الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسون - ١٢ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسون - ١٢ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

طوفان الأقصى.. كيف انهارت العقيدة العسكرية الإسرائيلية؟

شرحبيل الغريب
كاتب ومحلل سياسي
فجر السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يكن يوماً عادياً في قاموس المقاومة الفلسطينية، ‏لحظة إعلان قائد هيئة أركان المقاومة الفلسطينية محمد الضيف انطلاق معركة طوفان الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي نصرةً للأسرى وحماية للمسجد الأقصى، والتي شكّلت مفاجأة من العيار الثقيل وأحدثت زلزالاً في "إسرائيل" وصفعة مؤلمة على وجهها أدخلتها في صدمة وحيرة وإرباك شديدين، كما سجّلت فيه إخفاقاً وفشلاً استخباراتياً ‏وعسكرياً غير مسبوق.
منذ اللحظة التي بدأت فيها المقاومة الفلسطينية فعلياً معركة متكاملة الأركان استخباراتياً وجاهزيةً وجرأة ومباغتة وإدارة ذكية، وحقّقت فيها أهدافها بضربة واحدة حين أقدمت على أسر عدد كبير من الضباط والجنود من جيش الاحتلال والمستوطنين، وقتل المئات، اتضحت معادلة الانتصار والهزيمة، سطّرت المقاومة بطوفان الأقصى تاريخاً جديداً غير مسبوق وفصلاً من فصول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما صنعت معادلات استراتيجية في المنطقة.
لعلّ الضربة المباغتة الأولى أحدثت انهياراً كاملاً في منظومة جيش الاحتلال في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، لكنّ استمرار المعركة بتكتيكاتها ووسائلها الأخرى ونتائجها الكبيرة على الأرض، شكّل انهياراً شاملاً لأسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وجعلت من تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر حدثاً تاريخياً مفصلياً ستتضح معالمه وأبعاده أكثر حين يهدأ غبار معركة طوفان الأقصى، وتنظر "إسرائيل" إلى نفسها جيداً، وتجد أنها فقدت كلّ مواطن قوتها العسكرية بطريقة غير معهودة.
ماذا يعني أن تبادر كتائب القسّام بضربة مباغتة لـ "إسرائيل"؟
التفسير الدقيق لما جرى، مختلف تماماً عن جولات المواجهة العسكرية، وأن تمتلك المقاومة زمام المبادرة بالمواجهة، فهذا يعدّ سابقة في تاريخ المقاومة التي كانت تتعرّض دائماً لحرب المباغتة والمفاجأة، وهذا معناه أن "إسرائيل" فقدت عملياً قرار احتكار بدء قرار الحرب، كما فقدت عنصر المفاجأة والمباغتة التي كانت تتباهى به في السنوات الماضية، وتحديداً في حرب عام 2008 على قطاع غزة. كما أنها فقدت القدرة على إدارة المواجهة والتحكّم والسيطرة بمجرياتها، بعد قدرة المقاومة على تحييد منظومات القبة الحديدية وسلاح طيران الاستطلاع لحظة مباغتة المستوطنات، في وقت تأكّلت فيه مقوّمات الوجود ازداد فيه تأكّل الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تعيش انقساماً سياسياً ومجتمعياً باتت أيضاً ضعيفة مزعزعة بشكل غير مسبوق.
لطالما اعترف قادة الاحتلال الإسرائيلي المؤسّسون أن "إسرائيل" تعيش أزمة كيانية أي أزمة وجود، وهم يقصدون بذلك أن مشكلتها الأساسية هي قدرتها على الحفاظ على كيانها من الانهيار أو الاندثار، وقد وصلوا إلى نتيجة مفادها أن "إسرائيل" ستنتهي عند أول هزيمة حقيقية لها، وهو ما يجعل الأمن أهم ركن من أركان بقائها واهتماماتها وغير خاضع أو قابل لأيّ قصور كان في أي مرحلة كانت.
جاءت معركة طوفان الأقصى لتكشف ظهر "إسرائيل" وتضرب أسس الأمن فيها، بعد الهزيمة الاستخباراتية المدوّية التي تلقّتها، ولعلها الهزيمة الأكبر في تاريخها، رغم أنها تدّعي امتلاك واحدة من أفضل المنظومات الاستخباراتية على مستوى العالم، وبالتالي فإن ما قامت به حماس في هذه العملية هو معجزة استخباراتية لا تستطيع تحقيقها دول كبرى تملك أجهزة استخباراتية وتكنولوجية متطورة.
سهولة اقتحام المستوطنات وأسر وقتل عدد كبير من الضباط والجنود والمستوطنين والإهانة الواضحة خلال عمليات الأسر، وإطلاق أصوات الاستغاثة وسط تجاهل وارتباك وتخبّط الحكومة ومؤسسة الجيش، معناه في العقيدة العسكرية الإسرائيلية العجز الرسمي في توفير الأمن، وفقدان الأمن الشخصي لآلاف المستوطنين في 14 مستوطنة محاذية لقطاع غزة، وهذا ما سيشكّل قناعة أمنية لدى حكومة نتنياهو أن هذه المستوطنات أصبحت عبئاً على الأمن الإسرائيلي وحمايتها باتت مكلفة جداً.
اعتراف "إسرائيل" الواضح رغم امتلاكها ترسانة عسكرية كبيرة، أن حركة حماس أصبحت مثل حزب الله تماماً في لبنان تشكّل تهديداً وجودياً لـ "إسرائيل"، هذا يعد إقراراً بواقع جديد عنوانه أن صورة وهيبة "إسرائيل" تهشّمت في معركة طوفان الأقصى تهشيماً إضافياً كبيراً، ليس أمام مجتمعها الإسرائيلي فحسب بل وتجاه وزنها في المنطقة والإقليم ككلّ.  
معركة طوفان الأقصى والانتصار الذي حقّقته، أفقدت "إسرائيل" قدرة الانتصار على الشعب الفلسطيني، وهذه أقوى رسالة توجّهها المقاومة الفلسطينية لكلّ الدول التي راهنت وتراهن على التطبيع أنها تعيش في وهم، وأنّ "إسرائيل" لم تعد قادرة على حماية نفسها، وأنها تواجه مقاومة من نوع آخر لا تفرّط ولا تساوم على حقوق شعبها، وأن الذي يصرّ على نهج التطبيع ينطبق عليه المثل الشائع: "المتغطّي بإسرائيل عريان".
فشلت "إسرائيل" ومنظومة استخباراتها فشلاً ذريعاً، وسقطت كلّ أسس العقيدة العسكرية فيها، لحظة أن انطلت عليها سلسلة التمويه والخداع والتضليل التي مارسها رئيس هيئة أركان المقاومة القائد محمد الضيف، والذي أثبت للجميع أن "إسرائيل" ليست أكثر من مجسّم من الورق، وهذا كشف أن قدراتها الاستخباراتية أقل بكثير مما تحاول ترويجه في المنطقة، وسيكتب التاريخ أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى تعيش حالاً من الانكسار لم تشهدها من قبل، وأنّ ما جرى هو أكبر عملية إذلال تعرّضت لها "إسرائيل" في تاريخها، وبما يفوق ما تعرّضت له في حرب أكتوبر 1973.
البحث
الأرشيف التاريخي