الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وستون - ٠١ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وستون - ٠١ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

بمناسبة ذكرى شهادته الرابعة والأربعين:

رائد الفكر والجهاد ونصير الثورة.. آية الله القاضي الطباطبائي

الوفاق/  تُصادف هذه الأيام ذكرى استشهاد أول شهداء المحراب آية الله السيد محمد علي قاضي طباطبائي إمام جمعة مدينة تبريز. كان آية الله فقيهاً ومرجعاً دينياً، وأحد القادة الروحيين والسياسيين للثورة الإسلامية، لعب دوراً رئيسياً في انتصار وتحقيق النضالات الثورية للشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني (قدس) وخاصةً في منطقة تبريز. وقد وقف هذا العالم المجاهد إلى جانب الإمام الخميني (قدس) ضد النظام البهلوي حاشداً الجماهير في منطقته دعماً له وللثورة الإسلامية فتحمل مختلف أنواع الأذى والاضطهاد في هذا السبيل، وكان والده السيد "باقر آقا قاضي" من العلماء المعارضين لنظام والد الشاه وأدى دوراً كبيراً في حشد العلماء ضد طاغية عصره ووقف الشهيد إلى جانب والده في كل النشاطات السياسية ليؤدي دوره الهام في قضية مؤامرة فصل منطقة آذربايجان عن إيران.
شخصية آية الله القاضي الطباطبائي ونتاجه العلمي
بسبب إتقانه للغة العربية، فقد كتب مقالات باللغة العربية لمجلات في الدول العربية، فنُشرت له العديد من المقالات في المجلات المصرية، وتميز بسعة معرفته الأدبية، فهو وفق أصدقائه ومعارفه خلّف وراءه مؤلفات ثمينة منها مقدمة وتصحيح (جوامع المجامع) للعلامة الطبرسي، وحاشية على (الفردوس الأعلى) بقلم العلامة كاشف الغطاء، حاشية على كتاب (كفاية الأصول  للآخوند الخراساني، محاضرات أساتذة النجف، مراسلات العلامة كاشف الغطاء. لقد كان صديقاً لمعظم العلماء المعاصرين مثل أقا بزرك الطهراني، والسيد موسى الصدر، وآية الله دستغيب، والعلامة الأميني.
حل مشاكل الناس أبرز صفاته
دفعت العلاقة المباشرة بين الناس ورجال الدين عبر التاريخ الناس إلى اللجوء إليهم لحل مشاكلهم ومساعدتهم، وفي تبريز، أدى آية الله السيد محمد علي قاضي الطباطبائي، إلى جانب أنشطته الدينية والتعليمية، دوره الاجتماعي بشكلٍ فعال، فقد عُرف ببذل أقصى جهده ومن السمات في سبيل حل مشاكل الناس. وكان يحث الناس دائماً في خطاباته على تقديم الأموال والمساعدات للفقراء والمحتاجين، ولقد أثبت بتعاطيه وأفعاله سمو أخلاقه الإسلامية، فكان له نشاطٌ واسع في توفير المنازل للمحتاجين والمشردين في تبريز، فقد استطاع تأمين منازل لأكثر من مائتي عائلة.
عدا عن ذلك فقد حصل على توكيل من معظم مراجع التقليد الشيعة المعاصرين في الأمور التي تحتاج إذن المجتهد، ما ربطه بقطاع واسع من مقلدي كل مرجع. في الواقع، كان صلة الوصل لمرجعيات كبيرة مثل آية الله الحكيم، والإمام الخميني (قدس)، وآية الله المرعشي النجفي، وآية الله ميلاني، وآية الله الخوئي، وكان يتابع أوضاع مقلديهم الإجتماعية.
راقب السافاك تحركات وأعمال اية الله القاضي الطباطبائي الاجتماعية وعلاقاته مع الناس، وقد ورد في إحدى وثائق السافاك:" "فيما يتعلق بالتجمع في منزل القاضي الطباطبائي ووفق التحقيقات المعتادة، قد تجمع عدد من أهالي "آذرشهر" في منزله بسبب خلاف نشب بين ثلاثة أشخاص من تجار آذرشهر حول مسألة خلافية، والذي انتهى وحُل بوساطة القاضي طباطبائي".
جهاده ضد النظام البهلوي
بعد سيطرة "رضا خان" على مقدرات إيران وانتشار سياسة القمع ومعاداة الإسلام الهادفة إلى تدمير المقدسات، وعى رجال الدين المناضلون خطورة ما يحصل، وتمردوا عليه وعارضوه ووقفوا ضد الأعمال المناهضة للشريعة واللاإنسانية من النظام البهلوي الذي لاحقهم وحاول القضاء عليهم.  
في ذلك الوقت، عندما كان السيد الشهيد مراهقًا يبلغ من العمر 16 عامًا، كان يتابع ما يجري من ظلم وقهر للناس ومجابهة رجال الدين له، ومنهم والده. فما كان من النظام البهلوي إلا أن  أبعده مع والده إلى مدينة طهران مدة شهرين بسبب نشاطهما القوي في ثورة تبريز آنذاك، ثم تحول المنفى إلى مدينة مشهد المقدسة، وبعد سنة من النفي رجع إلى تبريز. شرع في التبليغ والتحقيق وإمامة مسجد من مساجد تبريز المعروفة، ولم يمنعه ذلك من التصدي للعمل السياسي، فقد عرّى النظام الجائر للشعب في السنوات العشر التي أعقبت ثورة الخامس من حزيران لعام 1963 م . وفي تلك الثورة، وبوجود الكثير من العلماء الذين شاركوا فيها ووقعوا على البيانات، تحدث الكثير منهم على المنابر دعماً لتلك الثورة كلاً وفق معرفته وحدود بيانه، ومع أن الشهيد كان أصغر من بقية العلماء سنّاً، بل وأقل علماً من بعضهم، نجد أن الشعب بأسره، بل النظام والسافاك كانوا يعلمون جيداً أن قيادة التحركات والخطب وفتح وإغلاق الأسواق والشوارع لمدة أسبوعين والتظاهرات والتجمعات أمام مبنى المحافظة والشرطة كانت تتم على يد الشهيد، فنال بذلك ثقة الشعب ومحبته وطاعته في تبريز وفي محافظة آذربايجان، كما كانت الكثير من مجالس العلماء السرية تُعقد في منزله، أمّا أكثر البيانات فتكتب إما بقلمه وخطه أو إملائه.
الاعتقال والنفي
اعتُقل الشهيد بسبب نشاطاته الثورية ضد النظام البهلوي لعدة مرات، بين عامي (1963 - 1964م)، فقد قامت قوات أمن الشاه (السافاك) باعتقاله ثلاث مرات، وأخيراً تم إبعاده الى العراق عاد منه إلى إيران بعد سنة ونصف، ليتابع نضاله السياسي ضد النظام البهلوي، ففي خطبة عيد الفطر السعيد عام 1967م ذكر الشهيد ضمن حديثه عن الحكومة الإسلامية الإمام الخميني (قدس) بصراحة وبجّله، ثم أشار إلى العلاقات ما بين النظام البهلوي وإسرائيل وأدانها، واستنكر في كلمته العدوان الصهيوني، فقام النظام بإعتقاله، وحُكم عليه بالإبعاد ستة أشهر الى كرمان، وبعد انتهاء ابعاده أُبعد مرة اخرى الى زنجان.
بالرغم من هذه الملاحقات والاعتقالات والنفي لم يفتر عزم الشهيد لحظة في منفاه من فضح جرائم النظام ودعوة الناس إلى الحذر واليقظة. وإثر ذلك أصدر رئيس جهاز السافاك قراراً بمنع الشهيد من لقاء الناس نهائياً، ويطلب التحقيق مع كل فرد ينوي مقابلة الشهيد. ومع كل هذا، فقد كان الشهيد يتبادل الرسائل مع العلماء والمراجع أمثال آية الله العظمى "السيد محسن الحكيم"، وآية الله العظمى "المرعشي النجفي"، وآية الله العظمى "الميلاني"، وآية الله "صدوقي"، وآية الله "دستغيب"، بشكل سرّي. وقد أقلق النظام إلى حد كبير جموع الناس التي كانت تذهب لزيارته ورسائل وبرقيات العلماء والمراجع المتكررة، وقد زاد من قلق النظام عندما علم السافاك بأن للشهيد علاقات بالإمام الخميني (قدس) في مدينة النجف الأشرف، وأنه بعث برسالة إلى الإمام(قدس) في العراق بواسطة أحد العلماء، فشدد من رقابته عليه، وطلبوا ملخصاً عن ماضيه السياسي من محافظة آذربايجان.
كما بذل الشهيد في تلك الفترة، جهوداً مضنية في كشف ممارسات النظام أمام أنظار الشعوب الإسلامية؛ فكان يكتب مقالات باللغة العربية، ويُرسلها بالسر إلى لبنان وسوريا والعراق حيث نشرت في الصحف، وللشهيد عدة مقالات نشرت في مجلة العرفان بصيدا في لبنان.
آية الله والإمام الخميني (قدس)
وفي الأيام الأولى بعد إطلاق سراح الإمام (قدس) بعد مجزرة  6 حزيران عام 1963م، سافر الشهيد إلى مدينة قم المقدسة، وقابل فيها الإمام، وتحدث معه في شؤون التحرك الإسلامي، ومن هناك تشرف بزيارة الإمام الرضا (ع) ثم عاد إلى طهران. ومع أنّ الشهيد كان منفياً عن مدينته تبريز إلاّ أنّه غادر طهران إليها من دون إذن السافاك، وما أن علم أهالي تبريز وأطرافها بقدوم الشهيد حتى استعدوا لاستقباله، وكان يوماً مشهوداً في تاريخ تبريز لم تشهد مثيله، فوفاءً لهذا العالم المجاهد احتشدت مئات الألوف في الطريق ما بين محطة القطار إلى بيت الشهيد وهي تطلق الشعارات الإسلامية مثل.. الله أكبر، ونصر من الله وفتح قريب. لم يتحمل النظام منظر الاستقبال حتى ليوم واحد، فقام بردود فعل انفعالية، وأقدم السافاك على اعتقاله في منتصف ليل يوم قدومه. بعد مضي بُرهة من الزمن، أفرج عن الشهيد بضغط من آية الله الميلاني، فرجع إلى تبريز، إلاّ أن الأمر لم يدم طويلاً، فسرعان ما ألقي القبض عليه ونقل إلى طهران من جديد.  وبسبب الضعف والمرض الذي أصابه، فقد أُبقي في إحدى المستشفيات لمدة ستة أشهر تحت المراقبة المستمرة للسافاك، ثم أبعد بعد ذلك إلى العراق، فاغتنم الفرصة بحضور الدرس في حوزة النجف الأشرف وبالأخص درس الإمام الراحل (قدس) وبعد انتهاء الإقامة الجبرية التي دامت أحد عشر شهراً عاد الشهيد إلى مدينة تبريز، وأكمل مسيرته السابقة في تبليغ الرسالة وكشف اللثام عن الوجه القبيح للنظام.
جهاده حتى انتصار الثورة
 منذ رجوعه وحتى انتصار الثورة، كان كقائده طوداً شامخاً في الأحداث، وكانت علاقته الوثيقة بالإمام(قدس) قد تركت أثراً كبيراً في أعماله وآرائه ومواقفه، فقد كان سبّاقاً في إرشاد الناس وتوجيههم في جميع الظروف وخصوصاً في اللحظات الحساسة، ثابت النظر والتشخيص في المسائل السياسية. ومع تصاعد جهاد الشعب المتيقظ بشهادة نجل الإمام السيد مصطفى نجل الإمام الخميني (قدس)، فقد أسّس الشهيد بالمجالس التي عقدها على روح الشهيد، خندقاً قوياً للدفاع عن الإسلام ومحاربة الطاغوت، وكان منزله المأمن الوحيد للمجاهدين بعد حادثة التاسع من شهر يناير من العام 1978 التي استشهد فيها مجموعة من علماء مدينة قم  المقدسة اثر خروجهم في التظاهرات احتجاجاً على إحدى المقالات التي كتبت ضد الإمام الخميني (قدس). أمّا الشهداء فكان تشييعهم ينطلق من منزله، وكانت التظاهرات الكبرى  المؤيدة للثورة الإسلامية في مدينة تبريز تتمّ بتوجيه منه ، وواصل الدعوة إلى إغلاق السوق والمحال التجارية وعدم دفع أموال الماء والكهرباء، لإعلان عدم مشروعية النظام، والدعوة إلى الإضرابات حيث كان يقوم بتأمين مصاريف المضربين فترة الإضراب، وكان يُنظّم التظاهرات التي تنطلق من أمام منزله ويتقدمها رغم إطلاق الرصاص عليها.. كما عيّن في مسجده محلاً لتعليم طريقة استخدام القنابل الحارقة، وحثّ الآخرين على تعلّمها وتعليمها. وبفضل الجهود المتظافرة في كل أنحاء إيران تم الانتصار الميمون للثورة الإسلامية وبعد انتصار الثورة الإسلامية أمّ صلاة الجمعة في تبريز الثورة حتى نال الشهادة.
شهادته
من أهم إنجازات الثورة الإسلامية إحياء التقليد الديني والسياسي لصلاة الجمعة وأدائها. وبعد انتصار الثورة، وبأمر الإمام (قدس)، أقيمت صلاة الجمعة المثمرة في طهران والعديد من المدن الكبرى. في أغسطس 1958، وبموجب مرسوم من القائد العظيم للثورة، تم تعيين آية الله ممثلاً مفوضاً وإمام الجمعة في تبريز، وكان يحضر كل أسبوع مراسم صلاة الجمعة ويلقي الخطب ويرشد الناس.
وعندما وصل خبر استشهاد الشهيد مطهري ظلماً إلى مسامع آية الله قاضي تأثر بشدة وكان يقول دائماً لمن حوله: "أتمنى أن أستشهد يوماً مثل الأستاذ مطهري". وبعد أيام قليلة استُجيب دعاءه، وفي منتصف ليلة الثاني من نوفمبر في العام 1979 م مضى السيد القاضي إلى ربه شهيداً مظلوماً، وتم تشييعه تشييعاً مهيباً من قبل أهالي مدينة تبريز، وبتلك المناسبة الأليمة أصدر الإمام الخميني (قدس) بياناً أبّن فيه الشهيد الفقيد وحث فيه الشعب الإيراني على الاستفادة من هذه الحادثة وأمثالها في الاستمرار بطريق الجهاد ضد الاستكبار، كما أعلن الحداد العام في البلاد.

 

البحث
الأرشيف التاريخي