في ذكرى انطلاقتها السادسة والعشرون
السرايا اللبنانية.. رديف وشريك المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني
الوفاق / الوكالات / الشهيد علي كمال عبد العال "جهاد" والشهيد حسين حسان عبد العال "بلال"، واللذان ارتقيا أثناء قيامهما بواجبهما الوطني، يعدان الشهيدان الأولان للسرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الصهيوني منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة".
والشهيدان أبناء بلدة حلتا العرقوب جنوب لبنان لم يكونا الأولين من شهدائها ولن يكونا الأخرين من السرايا بل هم سلسلة من شهداء قدمتهم السرايا منذ ولادتها إلى يومنا هذا، والتي تولدت فكرة تأسيسها لدى السيد حسن نصر الله(حفظه الله) لحظة تقبّله التبريكات باستشهاد نجله الشهيد هادي في أيلول / سبتمبر العام 1997. يومها، جاءه شبان من كل الطوائف، بعضهم من لبنان وبعضهم من دول عربية وإسلامية يطلبون الانخراط في صفوف المقاومة، فعرض سماحته فكرة السرايا، التي لطالما حلم بها وأمل بتحقيقها، أمام مجلس شورى حزب الله، فشدّد المجلس على وجوب إنضاج صيغة تؤمّن الانخراط في صفوف المقاومة من كل الطوائف ولكن من دون أن يسمح ذلك بأي خروقات أمنية في صفوف الحزب والمقاومة، وبعد اجتماعات عدة وطول بحث وتدقيق، ولدت صيغة "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي" التي كان للشهيد القائد عماد مغنيّة دوراً كبيراً في تأسيسها والتي أُعلن عنها رسمياً بعد مرور 40 يوماً على شهادة السيد هادي.
ترحيب شعبي للإنتساب للسرايا
لاقت الفكرة ترحيباً من الأحزاب اللبنانية وطلاب الجامعات، فما أن أنهى السيّد مؤتمره الصحافي الذي أطلق فيه السرايا، حتى بدأت أرقام الهواتف تستقبل عشرات المكالمات من جميع الطوائف والمناطق اللبنانية، وتبيّن بعد فترة أنّ حوالي نصف المنتسبين للسرايا كانوا من السُنّة وما بين خمسة عشر إلى عشرين بالمئة من مسيحيي المتن والجبل والبقاع والشمال فضلاً عن الجنوب، أما الثلاثون بالمئة المتبقية كانت من الدروز والشيعة.
بدأت المقاومة تدريب المتطوعين – الذين يقدّر عددهم اليوم بالآلاف - في معسكراتٍ خاصة في مختلف المناطق، لتشارك السرايا في عدد من العمليات العسكرية بتشكيلاتها الكاملة -وقد وصل عدد عمليّاتها الى 200 - واستهدفت خلالها مواقع الاحتلال في الجنوب ومنها الطيري وجزين.
وبعد مدّة زمنيّة قصيرة من الإعداد العسكري وإعداد الشخصيّة المقاومة، افتتحت السرايا إلى جانب شقيقتها المقاومة الإسلاميّة، عهدها في مقارعة الاحتلال وعملائه، فكانت رصاصتها الأولى في 14 آذار/ مارس عام 1998 وحينها استهدفت مواقع الاحتلال في بلدات برعشيت وحداثا، والسويداء بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ودمّرت بعض دشم المواقع وتحصيناتها ومرابضها الرشاشة.
وكرّت سبحة العمليات ضد مواقع الاحتلال، حيث نفذت السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي إلى تاريخ خروج الجيش الذي لا يقهر مدحوراً من لبنان عام 2000م حوالي ثلاثمائة واثنتين وثمانين عملية عسكرية ضد العدو وعملائه. ومع إنجاز تحرير معظم الجنوب اللبناني، ظنّ كثيرون أن الحزب قام بحلّ السرايا اللبنانية، لكن مجريات حرب تموز / يوليو 2006 أظهرت أنّ الصيغة لم تمت وأنّ كثيرين ممن شاركوا فيها كانوا بمثابة جيش احتياطي سرعان ما نزل إلى أرض المعركة. فقد شارك عناصر السرايا في رد العدوان الإسرائيلي وكانوا منتشرين في الخطوط الأمامية للجبهة في معظم المناطق اللبنانية، وهم من المخضرمين الذين التحقوا بالسرايا منذ تأسيسها وسبق أن خاضوا العديد من العمليات العسكرية وخضعوا لدورات تدريب وأثبتوا جدارتهم ومناقبهم في الميدان. وقد توزّع عناصر السرايا أثناء الحرب في جميع المناطق وفق مهمات كانت مقررة لهم مسبقاً، فمن كان في الجنوب منهم، التحق مع شباب المقاومة، في حين التحق البعض بتشكيلاتٍ خاصة في الضاحية الجنوبية، وقد تولى البعض الآخر مهاماً لوجيستية وأخرى اجتماعية، وكانوا مستعدين للمواجهة أينما وجدت الجبهة ضد العدو الإسرائيلي.
تعددت المهمات والهدف بناء المجتمع المقاوم
تُعد المهمّة الأولى لعملها مرتبطة بالمقاومة ودعمها والاستعداد لمواجهة أيّ عدوان إسرائيلي في المستقبل، في موازاة العمل المقاوم للسرايا دورٌ هام تقوم به وهو تطوير العلاقات مع مختلف الفعاليات المجتمعية لإبراز الدور الفعلي للسرايا الهادف إلى بناء المجتمع المقاومة بكافة أطيافه، لهذا الغرض يتم عقد العديد من اللقاءات الحوارية في مختلف المناطق اللبنانية وزيارة الفعّاليات الاجتماعية والمهنية والثقافية المستقلّة والتركيز على ضرورة التواصل والحوار ومواجهة العدوّ الصهيوني وحماية الاستقرار الداخلي والابتعاد عن الصراعات الداخلية.
السرايا شريكة المقاومة في المواجهة الشاملة
يرى النائب في كتلة المقاومة والتحرير علي فياض وفق دراسة أجراها بأنّ "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال تندرج كتجربة ونموذج في سياق تطوّر نوعي في مسار الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولئن شكلت ولادة السرايا اللبنانية استجابةً لدعوة سماحة السيد حسن نصر الله(حفظه الله) لتأسيسها إلا أنّ الدعوة في جوهرها كانت تعبيراً عن لحظة تاريخية لوعي لبناني مكثف، التقط الأمين العام نضج ظروفها ومعطياتها وتضافر مقومات نجاحها واكتمال شروط تشكلها وانطلاقها، وبهذا لم تكن " السرايا" بحال من الأحوال تكيُّفاً تكتيكياً مع ضرورات مرحلة، ولا استجابة عابرة لمناخات المطالبة بعدم الاستئثار، بل نقلة تطورية في مسار المقاومة بالاستناد إلى تطور في وعي وواقع الصراع مع العدو.
ويعتبر أن السرايا الرافعة لمشروع تشكيل مجتمع مقاوم، وبناء كتلة تاريخية تضم بين جنباتها تيارات وتنويعات سياسية وفكرية مختلفة تنضوي جميعها في إطار مواجهة تاريخية مع العدو، ويبدو ذلك ضرورة لا مناص منها، في إطار رسم إستراتيجية مستقبلية لمواجهة شاملة وجذرية مع العدو تتجاوز الحسابات الموضعية الحاكمة لهذه الساحة أو تلك من ساحات المواجهة".
ختاماً سيبقى ملفتاً في هذه التجربة، وهو أقوى مواطن تميّزها، أنها إطار توحيدي لمقاومين من روافد سياسية وطائفية ومناطقية مختلفة، وهي بذلك تعكس صورة الفسيفساء اللبنانية الراسخة، لكن وفق مفارقة مختلفة ومدهشة، تنأى بالتنوع اللبناني خارج مجاله التصارعي إلى مجال تكاملي وتوحيدي، تمدّه المقاومة بمادته ومعناه، وتخترق الانقسام اللبناني بمنطقها التوحيدي بدل أن يخترقها هذا الانقسام بخطابه وتجاذباته، وكذلك سيبقى ملفتاً في هذه التجربة ولدى مقاومي السرايا، ذلك الانتماء المحض للوطن وذلك العداء المطلق للمحتل الإسرائيلي من خلال انخراطهم الصامت لكن المؤثر جداً في فعاليات المقاومة، خارج سياق التحزّب وبعيداً عن تناحر السياسات والأفكار.