لماذا يختلف أطفال غزة عن سائر أطفال العالم؟
الوفاق/ خاص
ليلى علي
أن التباكي لا يفيد أطفال فلسطين، ولكن الدعم والمساندة والتشجيع وتقديم المنح الدراسية وتبني الأيتام ماديا أو معنويا هو الأهم
أطفال فلسطين لديهم تجربة حياة مختلفة تماما عن سائر أطفال العالم، فهم يصنعون تاريخ وطنهم بمقاومة المحتل، ويتعلمون كيف يعيشون الحياة التي تسرق منهم تفاصيلها، ويحملون قضية تخلى عنها الكثيرون، ويدفعون حياتهم ثمنا لها إذا لزم الأمر.
يعرفون كيف يعبرون لوسائل الإعلام المتحيزة ضدهم عن مشاعرهم، ويتساءلون لماذا يخونهم العالم ولماذا تمحى صور بيوتهم من على خريطة غوغل؟!
الطفل الفلسطيني محاصر بين قطعة صغيرة من الأرض وليس أمامه سوى البحر، ولديه 4 ساعات فقط من الكهرباء خلال اليوم، سبل الاكتشاف لديه قليلة ومع ذلك يحب التعلم.
أطفال فلسطين يكبرون سريعا بسبب وعيهم وتشربهم الواقع من حولهم، وبسبب التجارب التي يمرون بها خصوصا تجارب الحرب التي تؤلمهم وتجعلهم صامدين وأكثر شجاعة وحرية وإحساسا بالمسؤولية.
قضية وطن في القلوب
أهالي غزة يحكون قصص لاطفالهم تربطهم بمدينة الملائكة ويقولون أسباب عيشهم في المخيمات وليس في بيوتهم الحقيقية في مدن فلسطين حيفا وعكا ويافا، يروون كيف هجر اجدادهم في عام 1948، أهلهم يرضعون القضية الفلسطينية صغارا، وهذا ما يجعلهم مختلفين عن الآخرين كبارا.
أن أطفال العالم يتعلمون التاريخ من الكتب في المدارس، يدرسون منهاجا على الورق، لكن أطفال فلسطين يعيشون تاريخ بلدهم لحظة بلحظة، يعيشون جميع أنواع العدوان عليهم وعلى طبيعة الحياة التي يعيشونها.
وأن الحصار المتواصل والأزمات المتكررة تخلق منهم أطفالا يحملون المسؤولية ولديهم هدف واضح، يساندون بعضهم بعضا ليصيروا أقوياء. ومع ذلك فهم يحملون في قلبهم جرحا كبيرا لوطنهم.
بالنسبة لأمهات فلسطين فهن يعلّمن أطفالهن الرباط والتحمل والرضا بالقضاء والقدر والعزيمة والوطنية. وإن حياة الحرب تضيف إلى أطفال غزة جزءا لا يعرفه أطفال العالم الآخرون، وهذا يجعلهم واعين ربما حينما تنتصر فلسطين ستكون نهاية قصة كفاحهم الطويلة.
عزيمة ومقاومة
يعيش شعب فلسطين تحت وطأة احتلال يعمل فقط ليبث الخوف والأمراض النفسية، وبالرغم من ذلك فهو شعب مقاوم.
يحاول الاحتلال تدمير الروح المعنوية للشباب الفلسطيني ويشوش المفاهيم التي تربى عليها، ولكن الوعي الحقوقي والسياسي والمدني الذي يحصل عليه هؤلاء الشباب من المؤسسات ومن الأهل يعتبر المتراس الذي يكسر ما يفعله الاحتلال بنفوسهم. الحرب لها تأثير كبير على الأطفال، والاختصاصيين النفسيين يدربون ويوعون الأهل ليكونوا الحاضنة الآمنة للأطفال وقت الحرب، فحتى إذا اهتزت الأرض من تحت أقدامهم يكون وجود الأب والأم هو الأمان الوحيد بالنسبة لهم.
لذلك حينما يفقد هؤلاء الأطفال أحد الأبوين أو كليهما في أحلك الأوقات على الإطلاق، تتبناهم مؤسسات الأيتام ويخضعون لبرامج الدعم النفسي المتخصصة في الصدمة النفسية وفي علاج آثار فقدان الأب والأم. الدعم النفسي يساعدهم لتقبل تجربة الفقدان والتعبير عن حزنهم بحيث لا يؤثر على استمرار حياتهم وتحقيق ذواتهم وأن يكون لهم دور إيجابي في الحياة.
قد نشاهد أطفال شهداء انتفاضة عام 1987 وقد صاروا شبابا مسؤولين عن أسرهم، فأطفال فلسطين يصنعون الحياة من الألم. وبالرغم من كل ما يمرون به، يريدون أن يكبروا ليساعدوا الجيران والأهل وجميع من يعانون، لذلك يلجؤون إلى التعليم، فالجميع في فلسطين يهتم بالتعليم، لأنه السلاح لمحاربة العدو والتفوق عليه. وهذا ما يحدث في الحرب الحالية، الجميع يتحدث عن صواريخ وطائرات جديدة محلية الصنع.
هدم الذكريات وبناء الأحلام
حينما يهدم منزل في فلسطين تنهدم معه الذكريات والأيام الجميلة وياسمينة الدار والشجر والريحان وعبق الحنة، جنود الاحتلال لا يهدمون البيت إنهم يحاولون هدم الروح، لكن مع ذلك صامدون، صحيح أن العالم يرى الصراخ والبكاء والألم على شاشات التلفزيون ولكنه أمر عادي ناجم عن صدمات الهلع والخوف والقتل والتدمير، والذي يستلزم الكثير من الوقت ليشفى الجميع ويستعيدوا توازنهم النفسي ويبدؤوا من جديد.