الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وستون - ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وستون - ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

هبة أبو ندى.. كلّ نصوصنا شهداء

يامن نوباني
كاتب فلسطيني

استشهدت هبة كمال أبو ندى، 32 عاماً، مساء الجمعة، 20 أكتوبر 2023، خلال قصف همجيّ قامت به طائرات الاستعمار الصهيوني على منازل المواطنين، في حيّ المنارة بمدينة خانيونس. هبة لاجئة من قرية بيت جرجا المهجّرة في عام 1948، والواقعة على بُعْد 15 كم شمال شرق مدينة غزّة.
يا هبة الشهيدة.. في اقتحامات مخيّم عقبة جبر في مدينة أريحا، في آذار/مارس الفائت، تقهرين رصاص العدا، وتعلنين دولة ستأتي بدماء الشهداء، دولة تأتي بالرصاص: "ثمّ حين نخرج أحياء من موت كلّ يوم، سنصنع كأس شاي، ونتحدّث عن عرس جارنا، ونهزّ صغيرنا حتّى ينام قليلاً، ونفكّر في الثأر كثيراً!"
وحين تعود المدرسة غداً، وينتظم الطلبة، سنأخذ كلماتك، بياناً وُقِّع بالدم، إلى "وزارة التربية والتعليم"، حين تقرّر إضراباً لمناسبة وطنيّة، سنتلو عليها ما كتبته في شباط الماضي: "أحضروا الأطفال إلى مدارسهم غداً، وألغوا درساً من كلّ مادّة، واستبدلوا به أغنية عن الشهداء، ودرس تعبير عن أمّ الشهيد، وجلسة حديث عن شعورهم تجاه ما حدث، واختموه بصلاة الغائب على أرواح مَنْ سقطوا، هذا أبلغ من كلّ الإضرابات وأصدق!"
أتخيّلك، وقت مرور جنازة شهيد أمام عينيك، أو على شاشة التلفاز، فتلوذين بصمت يعقبه انهمار الكتابة، فتزخرفين: "شيّعنا الشهداء من بيوتهم، من خلف الأدراج الّتي صعدوا عليها، ومن تحت السقف الّذي ناموا تحته، وبثيابهم الّتي ارتدوها ونسّقوها قبل أن يخرجوا ليمارسوا الحياة بمنطق الأبد، ورفاهية الدم. شيّعناهم من أحضان أمّهاتهم وأحبّتهم، ومن دمعة العين وشهقة القلب... شيّعناهم إلى أبديّة الله، وإلى حتميّة الثأر، وإلى ملحميّة الأسماء، وإلى خلود الذاكرة".
لطالما خطفتكِ جنين، بمقاومتها الباسلة، فرحت تتغنّين بها كما لو أنّك ابنة المدينة، كما لو أنّ لك هناك، في مخيّم جنين، بيتاً:
تصحو جنين بطلوع الشهداء فقط
بدلاً من صباح الخير، دائماً شهيد الخير. وأنتِ، يا هبة، صاحبة المسافة الدقيقة، بين شهدائنا، وقتلاهم، تعيدين على مسامعنا ما يشبه أمل دنقل في "لا تصالح": "والله لا خمسة ولا خمسون منهم بظفرٍ واحد من الشهداء، ولكنّ الثأر حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمَنْ يشاء!".
وأنتِ المبصرة على البلاد، كيف يكون التحرّر والإشتباك، وكيف يكون الشهداء:
"قل لمَنْ أعلنوا الاستقلال على الورق، يُعْلَن الاستقلال بالطلَق، بالطعن، بالدعس!
كلّ شيء إلّا الورق!
أن تكون أُمّيّاً يعني ألّا تجيد قراءة الشهداء وهو بهذا الوضوح.
اقرأنا؛ فكلّ نصوصنا شهداء!
وتلوتِ علينا الوثيقة الوصيّة: "البيان الختاميّ للشعب: خير الرصاص ما قتل وذلّ!".
الآن، بعد استشهادك، فهمنا معنى قولك في اليوم الرابع للحرب، العاشر من تشرين الأوّل الجاري: "المدينة كلّها تستشهد". قبل خمسة أشهر، في الثالث من أيّار الفائت، قلتها، ونقولها الآن لروحك، لكِ الحرّيّة والشهادة والبلاد والبرتقال والبحر والنجاة، ولكِ قبر صغير يقاتل في تراب البلاد ولا ينحني، لا يهاجر ولا يعترف، لك قبر يقول لنا:
طلع الصباح بعد ليل القصف، نحن بخير كلّ مرّة كأنّها أوّل مرّة.
سندفن الشهداء، ونغنّي للحرّيّة، ونحلم بالعودة ككلّ مرّة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي