الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وستون - ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وستون - ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

«من سجن عكا» إلى «طلت الكتايب»...

كيف تطورت الأغنية الثورية الفلسطينية؟ (2)

يبدو أن قدر الأغاني الناقلة للقضايا الكبرى، الميل إلى الرومانسية أكثر من ميلها للحماس. فالحماس مؤقت الأثر، يلزم في الأحداث العاجلة والمعارك. أما نقل القضايا الكبيرة، فيحتاج إلى حامل أكثر هدوءاً، وحفراً في اللاشعور الجمعي كأغنية "من سجن عكا". فهي استندت إلى نمط الدلعونا الشائع، ولكن بسرعة بطيئة لدواعي التعبير عن عاطفة الحزن، وظهر فيها مقام البيات كماردٍ للفرح أسره حزن الكلمات.
تمددت القضية الفلسطينية إلى ضمائر الشعب العربي وفنانيه ونخبه، فصارت جوهرة الفن والشعر المقاوم. وقد أنتج ذلك الكثير من الأغاني العظيمة، كالتي قدمها الأخوين رحباني (جسر العودة، وزهرة المدائن وغيرها)، ومن مصر قدمت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ الكثير من الأغاني، كأغنية "أصبح عندي الآن بندقية".
غير أن معظم هذه الأغاني يمكن تصنيفها بالرومانسية الوطنية، أكثر من كونها أغاني إلهاب المشاعر والحماس، على الرغم من أن هناك بعض الأغاني التي تصلح لذلك، كأغنية فيروز "أجراس العودة". والسبب في ذلك أن الأغنية الفلسطينية المقاومة نشأت في ساحة حرب لم تهدأ أبداً منذ بدء الإحتلال. وهذا جعلها أكثر ميلاً إلى الميدان من الأغاني التي قدمها الفنانون غير الفسطينيون. لكن هذه الأغنية طورت نفسها مع تطور أساليب المقاومة العسكرية ذاتها، فتضمنت جرعة أكبر من الحماسة والتحشيد لصالح المقاومة، إضافة إلى جرعة موازية من تخويف العدو، لتصبح بمثابة حرب نفسية في ذات الوقت، وتكاملت مع سلاح المقاومة بشكل لا يمكن فصلهما عن بعض.
ففي أغنية "طلت الكتايب" للمنشد رمزي العك، نجد تطويراً في الشكل والمضمون. إذ مع الاحتفاظ بالإيقاع السريع والقوي (إيقاع أيوب) والمقام العربي الشعبي الأصيل (بيات)، نلاحظ توزيعاً موسيقياً جميلاً وناجحاً جداً يعطي إحساساً بالرهبة تقدمه الوتريات الخشنة خلف المزمار البلدي. كما نجد تنويعاً في الأداء الغنائي كالغناء بصوت مركب بين الكورال والمغني بما يشبه البوليفون، مما يجعل الأغنية وكأنها معركة حية تسير إلى النصر، وهو ما تؤكده الكلمات التي تقول:
طلت الكتايب طلت من جنين
طلت من عيبال وطلت من جرزيم
طلت بالبارودة طلة الأسود
لا ما خانوا العهود طلوا طلة فاتحين
وقد تميزت الأغاني الحماسية والأناشيد الميدانية بأنها اختزلت الأفكار بشكل كبير مع الاحتفاظ برموزها، فاستبدلت البكائيات والتفجع والأنين لصالح الحماسة وتخويف العدو، وتحولت الكلمات إلى مزيد من الهجومية مثل "طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع". واتصفت هذه الأغنية أيضاً بالإقلال من شأن العدو كما في أنشودة "زلزل أمن إسرائيل" التي أداها فريق الوعد للفن الإسلامي، حيث يقول في معرض الأنشودة:  "إنهم في القلب شتى ويخافون الممات، خلف جدرانٍ تواروا، جبنهم يهوى الحياة".
وصار الميل أوضح نحو مديح السلاح (الصاروخ - الكلاشينكوف). كما اختصرت المساحات التي يحتلها وصف جرائم العدو لصالح ما وصف فعل المقاومون، كما في أنشودة "يا قدس إنا قادمون" لنفس الفريق، وصار العدو في الأغنية يظهر بعبارات شديدة الإختزال مثل: عدو، محتل، صهيوني،اسرائيلي، قاتل. إلخ. ولعل الأغنية الشعبية الفلسطينية  وقوالبها وأنماطها مثل زريف الطول، والدلعونا والعتابا والميجانا، استحوذت على جزء كبير جداً من الأغاني المقاومة التي ما تزال تتردد إلى يومنا هذا، وستبقى تتردد كذكريات وتراث جميل في المستقبل، بعد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

 

البحث
الأرشيف التاريخي