بمناسبة ذكرى استشهاده السادسة والأربعين
العلامّة السيد مصطفى الخميني (رض).. دور فعال في مسيرة النهضة الإسلامية
الوفاق/ وكالات
حياة الشخصيات الكبرى صفحات ذهبية وبارزة في التاريخ تشد إليها أنظار الأجيال المبصرة للحقيقة، والضمائر الحية والنقية لأبناء الإنسانية.
كان الشهيد آية الله سيد مصطفى الخميني(رض) أحد الشخصيات التي يهتدي بها أنصار الإمام (قدّس) والسائرون على خطّه إلى حين انتصار الثورة الإسلامية في إيران . كان هذا الرجل، الذي قال فيه إمام العارفين: " أنه كان أملاً لمستقبل الإسلام، فقيهاً متعمقاً ذا أساس راسخ، وفي علم الأصول عميق الغور ومتضلع ومبدع، إضافة إلى كونه فيلسوفاً ناقداً وعميق الفهم ومفسراً. وقد استطاع بفكره الواسع استيعاب القرآن وتفسيره بأفقٍ جديد.
ومع أن سماحة الإمام (قدس) كان يعتمد طوال حياته السياسية وجهاده على الله، ويتوكل عليه فحسب، ويستمد العون منه وحده، ويواصل خطواته بوحي من ثقته بإيمانه، إلا أن الدور الفعال والمؤثر لولده السيد مصطفى - إلى جواره - طوال مراحل النهضة الإسلامية، لم يكن خافياً على أحد. ونظراً للدور الذي كان يضطلع به آية الله السيد مصطفى الخميني(رض) في تنظيم طاقات الثورة، وجمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال نداءات قائد الثورة السرية الى الآيات العظام والعلماء وزعماء الفصائل السياسية، وإيجاد قنوات الإتصال والتواصل مع العناصر الثورية، ألقت عناصر نظام الشاه القبض عليه وأُودع السجن، ثم تم نفيه بعد إطلاق سراحه، كوالده الى تركيا، ومن ثم الى العراق. ولا شك أن الذي مهد الطريق لاستشهاده عام 1978 لم يكن غير دوره الفاعل في النهضة الإسلامية ومواصلتها.
كان يردد: "سنقدّم المزيد من الشهداء على طريق الحرية، وأن ثمرة النصر لا تأتي إلاّ بالصمود" وكان يأمل حينها أن يكون هو أحد هؤلاء الشهداء، ولكن لعله لم يكن يحسب أن سيغدو بمثل هذه السرعة حاملاً راية شهداء فصل انتصار الثورة. ومع كل هذا لم تنل شخصيته السياسية والعلمية نصيبها المطلوب من التحليل والدراسة لذا تُشكل دراسة وقراءة مواقفه من الحركة الإسلامية أهمية كبرى.
صلة الوصل بين الإمام (قدس) والحركات الإسلامية
كان لآية الله السيد مصطفى الخميني (رض) مكانة خاصة في النهضة الإسلامية، وكان على علاقة بمراكز النضال في إيران وأماكن أخرى، والتي كانت ترتبط بالإمام الخميني (قدس) عبره، فكانت جميع التيارات، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، ممن اعتبروا أنفسهم مع الإمام(قدس) في الصراع ضد الشاه، شكل لهم السيد مصطفى حلقة الوصل بينهم وبين الإمام (قدس).
ضمن هذا السياق ورد في تقارير للسافاك على أن السيد مصطفى هو المسؤول الرئيسي عن تنفيذ أعمال الإمام(قدس)، وأنه كذلك يتولى مسؤولية الاتصال بالحركات المختلفة المتواجدة خارج العراق وذلك في فترة نفي وجود الإمام في العراق بعد نفيه.
يُعد آية الله السيد مصطفى الخميني (رض)، من أنصار الحركة الإسلامية منذ بدايتها ، واصل النضال ضد نظام الشاه بعد نفي والده. خلال هذه الفترة، عمل بجد لقيادة الحركة، ويصف مصدر من السافاك موقفهم من نضالات الإمام الخميني(قدس) السياسية وفق أحد التقارير بأن: الإمام الخميني (قدس)، الذي شكل أنصاره العديد من المنظمات الحزبية التي تتفرع إلى عدة أقسام بما في ذلك قسم المعلومات والدعاية و التمويل، وجميع الأنشطة الخاصة والخطط الأساسية. بلا استثناء، يقع عمل هذه المنظمات ومتفرعاتها تحت إشراف الإمام الخميني (قدس) نفسه، و يتم إعداد الخطط و تنفيذها على يده، و بهذه الطريقة كان ابنه الأكبر السيد مصطفى وحده هو المسؤول عن القيام بهذه الأعمال.
على الرغم من أن بيت الإمام الخميني (قدس)، كونه بيت مرجع التقليد، لم يكن من الممكن أبداً تنظيمه كحزب، لكن النظام والتقليد كانا متجمعين في بيت الإمام، لدرجة أن مراسل السافاك يقول في تقرير آخر: السيد مصطفى الخميني يرأس الفرع التنفيذي لتنظيم الإمام الخميني(قدس). كما أنه مسؤول عن الاتصالات خارج العراق و يشرف على الأنشطة الخارجية عبر الرحلات التي يقوم بها.
السيد مصطفى الخميني(رض) ودعم المجاهدين في لبنان
كان لبنان يُعد من بين المراكز التي ينشط بها المجاهدون الإيرانيون. يقول هاشمي رفسنجاني بهذا الصدد: "الثورة كانت محاصرة وتخضع لضغط شديد، ولكن دعم المقاتلين كان مهمة جدية. ولكن كانت هناك ظروف لم يحصل فيها لبنان على الدعم الكافي، ربما بسبب مشاكل خاصة بهم. في رأينا ، كان مفتاح حل المشكلة هو التوصل إلى تفاهم مع السيد موسى الصدر. كان الحل في مدينة النجف الأشرف، وبعد التداول مع السيد مصطفى بأوضاع لبنان وتعقيداته، قررت التوجه إلى لبنان وعقد اتفاق (وإن كان سطحياً) بين قواتنا في النضال والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، ومن ثم سافر آية الله السيد مصطفى إلى بيروت عام 1956 لتعزيز الوحدة ورحب به السيد موسى الصدر(أعاده الله) ترحيباً حاراً.
اية الله السيد مصطفى الخميني (رض) ملتقى كل الحركات الإسلامية
تشرف آية الله السيد مصطفى بزيارة الحج مرتين، وبما أن السافاك اعتبره شخصاً خطيراً على النظام، فبمجرد علمهم بقراره أداء فريضة الحج، طلب من عناصره الموجودين في المملكة العربية السعودية بمراقبة تصرفات و سلوك السيد مصطفى و رفاقه بشكل مناسب بالنظر إلى أنه من الممكن القيام بأنشطة في هذا البلد ضد المصالح الملكية.
في مكة ، أجرى آية الله سيد مصطفى المفاوضات اللازمة مع رجال الدين المناضلين، وأفادت مصادر السافاك على الفور أن بعض الإيرانيين الذين يدعمون الإمام الخميني(قدس) حاولوا اغتنام الفرصة للقائه أثناء الحج. وكان من بين علماء الدين الذين اتصلوا به هو "مجد الدين محلاتي آقا زادة" و آية الله الشيخ "بهاء الدين محلاتي" و آية الله "مشكيني" وحجة الإسلام الشيخ "علي أصغر مرواريد"، الذين اعتقلتهم السافاك فور وصولهم.
آية الله السيد مصطفى صلة الوصل بين الإمام (قدس) والحركات الإسلامية
من خارج العراق ، من لندن أو باريس أو غيرها من الأماكن التي جاء فيها المعارضون أو المؤيدون للقاء الإمام (قدس) والتحدث معه. عادةً ما كانوا يتحدثون فقط مع السيد مصطفى، فقد كان مسؤولاً عن الشؤون السياسية. وكلما أضعفت الخلافات معنويات المناضلين كانوا يجتمعون حوله و يدعوهم إلى الوحدة قائلاً: هدفكم واحد .. كلنا اخترنا هذا الطريق و لكن هناك خلاف في التفاصيل وهذا لا يضر بجوهر الهدف، يجب علينا حل الخلافات فيما بيننا حتى لا تؤدي التفاصيل إلى اختلافات جوهرية".
كان قطب زاده أحد هؤلاء المناضلين بالخارج والذي جمعه اتصال بالسيد مصطفى، لكن عندما أدرك السيد مصطفى أنه لا يولي أهمية للصلاة، قطع العلاقات معه. يذكر السيد محتشمي سبباً آخر لقطع العلاقات: الإنفاق غير المعقول من الخزينة و الممتلكات التي أرسلها الناس للخارج من أجل النضال، كان يتصرف السيد قطب زاده بالأموال وفق ما يشاء، كان يسافر إلى بلدان عديدة وينزل في أفضل الفنادق في بغداد و بيروت وسوريا و أوروبا.
وكذلك كان السيد موسى أصفهاني، حفيد آية الله الحاج سيد أبو الحسن أصفهاني، أحد الأشخاص الذين قاتلوا ظاهرياً ضد نظام الشاه. لذلك ساعده الحاج مصطفى، ولكن بمجرد أن تبين له وجود غايات أخرى له غير النضال في وجه الظلم، وكان يستغل موقعه، فقد رفضه السيد وأوقف التعامل معه. كذلك فعل رئيس السافاك "تيمور بختيار" الذي فر من إيران وأقام قاعدة عسكرية في العراق للإطاحة بالنظام الإيراني. حاول الاتصال بالسيد مصطفى والاستفادة من النفوذ الشعبي للإمام(قدس) لكنه رفضه ولم يقبل به. أمّا بالنسبة للمناضلين المنحرفين، فقد كان يعتقد أنهم فاسدون وليسوا مسلمين، فهؤلاء أنفسهم أسوأ للإسلام من الكفار، لأنهم باسم الإسلام يريدون تدمير الإسلام. كما أنه عامل علماء الدين المزيفين بقسوة.
الطلاب أساس الحركات الثورية
فيما يتعلق بمساعدة الطلاب، كان يعتقد أن الطلاب الثوريين لهم الأولوية. وكان يقول في هذا الأمر إن المعيار الذي يجب أن يحكم علاقتنا بهؤلاء الطلبة هو تحقيق الهدف الذي نصبوا اليه جميعنا وهو النضال للتحرر من الظلم .
وكان يرى أنه يجب تغيير المرجعية من شخص إلى مجلس وتشكيل مجلس للفتوى لحل القضايا الدينية. أمّا بالنسبة للقيادة ، فكان يعتقد أن القيادة السياسية يجب أن تكون مسؤولية شخص صارم في قراراته المتخذة بعدالتشاور، مثل قائد عسكري، يصدر الأوامر و يطيعه الجميع. كان يعتقد أنه من أجل تحقيق الهدف، كان من الممكن بناء شبكة وطنية عبر تأسيس الأحزاب ، وتشكيل المكتبات والجمعيات، الكبيرة والصغيرة ، والتجمعات الكبيرة والصغيرة. كان يعتقد أن الطريقة الوحيدة لتحقيق الهدف هي إقامة حكومة عادلة، وأن تشكيل مثل هذه الحكومة قريباً جداً. ولكن لتحقيق مثل هذه الحكومة لم و لن تصل أمة إلى مستقبل جديد بالركود والسرور والأنانية، ولا ينبغي توقع ذلك. لذلك، في خطواته الأولى لتحقيق الثورة ، بتوجيه منه ، تم تشكيل جمعية علماء الدين المناضلين في الخارج.
الاستفادة من كل الطرق لإسقاط نظام الشاه
بالرغم من إبعاد الشهيد مع والده الإمام(قدس) عن إيران إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة التحرك في سبيل إسقاط نظام الشاه الخائن بشتى الطرق، فكان على سبيل المثال يلتقي بالشباب وخصوصاً الجامعيين منهم ويراسلهم ويرشدهم إلى التكاليف الملقاة على عواتقهم، كان يؤمن إيماناً كاملاً بالحركة المسلحة والتدرب على السلاح، فقد تعلم بنفسه شيئاً عن الأسلحة وحث بقية الطلبة وخصوصاً أصدقاءه المبعدين من إيران على السفر إلى المعسكرات اللبنانية والفلسطينية وتعلم الفنون العسكرية، وقد هيأ لهم الإمكانيات لذلك قدر المستطاع. لكنه كان يؤمن بأن تكون الحركة المسلحة تحت إشراف «ولاية الفقيه» وفقاً للأصول والموازين الإسلامية. ولم تقتصر علاقات الشهيد وارتباطاته على المناهضين للحكومة الإيرانية آنذاك، فقد كانت له علاقات وثيقة بمعارضي نظام البعث في العراق أيضاً، وعلى هذا الأساس أقدمت السلطات العراقية على اعتقاله.
ختاماً كان الموقف السياسي لآية الله السيد مصطفى الخميني واضحاً لنظام الشاه، فبعد إلقاء القبض على الإمام الخميني(قدس) للمرة الثانية ، كان هو أول من اعتقل، ثم نُفي إلى المنفى إلى الأبد وطيلة فترة النفي أطلقوا جميع التهم والشائعات حوله، و أخيراً لم يتمكن النظام من الوقوف بوجه شعبية السيد مصطفى بتلك الحيل، فأثار خبر رحيله شهيداً على يد النظام البهلوي في العام 1977 م شرارة في قلوب المؤمنين إذ اندلعت ثورة في كافة أنحاء إيران، فأمحت وأزالت نظام امتد عمره 2500 عاماً.
وقد مثّلت شهادة آية الله السيد مصطفى الخميني (رض) ومراسم العزاء التي أقيمت في إيران، نقطة الانطلاق لانتفاضة الحوزات العلمية ثانية، ثورة المجتمع الإيراني المؤمن. وممّا يثير الحيرة والدهشة أنّ الإمام الخميني ( قدس) وصف هذا الحادث المؤلم بأنّه من الألطاف الإلهيّة الخفيّة.