الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وستة وستون - ٣١ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وستة وستون - ٣١ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

الكاتب اللبناني الدكتور حسان الزين للوفاق:

وهم الدولة يتبدد.. الهجرة المعاكسة بدأت


عبير شمص
لطالما بنى الكيان نفسه على تدعيم كتلته الديمغرافية باستقطاب اليهود من كل أقطار العالم، وتسويق فكرة “الأرض الموعودة المقدسة” كإغراء لهم. إن نقطة الهجرة للكيان الصهيوني متغيرة لا يمكن النقاش حول أهميتها بتاتاً على مستوى صناع القرار الصهاينة ، لكن  تعيش "إسرائيل" منذ سنوات كابوس الهجرة المعاكسة من الكيان إلى الخارج، من دون أن تتمكن حتى الآن من معالجة هذه الظاهرة التي لم تنفع معها محاولات القيادتين السياسية والأمنية الحد من تداعياتها أو التقليل من شأنها، مع تفعيل الحملات الساعية لتهجير من تبقّى من "يهود" العالم إلى الكيان الصهيوني. وفي سياق الحديث عن هذه الأزمة الوجودية القائمة ألا وهي "الهجرة المعاكسة" والتي تُعد إشكالية قديمة تفاقمت الآن طرديًا مع انعدام الأمن والخوف الذي يلاحق المستوطنين الإسرائيليين والذي خلفته عمليات المقاومة وأخرها عملية " طوفان الأقصى" في فلسطين والصراع الإسرائيلي المتنامي مع محور المقاومة في المنطقة، فأصبح يشعر كل إسرائيلي بعدم الأمان وبأن فلسطين لم تعد أرضاً آمنة وصالحة للعيش بالنسبة له، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الكاتب اللبناني الدكتور حسان الزين وكان كالتالي:

الهجرة إلى الكيان الصهيوني "ضرورة وجودية"
تُعدّ السيطرة على الأرض الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية العالمية منذ ولادة الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين، والتي تابعتها "إسرائيل" بعد قيامها حتى الآن وفق الدكتور الزين، وقد رافقت عمليات الاستيلاء على الأراضي عملية تغيير ديموغرافي؛ ففي جميع حالات الاستيلاء، كانت تجلب أعداداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم ليحلّوا مكان السكان الفلسطينيين. فشكّل الاستيطان المُكمّل لإستراتيجية تهجير "اليهود" إلى فلسطين حجر الزاوية في الفكر الصهيوني، وأساساً من أسس بناء "إسرائيل".
ويلفت الدكتور الزين إلى أن الكيان الصهيوني ضمن هذا السياق يُعد مؤسسة هجرة لكل اليهود من أنحاء شتى من العالم عبر مراحل متعددة، فلقد تمتع بالجاذبية لإستقطاب هؤلاء اليهود  منذ تشكل الكيان وما قبل تكوينه، فهو يُعتبر مزرعة تجتمع فيها اليهود في أزمنة مختلفة ولأسباب متنوعة منها الحروب التي طالت مواطن اليهود في أوروبا في الحربين العالميتين الأولى والثانية وسقوط الاتحاد السوفياتي  والعديد من الأحداث التاريخية التي استفادت منها الوكالة اليهودية في تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، ومنها ما يسمى الهولوكوست عندما قام هتلر بقتل أعداد كبيرة من شعوب أوروبا ومن ضمنهم اليهود، وقد استغل الصهاينة هذا الموضوع أسوأ استغلال لتبرير استيطانهم في أرض فلسطين وتهجير الشعب الفلسطيني.
 لقد بذلت الوكالة اليهودية أقصى جهدها لتقديم الإغراءات المتنوعة لليهود لإغرائهم بالهجرة، ولقد استخدمت لذلك عدة وسائل يذكرها الدكتور الزين منها ترويج لفكرة "أرض الميعاد" وفق العقيدة اليهودية التلمودية، كونها واحة الأمن والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المغريات الأخرى.
وهكذا منذ مطلع القرن العشرين، رأت الحركة الصهيونية في هجرة اليهود إلى فلسطين هدفها الإستراتيجي لتحقيق إنشاء "الدولة"، وهو الذي تمّت ترجمته عند نشوء الكيان عام 1948، من خلال دعوة اليهود، أينما كانوا، للمجيء إلى الأرض الموعودة. حاولت "إسرائيل" جاهدة في معركتها مع أصحاب الارض الأصليين، إحداث تغيير ديموغرافي في فلسطين التاريخية عبر جلب اليهود من كل أنحاء العالم  وطرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، فشرعوا بتنفيذ سياستهم عبر اقترافهم المجازر والتي نذكر منها مجزرة دير ياسين لطرد الفلسطينيين وإخافة بقية الشعب الفلسطيني الذي سيترك قراه ومدنه ويتجه إلى البلدان المجارة وهذا ما حدث في تواريخ مختلفة.
الهاجس الديموغرافي الفلسطيني باعث قلق للصهاينة
شكل العامل الديموغرافي السكاني الفلسطيني وما يزال وفق العقيدة الصهيونية خطراً على الكيان الصهيوني، يشرح الدكتور الزين الذي يوضح مدى أهمية وخطورة العامل الديموغرافي في الذهن والعقلية الصهيونية ، فلقد طرحه الصهاينة في  مفاوضات إتفاقية أوسلو للسلام ، إذ شددت حينها "إسرائيل" على الاعتراف بها كدولة يهودية ، لمّا يمكن أن يُعد نوعاً من الحماية للمستقبل عند طرح مسألة الدولتين اليهودية والفلسطينية، فهي تضمن بذلك اعتراف دولي بامتلاكه لهذه الأرض وكذلك اعتراف فلسطيني بذلك إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب الرفض من الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة. لذا نراها تشدد على عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين بل وتسعى لتوطينهم في أماكن إقامتهم.
تراكم العمل المقاوم هدد استقرار الكيان الأمني
يُعد الاستقرار الأمني أهم أسس ثبات واستمرار الكيان الصهيوني وفق الدكتور الزين، لذا شكل تراكم العمل المقاوم والانتصارات المحققة على أيدي المقاومة في لبنان وفلسطين أحد ركائز زعزعة الاستقرار الأمني في الكيان الصهيوني، من الانتصار المحقق في لبنان في العام 2000 وانتصار المقاومة في حرب تموز 2006 ، وعمليات المقاومة الفلسطينية في تواريخ مختلفة. ولا شك في أن الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة داخل الكيان وحوله هي السبب أو الدافع الأول لهجرة الإسرائيليين أو فرارهم قبل الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية، على أهميتها.
ومن المعلوم أن المقاومة في فلسطين بكلّ أشكالها ومعاركها والصراع الإسرائيلي المتنامي مع محور المقاومة في المنطقة، هما العاملان الأساسيان اللذان يتسبّبان بتدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية من منظور القيادة والجمهور الإسرائيلي الخائف من التطورات والانتصارات  المتتالية لمقاومة بكافة أطيافها . بعد هذه الانتصارات وحالة عدم الاستقرار الأمني في الكيان الصهيوني، بدأنا نشهد في السنوات الأخيرة توجّهاً متزايداً لدى الإسرائيليين للانتقال إلى تجربة الحياة في الخارج، وهو التوجّه الذي تحوّل مع تولّي حكومة بنيامين نتنياهو إلى ما بات يُعرف بـ"الهجرة اليهودية المعاكسة". ويقصد بالهجرة المعاكسة هجرة اليهود المقيمين في فلسطين عنها في عدة اتجاهات نحو أوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم دون توفر نيّة العودة إليها والتي تشير التقارير إلى أن أي مواجهات عسكرية محتملة ومقبلة مع "اسرائيل" ستجعل الإسرائيليون يغادرونها وينسلخون عنها عسكرياً.
يحتفظ الكيان الصهيوني وفق ما يقول الدكتور الزين بالإحصاءات حول الهجرة المعاكسة ونسبها  الحقيقية لانعكاس ذلك على الأمن القومي الصهيوني، تشهد الهجرة المعاكسة حالة تصاعدية ولكن لا تظهر في أرقام وبيانات الدولة الصهيونية، لمّا تخلفه من تداعيات كارثية على المجتمع الصهيوني القلق من المستقبل، على الرغم من تداول الحديث عنها في الصحافة الصهيونية وكذلك في أدبيات السياسيين والمثففين الصهاينة فلو قمنا بجردة لهذه المصطلحات لوجدناها تتكاثر بسرعة كبيرة في الكيان الصهيوني بل وفي الصحافة الغربية والأمريكية.
الهجرة المعاكسة تهديد وجودي
كان لعمليات المقاومة الفلسطينية من عملية "سيف القدس" إلى عملية "طوفان الأقصى" وفق ما يُصرح الدكتور الزين ارتدادات وتداعيات هذه العمليات وخاصة العملية الأخيرة، فقد ضربت الأمن الصهيوني بوجوده وكيانه، فإسرائيل ليست دولة بل هي منظمة عسكرية ومنظمة أمنية ومنظمة استخباراتية، أتت "عملية طوفان الأقصى" لتطيح  بكل هذه المسميات والتعريفات التي تُكلل دعائم الكيان الصهيوني، فماذا بقي له بعدها؟ لقد دمر المقاومون الفلسطينيون مدعومين بمحور المقاومة  في إثنتا عشر ساعة هذه المنظومة العسكرية والاستخباراتية والأمنية واستطاعوا تحرير ما يقارب مساحة أكبر من مساحة قطاع غزة ويسيطروا عليها لمدة 12 ساعة دون علم الصهاينة، قضى المقاومون على التفوق الاستخباراتي والأمني والعسكري وكذلك الاقتصادي والمالي والاستثمارات التي ضُربت هي الأخرى. فحينما لا يوجد الأمن لا يوجد استثمار ورأس المال جبان، فإذا كان الكثير من الصهاينة يفكرون بأن المنطقة امنة سابقاً اصبحوا اليوم بكل بساطة يرون بأم أعينهم وبشكل ملموس بأنها لم تعد كذلك وذلك على مساحة "إسرائيل" كلها. وعدم الأمان والاستقرار يمتد على مساحة كبيرة من الكيان الصهيوني من الناقورة على حدود لبنان إلى قطاع غزة، والتي أصبحت مهددة وتحت نيران الفصائل الفلسطينية واللبنانية.
نزوح داخلي يلاصق الهجرة الخارجية
نتج عن عملية " طوفان الأقصى" هجرة داخلية أيضاّ، فقد تسببت العملية في إجلاء "إسرائيل" حوالي 120 ألف مستوطن إسرائيلي من أماكن إقامتهم في الشمال والجنوب، موزعين على 43 بلدة في الشمال بالإضافة إلى المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة، وذلك بسبب مشاعر الخوف من مخططات حزب الله في الجبهة الشمالية وفق تعبير أحد المستوطنين "هذه حرب وجودية". تزداد حدة هذه المشاعر مع تدهور ثقة الإسرائيليين بالجبهة الداخلية وبالجيش الإسرائيلي بعد أحداث "طوفان الأقصى".يحمل المستوطنين الصهاينة نزوحهم وهجرتهم لحكومتهم، فتعج وسائل التواصل الاجتماعي غضبها وحنقها على حكومتها واستنكارها وهم يطالبون حكومة نتينياهو بالاستقالة لاعتباره المسؤول عما يحصل لهم .
حركة لنغادر معاً ترعب " إسرائيل"
ومن أهم ما زعزع ركائز الكيان الصهيوني وفق الدكتور الزين قيام حركة "لنغادر البلاد معاً" الإسرائيلية، والتي نشطت في دعم الإسرائيليين الراغبين في الهرب من الكيان المهدّد بالتدمير الخارجي أو التفكّك الداخلي، و"الاستيطان" في الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى أكثر أمناً.
وفي نشأة حركة "لنغادر البلاد معاً" الجديدة نقطتان لافتتان؛ أُولاهما، أنّ أحد مؤسّسي هذه الحركة هو رجل الأعمال الإسرائيلي "مردخاي كاهانا" ، الذي نشط تاريخياً في جلب المستوطنين الإسرائيليين إلى فلسطين. أمّا اليوم، فقد بات مقتنعاً بأنه أخطأ في تحديد الهدف والوجهة، ولا بدّ من الرحيل عن "أرض الميعاد".
ختاماً في ملخص ما قلناه أن عملية  طوفان الأقصى هي ليست طوفان عسكري وسياسي وأمني واستخباراتي فقط بل هي طوفان اقتصادي وطوفان ديموغرافي وبُركان سيكون له تأثيرات في السنوات القادمة إن لم يكن هو بداية الإسفين المباشر لانهيار الكيان. يختم الدكتور الزين بأن المواطن الصهيوني هو لا يشعر بانتمائه الوطني والتاريخي فهو يفتقر للانتماء رغم حقده وحنقه وجبروته وتعنته  بينما المواطن الفلسطيني يشعر بالانتماء وبالتحديات وإن قارنا بشكل  مباشر بينهما، نجد البيئة الحاضنة ملتفة حول المقاومة رغم كل المآسي والاحضان ورغم المجازر وقتل الأطفال والنساء والعجائز وتدمير كل شي وقطع الكهرباء والماء والاتصالات، وما هي إلا أكبر دليل على أنه سيفشل الإسرائيلي في تهجير الفلسطينيين من أرضهم فهم ثابتون مقابل فرار وهروب وهجرة معاكسة في المجتمع الصهيوني المنهار.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي