الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسة وأربعون - ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسة وأربعون - ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

المعلمون رواد الصحوة الفكرية للثورة الإسلامية وصانعو هويتها

كان من أهم أنشطة المعلمين في حركة الإمام الخميني (قدس)، إلى جانب النضالات السياسية، النضال الفكري والثقافي ضد النظام البهلوي. فقد نفذ المعلمون في هذا المجال أنشطتهم عبر زيادة الوعي العام، وفضح النظام البهلوي ومحاولة خلق هوية جديدة.
رواد تيار الوعي والصحوة الفكرية
تُظهر نظرةً عامة على تاريخ الثورة الإسلامية أن المعلمين كانوا من بين القوى الرئيسية والرائدة ورواد الحركة في سياق الكفاح ضد استبداد النظام البهلوي في ذلك الوقت، ورواد النهضة. فلقد حولوا الفصول الدراسية بشكلٍ عام إلى مراكز للتعليم السياسي والأيديولوجي، وكانوا حاضرين مباشرةً مع الطلاب أثناء الثورة.
على سبيل المثال، كان المعلمون والمربون في محافظة "كرمان شاه" من أكثر المجموعات والشرائح الاجتماعية تأثيراً والتي لعبت دوراً مهماً في تقدم الثورة الإسلامية، فقد سعت هذه المجموعة خفيةً وعلناً للنضال والتنوير وتوعية المراهقين والشباب بمسار الثورة، وكان تنظيم الجماعات المناضلة، وعقد الاجتماعات الأسبوعية، ونشر الوعي السياسي للشعب من بين المهام الحاسمة لهذه الطبقة الكادحة. كما حاول التربويون المناضلون في محافظة "همدان" توعية الشباب ومنعهم من التوجه إلى مراكز الفساد، مثل "قصر الشباب"، عبر إنشاء المكتبات وتشجيع الطلاب على الدراسة والبحث.
وكذلك تُظهر وثائق السافاك السرية أن مشاركة الطلاب في المظاهرات المؤيدة للثورة الإسلامية  نابعةً من تعاليم المدرسين والمعلمين، وأن المدرسين والمعلمين الذين قاتلوا بخطبهم الثورية أمنوا الأرضية لمشاركةٍ واسعةٍ للطلاب في المظاهرات.
دور المعلمين في ساحة النضال الفكري والثقافي
بسبب انتشار الأفكار الغربية وانتشار الفسق والفجور في المجتمع، لعبت المعلمات الإيرانيات دوراً مهماً وبارزاً، في ميدان النضال ضد النظام البهلوي وخاصةً في السنوات الأخيرة من الحكم القمعي، فقد قمن بتهيئة الطالبات للحفاظ على الأدب الثوري وحمايته بتأثير من الأنشطة الثقافية التي قُمن بها، وقد شجعن على الحجاب باعتباره تقليداً وقيمة إسلامية،  هذا وقد استقبلت الفتيات والنساء الإيرانيات الحجاب بالترحاب منذ منتصف السبعينيات. لذا تسبب وجود الطالبات المحجبات في طهران والمدن الكبيرة والصغيرة في إثارة قلق الوكلاء الثقافيين للنظام البهلوي. لذلك في عام 1976م، عندما التقى أمير عباس هويدا بمعلمي كاشان، ارتدى جميع أعضاء الكادر التربوي  "الشادور"  أي العباءة في لقاءهم مع الأمير.
أمّا فيما يتعلق بوعي المعلمين، فتنص إحدى وثائق السافاك على ما يلي: "ناظميان" ، مُدرسة ثانوية مهرجان للبنات في "سمنان" ، في العام 1978م قالت في كلمتها أمام طالبات المدرسة :" إنني لا أستطيع أن أهنئكن لأسباب تعرفنها، ليس عندنا عيد لا يسعني إلا أن أخبركن أنه ليكن النجاح حليفكن في مساعيكن"، وفي إشارة إلى أحداث تبريز قالت: "هذا العام كان يوم العيد حداداً وطنياً وليس عيداً، ثم ذكرت بعض الأسماء ومدحتها مثل آية الله سيد "أحمد  زيارتي" وميرزا " حسن سيادتي" وشيخ "نجات" والإمام "الخميني(قدس)". ويتابع التقرير أن الحركة بدأت منذ بعض الوقت: "منذ فترة، كان مُدرس يدعى" شاهورانى" يفعل الشيء نفسه بين الطلاب الذين طردوا من تعليم دامغان". تذكر وثائق السافاك أيضاً: "علي مراد كيبور"، مُدرس الصف الخامس في إحدى المدارس الابتدائية، وهو متشدد دينياً، يُحرض ويدعو الطلاب تحت عناوين مختلفة لتمزيق صورة أول شخص في البلاد."
فضح النظام البهلوي
بالإضافة إلى ضخ الوعي في جسد المجتمع المحبط، قام مدرسون مسلحون وثوريون في إيران، باستخدام الوسائل السمعية والبصرية، لكشف الحقائق المخفية والجرائم وخيانات عملاء النظام البهلوي، وذلك جنباً إلى جنب مع المثقفين والمفكرين الدينيين، وتحملوا مسؤولية فضح تصرفات حكومة البهلوي.
ومن أبرز هؤلاء كان دور آية الله "طالقاني" والدكتور "محمد جواد باهنر" والدكتور "علي شريعتي" و"محمد علي رجائي"وآية الله الدكتور "بهشتي" الذي كان له دورٌ بارز ومميز في هذا المضمار. على سبيل المثال، لم تقتصر المحاضرات والجلسات الثقافية والتوعوية لأية الله "طالقاني" حول تفسير ومبادئ معتقدات على المسجد أو مكان معين، فهو كان يقوم بواجبه التوعوي والتبييني في أي زمان ومكان، فقد كان في سعيٍ دائم  لتوجيه وتصحيح أفكار ومعتقدات الناس، كان حاضراً بشكلٍ دائم للتوعية وكشف الحقائق، حتى وصل الأمر إلى دعوته لإلقاء خطاب في إذاعة طهران.
عشية الاحتفال بمرور2500 عام على تأسيس الامبراطورية الملكية في إيران في مسجد الهداية، فضح الدكتور "باهنر" النظام وانتقده. وفي عام 1970م، وفي ظل الظروف السائدة، سعى الدكتور لإيصال أفكار الإمام (قدس) ومخططات حركته ومفاهيم ثورته في مسجد الجواد(ع)، عبر تنوير الشعب وتعريفهم بظلم الشاه، فكان أول من فضح مأساة سينما ريكس في "آبادان"  عبر إعلانه عنها للشعب الإيراني في مسجد "قبا" الذي تحول عبر المحاضرات والحضور الجماهيري من طهران ومدنٍ أخرى فيه إلى أكبر قاعدة معلومات للمقاتلين الثوار.
 إلى جانب هذه الشخصيات الشهيرة التي لعبت دوراً مهماً في توعية جيل الشباب وكشف الوجه الحقيقي للحكومة البهلوية، كان هناك مدرسون مجهولون واصلوا نضالهم الثقافي في البلدات الصغيرة والمدن وحتى القرى في المساجد والمدارس وفي جميع أنحاء البلاد. وكان لهم دورٌ بارز في نجاح  مسيرة النضال والتحرر من النظام البهلوي عبر دعوتهم وتوعيتهم شرائح المجتمع كافة عن خفايا وجرائم النظام البهلوي.
بالإضافة إلى فضح النظام، فقد حاول المدرسون الثوريون تغيير أسماء المدارس لمحو قيم ومظاهر الثقافة الإمبراطورية الشاهنشاهية، ليس فقط في طهران ولكن في مدنٍ أخرى. وتكرر هذا الإجراء في أجزاء أخرى من إيران في الأشهر الأخيرة من النظام البهلوي، وعلى سبيل المثال، خصص مدرسو مدينة "كنبد قابوس" يوماً واحداً من رواتبهم لمساعدة الناجين من شهداء "غاليكش"، والتي سميت إحدى مدارس هذه المدينة فيما بعد بمدرسة الشهداء تكريماً لهؤلاء الشهداء الذين سقطوا فداءً لإيران والثورة.
محاولة إنشاء هوية جديدة
في السنوات 1961-1971م، أدى بروز العنصر القومي للهوية الإيرانية وقلة الاهتمام وإهمال العنصر الديني إلى رد فعل بعض المثقفين والمفكرين الإيرانيين الذين تصدوا بطريقة ما لاستغلال العنصر الوطني للهوية الإيرانية وأعادوا الحياة الروحية والعنصر الديني لها.
كان الإمام الخميني(قدس) أول معلم للثورة أعاد قراءة النصوص الإسلامية وحاول تصميم هوية جديدة. كانت مهمة الإمام الخميني(قدس) الأولى في السنوات الأولى من النضال هي توعية الناس وتغيير عقول الأفراد في المجتمع للعودة إلى معتقداتهم الدينية والأصيلة ونبذ القيم الغربية، واستبدالها بالإيمان بالذات والثقة بالنفس، وذلك بإزالة غبار الاغتراب والتدمير الذاتي في مواجهة الثقافة الغربية. بعبارةٍ أخرى، قام الإمام الخميني (قدس) كما قام به النبي الأكرم (ص) إذ أنه (ص) استخدم القوة الروحية والسياقات السياسية والدينية، فقد قاد الإدارة الثقافية لعصره ووجهها، وذلك عبر تغيير دوافع وأهداف العرب الجاهليين، فقد أعطى اتجاه روحي للمجتمع ، وأحياه على أساس القيم الإلهية. كما يمكننا أن نذكر أشخاصاً مثل الدكتور "علي شريعتي" وآية الله "مطهري" كمعلمين بارزين ومفكرين، اهتموا بمعالجة أزمة الهوية التي كانت نتيجة الخطاب الغربي للحكومة البهلوية بالاعتراف بالهوية الإيرانية الإسلامية وفي إطار الخطب والكتابات، وقادوا المجتمع المتنوع، وخاصةً الشباب، إلى المدينة الفاضلة الدينية.
فقد تعمق آية الله "مطهري"، أحد أهم منظري رجال الدين الثوريين في مناقشاته وأعماله، وعبّر عن البُنية التحتية الفكرية والأسس الفلسفية للإسلام، وأطلق على عصر الانتظار العصر البناء والملزم والتنشيط والتعبئة، وقام بتعريف العلاقة بين الإسلام وإيران على شكل الخدمات المتبادلة.
الشهيد مطهري.. الإسلام يمتلك كافة الحلول لمشاكل وقضايا المجتمع
في نضاله الأيديولوجي والفكري والثقافي ضد الأفكار وغزو الثقافة الغربية، استخدم آية الله مطهري نهجين قصير المدى وطويل الأجل، وكلاهما مفيد وفعال في مكانه. في نهجه الأول أولى مزيداً من الاهتمام لمظاهر الثقافة الغربية وحاول إثبات ضعف المظاهر الموضوعية للثقافة الغربية عبر كتابة الكتب والمقالات وبأسباب منطقية وسردية. في النهج الثاني، تناول أيضاً أُسس الفكر والثقافة الغربيين. كما سعى إلى أن يوضح لجميع المقاتلين والقوى الثورية أن الإسلام له حل لجميع الفترات والأعمار ولكافة مشاكل وقضايا المجتمع البشري. وتشكلت بلورة هذا الجهد في أعمال كالإسلام ومتطلبات العصر في قضية الحجاب.
إنّ جواب شريعتي لتجاوز أزمة التخلف والانحطاط هو العودة إلى الذات. بالطبع، العودة من وجهة نظر "شريعتي" كان له نهجٌ ثقافي، وكان يعني العودة إلى الثقافة الدينية والروحانية. وأعرب عن قلقه بشأن الاغتراب الثقافي، وشدد على الاعتقاد بأننا نواجه اليوم عالماً ينتشر فيه  تدمير الذات والانحطاط وإنكار الأصالة وتفكك ثقافتنا وتاريخنا. إذا لم ندرك عوامل الخطر هذه ولم نكن مجهزين برأسمال روحي خاص بنا ووعينا الفكري وتراثنا التاريخي الغني وإيماننا وقيمنا الأخلاقية لمقاومتها، فسنبقى عُزل وسنخضع لتحول ثقافي. ووفق الدكتور "شريعتي"، فإن التفاعل الطبيعي للأمة الإيرانية مع دين الإسلام بعد انفصالها عن دين زرادشت القديم كان عميقاً لدرجة أن فصلها كان مستحيلاً ولا يمكن تصوره، وبالتالي فإن الهوية الإيرانية لم تكن إلا مسلمة إيرانية.
ودعا  الدكتور "شريعتي" كافة شرائح المجتمع للعودة إلى الثقافة الإسلامية، ووضع أسس أيديولوجية جديدة ضد الثقافة البهلوية، ما مهد الطريق لاستمرار النضال على أساس النموذج الديني والإسلامي.
وبالتالي، يمكن القول أنه من وجهة نظر هذا الخطاب، فإنّ الخطاب الرئيسي للمقاومة، الذي سعى إلى تأصيل مبادئ ومكونات الهوية الأصلية في سياق العودة إلى نفسها، كان قادراً على تفكيك عناصر الهوية الأصلية والتشكيك في نظام الخطاب البهلوي في إطار إبداعي بديل  يوفر حركة اجتماعية واسعة في المجتمع. هذا ولا شك أن دور المعلمين وحضورهم في هذا المجال كان مبهراً ومؤثراً للغاية، فهم لم يكتفوا بتوجيه إمكانات الطلاب لأهداف ومُثل الثورة باستخدام القوة الفكرية للمفكرين وقوة تفكيرهم ومبادراتهم، بل بدلاً من ذلك قد جعلوا أبرز أسلحتهم الكلام والتعبير عن قطاعات سلبية ومعزولة من المجتمع  ولكنها مهتمة بمسار الثورة، وهم تسببوا بعملهم هذا في انتشار الخطاب الديني.

 

البحث
الأرشيف التاريخي