إزدواجية المعايير الغربية والصهيونية..
إنتفاضة الفنانين والمراسلين.. فلسطين البوصلة
طوفان الأقصى اجتاح المنطقة بل العالم برمّـته، فانتصار المقاومة الإسلامية في خرق أمن الكيان الصهيوني وأسر جنوده، وبعد ذلك الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني من الإبادة الجماعية وقصف الشعب الفلسطيني المظلوم واستشهاد الأطفال الأبرياء، وغيرها من الجرائم التي يواصل ارتكابها، أدت إلى انتفاضة الفنانين والمراسلين إضافة إلى عدد كبير من أحرار العالم، أما الذي نشهده اليوم، فهي مواقف انسانية جميلة من قبل الفنانين والمراسلين الذين يدعمون المقاومة وطوفان الأقصى بفعل أعمالهم رغم التهديد الذي يتعرضون له وسحب الجوائز من الأدباء وغيرها.
لطفي بوشناق يتخلى عن لقبه الأممي
ولقد تداولت منصات التواصل الإجتماعي أخيراً أنه احتجاجاً على "الصمت الرهيب" حول غزة، الفنان التونسي لطفي بوشناق يتخلى عن لقبه الأممي كسفير للنوايا الحسنة ويقول: "بسبب العدوان على غزة لا يشرفني أن أكون سفيراً"، معتبراً أن ورقة التوت سقطت أمام العدو والغرب الذي يدّعي الديمقراطية.
إن الإنسان لا يقاس بعمره ولا بعدد أيام حياته، بل بومضات عزمه، وهنيهات بصماته، وكنه إنجازاته... هو لطفي بوشناق الفنان العربي التونسي المخضرم..
ويتابع بوشناق: نكون أو لا نكون فلنقاتل جميعاً على شتى الجبهات، عسكرياً، ميدانياً، سياسياً، ثقافياً، فنياً، تربوياً وتوعوياً.. و"تبقى فلسطين بالعالي وأغلى من أي غالي" يقول بوشناق في أغنيته "سهول فلسطين" (2019)، وهذا ما ترجمه الفنان بالفعل، لا قولاً عبر الغناء والمواقف الإنسانية القومية العروبية فحسب.... فماذا فعل؟
فقد استقبل العرب من المحيط إلى الخليج الفارسي قرار بوشناق بالتخلي عن لقب سفير النوايا الحسنة لدى منظمة الأمم المتحدة، بالترحاب والحبور، احتجاجاً على الصمت الرهيب لهذه المنظمة أمام ما يحدث بحق المدنيين الأبرياء الفلسطينيين. وبلغاتٍ ثلاث: العربية والفرنسية والإنكليزية، أعلن الفنان بوشناق تخليه عن لقب سفير النوايا الحسنة لدى منظمة الأمم المتحدة، احتجاجاً على الصمت الرهيب لهذه المنظمة أمام ما يحدث بحق المدنيين الأبرياء الفلسطينيين". وكان قرار بوشناق يذكّر بما فعله الفنان العربي السوري دريد لحام عندما تخلى عن لقبه كسفير "يونيسف" للنوايا الحسنة، بعد اعتراض المنظمة الأممية على زيارته عام 2005 وعائلته إلى الجنوب اللبناني المحرر (عام 2000)، ورميهم الحجارة على مواقع الاحتلال.
وتعلو نبرة صوته.... "الحياة موقف والإنسان موقف وإذا لم يكن لديك موقف فلا وجود لك، نعم لقد سقطت ورقة التوت، وهذه محرقة هولوكوست عام 2023، فما يجري كشَف حقيقة الأشياء وأزال الأقنعة، نعم لا يشرفني أن أكون سفيراً، وما يعنيني موقفي أمام الله والتاريخ".
دلال أبو آمنة حرّة
من جهة أخرى نرى أن الصهاينة تحرم أغنية دلال أبو آمنة، ويقومون بسجنها وبعد قضاء ليلتين في السجن الانفرادي، أفرج الصهاينة عنها. فهل يمكن لأعتى آلة حرب وحشية عرفها التاريخ والمتمثلة بالكيان الصهيوني أن تخيفه جملة "لا غالب إلا الله" التي كتبتها المغنية الفلسطينية دلال أبو آمنة، قبل أيام مع صورة علم فلسطين، فجعلته يعتقلها لثلاثة أيّام في السجن الانفرادي؟! الجواب: نعم بكل تأكيد.
من يقتل وينكّل وينفّذ مجازر إبادة جماعية، ويكثّف قصفه على المستشفيات المحاصرة، ويستهدف الصحافيين ومسعفي المنظمات الإنسانية بذريعة "وطن قومي لليهود"، سيخشى حتماً هذه الكلمة ومغنيّة اختارت الموسيقى درباً صوفية لتؤرشف فيها للذاكرة الفلسطينية المغتصبة، وتوثّق تراث أغنيات بلادها الشامية.
لعلّ خطاها تلك كانت كفيلة بوضعها تحت المرصد الصهيوني. عند أوّل "عثرة" من وجهة نظر الجلّاد، اعتقلها لكنها خرجت سريعاً كما وعدت محاميتها، وكتبت على صفحتها الرسمية على الفيسبوك: "بعد قضاء ليلتين في السجن الانفرادي ظلماً وبهتاناً... أنا حرّة. كما كنت وسأبقى دوماً وأبداً... وجسدي الذي هَزُل بسبب إضرابي عن الطعام طوال الأيام الثلاثة، أصبح الآن أقوى، وإيماني بالله أعمق، وقناعتي برسالتي وتكليفي زاد أضعافاً". ثم استطردت عن ظروف حبسها بالقول: «حاولوا تجريدي من إنسانيتي، وإسكات صوتي، وإذلالي بكل الطرق. شتموني وكبّلوا يديّ وساقيّ، لكنهم بهذا جعلوني أكثر شموخاً وعزة... سيبقى صوتي رسولاً للحب مدافعاً عن الحق في هذه الدنيا. شكراً لكل من دعمني من كل أنحاء العالم، إن بكلمة أو بدعوة أو بموقف".
عدنية شبلي تدعم فلسطين
من جهة أخرى شهدنا سحب الجائزة من الروائية الفلسطينية "عدنية شبلي" لروايتها "تفصيل ثانوي"، فليست الرواية الصادرة عن "دار الآداب" عام 2017 تفصيلاً ثانوياً في الصراع بين أحرار العالم والعدو الغاصب وكل شذّاذ الآفاق الداعمين له والمروّجين لأكاذيبه بأنه قدم إلى فلسطين، لينشر في ربوعها السلام والمدنية والديموقراطية: إنها رواية الفتاة القاصر التي اغتصبها فصيل كامل من الجند، وانتزعتها شبلي من بطن الأرشيف الإسرائيلي بعد محاولات طمسها وإصدار الأحكام المخففة على مرتكبيها، هي صوت الضحية الذي أثار حفيظة الجهة المنظّمة لـ "معرض فرانكفورت الدولي للكتاب" التي حاولت التعتيم عليها عبر إلغاء فعالية التكريم للعمل الفائز بجائزة "ليبراتور".
بسّام بنوني يستقيل دعماً لفلسطين
كما أنه منذ بداية "طوفان الأقصى"، سقطت ورقة التوت عن الإعلام الغربي الذي كشف عن وجهه العنصري بحقّ العرب، وانحاز إلى الاستعماري الأبيض المتمثّل في الكيان الصهيوني.
أسهم هذا الإعلام في التمهيد للإبادة بحق الفلسطينيين عبر نشر التقارير الكاذبة، ملطّخاً يديه، كما نتنياهو وبايدن، بدمائنا. الإعلامي التونسي بسام بونني لم يتحمّل أن يبقى في مؤسسة تنشر تقارير كاذبة عن "حماس"، وتحقق مع إعلامييها العرب المناصرين للفلسطينيين، فأعلن استقالته إلى جانب صحافيتين تونسيتين في "كنال +". وقد مثّلت استقالة ثلاثة صحافيين تونسيين من مؤسسات إعلامية بريطانية وفرنسية، بمثابة الحدث الذي هزّ السوشيال ميديا. وهم بسام بونني من قناة بي بي سي، والصحافيتين الشابتين أماني الوسلاتي وأشواق الحناشي من شبكة "كنال +" الفرنسية. وقد كتب بسام بونني تدوينة قصيرة صباح الأربعاء على صفحاته الافتراضية معلناً فيها استقالته: "تقدمت صباح اليوم باستقالتي من "هيئة الإذاعة البريطانية" لما يحتّمه عليّ الضمير المهني".
الحاج علي شعيب وطوفان الأقصى
كذلك بعد انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة حول الأحداث التي تشهدها مناطق وقرى الجنوب اللبناني منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، تحوّلت صفحة مراسل قناة «المنار» في جنوب لبنان علي شعيب على منصة X، إلى مصدر للأخبار الموثوقة. وبات "الحاج علي شعيب" كما يطلق عليه، مصدراً لثقة الإعلاميين العرب والأجانب، واصفين إياه بأنه "صاحب الخبر الصحيح". في هذا الإطار، يقول شعيب: "إنّ المعركة اليوم تشبه بعض تفاصيل حرب تموز 2006 التي شنّها العدو ضد لبنان"، ولا يُخفي شعيب أنه بات مصدر قلق للعدو الصهيوني، قائلاً: أتخذت بعض التدابير الاحترازية بسبب نظرة العدو الإسرائيلي إليّ كصحافي مقاوم، الصحافة الإسرائيلية تذكرني بالاسم، وتتوعّد باستهدافي دائماً وتوجّه لي التهديد مباشرة، ويخاطبني جنود العدو باسمي، بينما أنا لا أردّ عليهم. يقولون لي "جاي دورك"، فلا أعيرهم أهمية.
انتفاضة الفنانين والمراسلين
ذكرنا فقط بعض من النماذج التي نشهدها هذه الأيام عند الفنانيين والمراسلين وهي كثيرة جداً، فمن المراسلين سجّلوا المشاهد بدمائهم واستشهدوا، ولكن الشيء الذي يجلب الإنتباه هو أنه مرة أخرى نرى إزدواجية المعايير من قبل الدول الأوروبية التي تدعي حقوق الإنسان، فكيف تسحب الجوائز وتقوم بقلب الحقائق وتتخذ الصمت أمام جرائم الصهاينة؟