيش فيه ومن خلاله المُجتمع؛ ومن ثم تبدأ عمليّة الهدم الرمزيّ للقيم السياسيّة والاجتماعيّة التي يتأسّس عليها المُجتمع.
ثنائيّة الهدم هذه لكلا الطرفين اللذين يشكلّان سويًا التنظيم الاجتماعيّ- السياسيّ الفلسطينيّ، والحيّز المادّي الذي يعيش ويتطوّر فيه هذا المجتمع عبر التخطيط والحصار والخنق، هما جوهر السياسة  الصهيونية تجاه الفلسطينيّ: بعد مُحاصرة المكان وقتله، تبدأ عمليّة مُحاصرة المجتمع الذي يعيش داخله واستهدافه لتفكيكه قيميًا. ومن أبرز ممارسات الاحتلال للضغط على الحاضنة الشعبية: البناء الاستيطاني وتفتيت البلدات الفلسطينية، الضغط الاقتصادي، الاعتقالات والاقتحامات، القمع والتهجير، هدم المنازل، أسرلة التعليم، ضرب المنظومة القيمية، افتعال الإشكالات الداخلية وتعميق الانقسام الفلسطيني، إغلاق المؤسسات الفلسطينية، الحصار وتقييد الحركة.
الشعب صاحب الدور الرئيسي في قيام الثورة والحفاظ عليها
يعتبر الإمام الخامنئي (حفظه الله) أنّ نجاح أيّ ثورة في جميع مراحلها - من النهضة إلی النظام والدولة والمجتمع والحضارة - مرهونٌ بوجود عنصرین رئیسيين وکیفیة أداء کل واحد منهما لدوره: الدور الأوّل للإمام وقائد الثورة، والدور الثاني للشعب والجماهير.
طبعاً هناك شرائح معيّنة داخل الشعب لها دورها الخاص وأهميتها الكبيرة في صناعة الثورة واستمرارها، مثل علماء الدین الذين قاموا بإیجاد الربط بأحسن الطرق بین الإمام الخميني (قدس) والأمّة عبر شبکة واسعة من المساجد والهيئات الحسینیة المنتشرة في البلاد، ونشروا أفکاره في أوساط المجتمع وأوصلوا رسائله للجمهور، وهم کانوا دائماً في مقدّمة الشعب في کلّ ساحات الجهاد والتضحیة.
استمرارية الثورة مرهون بتعاون الشعب
إن الثورة وبُغية تحقيقها النجاح سواء في مرحلة النضال مع النظام السابق ومقارعته، أو في مرحلة تأسيس النظام السياسي الجديد أو بذل المساعي لتحقيق الأهداف في مرحلة ما بعد انتصار الثورة، بحاجة إلى دور الناس المباشر والمشاركة الشعبية.
فدور الناس سواء العامة منهم أو النخبة والخواص بمختلف المعتقدات والتوجهات الثورية، سواء في مرحلة محاربة النظام السابق، يُعدّ دوراً مؤثراً لا بديل له، ويمكن القول جازمين، بأن هذا الدور يشكل إحدى العناصر الأربعة الجوهرية التي تلعب دورها في انتصار الثورة-أي نشر القيم الجديدة وإحلالها محل القديمة ودور القيادة والوحدات التابعة له ودور عامة الناس ودور توسيع رقعة الأفكار الثورية.
إن الثورة لا تنتهي بمجرد انتصارها بل بعد تحقيقها الانتصار تأتي المساعي لبناء النظام الجديد وخلق النظام السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي الجديد، في هذه المرحلة يرتبط تطور الثورة بدور الناس عامة والخواص ارتباطاً مباشراً، و كلما كان هذا الدور أكثر بروزاً وكلما كانت المشاركة الشعبية أقوى وأكثر اتحاداً وتمتعاً بالمعتقدات الأصيلة والمؤسسة على الثقافة العامة والقيادة الحكيمة والقادرة، كلما تزداد نسبة النجاح وسرعتها في تأسيس النظام السياسي الجديد.
في هذا المجال يمكن القول بأن كل الثورات لا تحقق النجاح ما لم تؤسس لنظام جديد، إذ و بعد انتصار الثورة يبحث البعض عن إثارة الفوضى والإخلال بالأمن وقد يلجأ منهم إلى العنف الطويل الأمد، أو ومن دون الاهتمام بالمشاركة الشعبية، يقوم بتأسيس النظام السياسي الجديد، وتظهر نتائج هذه القضية في مسار التطورات اللاحقة.
على سبيل المثال فإن فلاديمير لينين قائد ثورة أكتوبر عام 1917 الروسية وبعد تحقيق الانتصار على حكم أسرة رومانوف وإسقاط النظام الملكي وإمبراطورية روسيا، قام بُغية تعيين مندوبين لكتابة الدستور الجديد وتأسيس النظام السياسي الجديد في روسيا، بالانتخابات العامة، غير أن أغلبية الأشخاص الذين وقع الاختيار عليهم، لم يكونوا من أنصار الماركسية، بل كانوا من الموالين للتيارات الأخرى وخاصةً الاشتراكية الثورية، هؤلاء الأشخاص وبسبب ظهور القضية الاجتماعية التاريخية والفقر الشديد الذي كان يعاني منه الفلاحون الروس وهم أغلبية سكان البلاد، كانوا يعتقدون بتقسيم الأراضي بين الفلاحين، غير أنهم لم ينتموا إلى الماركسية، لذا قام لينين بحل المجلس على الفور، وترك أمر بناء النظام الجديد للحزب الجديد.
إن عدم تواجد الناس ومشاركتهم البارزة في بناء النظام الجديد الذي يمكن أن ينجم عن نوع الثورة أو توجهاتها الخارجية وكون النظام الذي يطمح إليه القائمون على الثورة غير مثالي، أو الاثنين معاً، يترك تأثيره على التطورات اللاحقة، قد يعرّض النظام السياسي الجديد إلى أنواع أشكال عدم الاستقرار المتتالية. على غرار الثورة الروسية التي وفي بداية الأمر بعد انهيار حكم أسرة رومانوف نتيجة الظروف المختلفة ومنها الإخفاق في الحرب الكونية الأولى، وتأثير هذه الهزيمة على التطورات الثورية في روسيا، شهد النظام حالات من عدم الاستقرار على الرغم من مشاركة الناس البارزة. كما تبنت الثورة الروسية بعد انتصارها توجه إزالة التوتر مع الغرب ما أدى إلى انهيار الكتلة الشرقية، والمثال الآخر هو الثورة الفرنسية بعام 1789 التي واجهت سنوات من حالة عدم الاستقرار بعد انتصارها وفي نهاية المطاف باءت بالفشل.
المشاركة الشعبية في الثورة الإسلامية أنموذج ٌيقتدى به
تُعدّ الثورة الإسلامية الإيرانية فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية نموذجاً فريداً بنوعه وهذه المشاركة الواسعة تُشكل سمةً بارزةً في مختلف مراحلها، فالثورة الإسلامية وفي مرحلة انتصارها ومن خلال قيادة الإمام الخميني (قدس) والحكيمة ومشاركة الناس الواسعة النطاق استطاعت أن تحول دون أي عمل مخل بالأمن يقوم به أتباع النظام السابق أو فلوله، وحققت الانتصار في عام 1979م
ثم جاءت المساعي لتأسيس النظام الجديد أي النظام الديمقراطي الديني، في ظل هذه الظروف وبينما كانت الحكومة المؤقتة ورئيس وزرائها المهندس بازركان والتيارات غير الثورية، يطالبون الناس بالعودة إلى بيوتهم وتسليم الأمور إلى حكومة تكنوقراطية، وابتعاد الناس عن الساحة السياسية، استمرت مشاركة الناس البارزة في الساحات بحكمة الإمام (قدس) وذكاءه وكذلك القوى الثورية، وهذه القضية انتهت إلى بذل مساعي ناجحة وعظيمة وسريعة في بناء النظام الجديد أي نظام الجمهورية الإسلامية وهياكلها المختلفة ومنها المؤسسات الثورية التي تركت تأثيرها الكبير في مسار الثورة واستمرارها، وفي 1 أبريل/ نيسان من العام 1979م  صوت الناس لصالح تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية بنسبة بلغت ما يزيد على 98 بالمائة، في هذا الاستفتاء كان بإمكان المعارضين للثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية التصويت لصالح نظامهم المنشود، لكنهم كانوا قلة.
استمرارية بفضل دعم الشعب الدائم
هكذا استمر حضور الشعب في مختلف ساحات الثورة وسارت المنظومة الجديدة والثورية على طريق ترسيخ الثورة والسلطة والتطور المتزايد. ومن الأمثلة على هذا الحضور المشاركة في انتخابات مجلس خبراء الدستور والاستفتاء على إقرار الدستور وانتخابات مختلفة - مثل مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى الإسلامي والانتخابات الرئاسية.
منذ ذلك الوقت، استمر حضور الناس في ساحات الثورة وفق ظروف كل مرة وبأشكال ٍمختلفة. ومن الأمثلة على ذلك مشاركة الشعب العامة للدفاع والذود عن البلاد ضد الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية، ومحاربة الحركات المعادية للثورة على الحدود وفي الداخل في السنوات الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، والحضور في المؤسسات الثورية مثل قوات التعبئة للمستضعفين، وجهاد البناء، والحرس الثوري الإسلامي وغيرها من المؤسسات، وإحباط وإفشال المؤامرات والخطط والفتن المعارضة للثورة وداعميها الأجانب طيلة السنوات الماضية، وأحداثٍ أخرى.
إن الثورة الإسلامية وبسبب أصالتها وشمول طموحاتها وقيّمها، تعرضت إلى عداء الأنظمة السلطوية العالمية أكثر من سواها من ثورات، واستطاعت وبقيادة ذكية ومشاركة شعبية أن تستمر بإحباط المؤامرات، وتجتازها وتفتح الطريق للتطور والرقي بالبلاد، وكذلك أن تكون أُسوةً للأحرار في كل أنحاء العالم.
ختاماً.. تحتاج المقاومة أو الثورة لبُعدٍ شعبي يوفر لها الدعم والحماية، فالحاضنة الشعبية هي ذلك الإطار الاجتماعي الذي يرى بناءً على قناعته وإيمانه في المشروع الذي تحمله المقاومة أو الثورة مُنقذاً له من ظلم ظالم أو احتلال محتل، رائيةً فيها كجماعةً وفي أعضاءها قادةً وأفراداً ذلك النموذج الذي يصدق قوله فعله، فيجدر أن يُحتذى به، مؤمنةً بالنصر الذي توعد به، مستعدةً لتحمل الأكلاف التي تترتب على دعمها للمقاومة وتأييدها للثورة، مؤمنةً للمقاومة والثورة سُبل الدعم والإسناد المادي والمعنوي المطلوب لانتصارها على غريمها وعدوها.

 

البحث
الأرشيف التاريخي