المتخصصة في الفلسفة والالهيات نسرين بريطع للوفاق:
العقيدة حجر الزاوية ومنطلق الوعي لدى الانسان
سهامه مجلسي
علم العقيدة الاسلامية هو العلم الأساسي الذي يجدرُ العناية به تعليماً وتعلماً، وعملاً بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحةً مقبولة عند الله -تعالى- نافعة للعامِلين، خصوصاً ونحن في زمن كثرتْ فيه التيَّارات المنحرفة؛ وكلها تيَّارات خطيرة ما لم يكن المسلِم مسلَّحاً بسلاح العقيدة الصحيحة، المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فإنه حريٌّ أن تَجرِفَه تلك التيارات المضِلَّة. والعقيدة تشكّل في وجود الإنسان القاعدة الفكرية التي منها تنبثق أفكاره وتصوراته وتتبلور أفعاله وتصرفاته، وهي الأساس والبداية والمنطلق للفكر والسلوك، وهي الركن الأساسي في تكوين وبناء شخصية الإنسان، وهي العنصر الأساسي الموجّه لإرادته والمحرّك لعواطفه، وهي حجر الزاوية ومنطلق الوعي في حركة الإنسان نحو الأهداف السامية. ولا يختلف اثنان بأنّ الإنسان يحتاج إلى عقيدة يقيم بناءً عليها كلّ حياته، ويلجأ إليها طلباً للحماية والشعور بالأمن النفسي الداخلي وضبط السلوك. فالعقيد أهمُّ من الأخلاق والآداب، والعبادات، والمعاملات؛ إذ هي أوَّل واجبٍ على المكلف، فعند دخول الشخص الإسلامَ يجب عليه معرفة التوحيد قبل تعلُّم العبادات، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الباحثة والمتخصصة في الفلسة والالهيات نسرين بريطع وفيما يلي نص الحوار:
نرجو منكم تقديم بيانٍ مختصرٍ لضرورة العقيدة بشكلٍ عامٍّ وأهمّيّتها في حياة الإنسان
كلما ضربت الأشجار بجذورها في الأرض عمقاً، أصبحت أشد صلابة ومقاومة أمام العواصف والأعاصير، بينما نجد النبات سريع الإنهزام أمام الريح، لأنه كائن سطحي - إذا جاز التعبير – هكذا هي العقيدة بالنسبة للإنسان هي حجر الزاوية ومنطلق الوعي لدى الانسان فإما أن تكون إنساناً جوهرياً عميق الفكر، إن تجذرت فيك عقيدة سليمة صحيحة، وإما أن تكون كائناً سطحياً تلهث وراء القشور الزائفة، مشوش من داخلك لأنك تركته فارغاً ليملؤه لك غيرك بإي إشاعة أو تفاهة أو فكرٍ مشوه. الإنسان بلا عقيدة مهزومٌ سلفاً، جاهزٌ للخضوع والإستسلام أمام الآخرين.
كما تعلمون عالمنا الإسلاميّ يتعرّض إلى هجمةٍ فكريّةٍ وعقديّةٍ شرسةٍ من قبل فئاتٍ من خارج المنظومة الإسلاميّة، ما هي برأيكم أهم الأسباب لذٰلك وما هي سبل معالجتها؟
لعله من أهم أسباب تلك الهجمة الشرسة، هو جوهر الفكر الإسلامي الأصيل، القائم على إحقاق الحق وإقامة العدل والمساواة بين البشر، في الحقوق والواجبات والمقامات، فلا فضل لأحدٍ على أحدٍ الا بالتقوى. وعلى النقيض من هذا الفكر، نجد منظومة الإستكبار العالمي المتوحش، القائمة على الفكر المادي والنفعي وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والهيمنة على المقدرات ونصرة القوي على الضعيف. وهذة المنظومة الجشعة والمتوحشة، لن تسطيع بالطبع تحقيق أهدافها الدنية بدون محاربة الفكر الإسلامي ومحاولة تقزيمه والحد من إنتشاره، بكافة السبل والوسائل المتاحة. وهناك سبب آخر لا يقل أهمية، وهو النماذج الاسلامية المتشددة التي عملت للأسف الشديد على تشويه صورة الإسلام النقية الناصعة، وقدمته أمام العالم كمجموعة عصابات للقتل والسلب والإغتصاب، والتقوقع على الذات، ورفض الآخر. وهذه المجموعات في الغالب مدعومة وممولة من الإستكبار العالمي لخلق حالة من (الإسلام فوبيا) لتصل الى هدفها بنبذ الإسلام وتحجيمه عالمياً.
ومن أهم السبل لمحاربتها هو جهاد التبيين. تبين الحقائق واعادة رسم صورة الإسلام المشرقة. ولكن الشعارات وحدها لا تكفي. لا بدّ من العمل والعمل على تصحيح الفكر، وإعادة بناء الصورة، وتقديم نماذج وتجارب حقيقية للعالم.
هل يوجد اليوم في العالم الغربيّ تفكيكٌ بين القراءات المختلفة للدين الإسلاميّ، وتمييزٌ بين الفهم المتشدّد الّذي يتبنّاه الفكر السلفيّ لتعاليم الإسلام وبين الفهم المعتدل الوسطيّ الّذي يتبنّاه مذهب أهل البيت (ع) لدى غير المسلمين؟
للأسف في العموم لا يوجد، وذلك يعود في الغالب للبروبوغندا التي يشيعها الغرب المستكبر حول الإسلام، ونحن نعلم أن أغلب وسائل الإعلام الموجه والقنوات والأقمار الإصطناعية وغيرها، تحت سيطرتهم، والأسوأ كما ذكرنا سابقاً أن الفكر السلفي المتشدد هو ربيب الإستكبار، وبالتالي دعمه وانشاره بشكل مسيس ومدروس، وزرعه كغدد سرطانية في المجتمعات، ساهم بشكل خبيث في إيجاد صعوبة بالغة في التفريق والتمييز بين مدرسة الفكر الإسلامي الأصيل وبين هذا الفكر السلفي الهجين والمشوه.
كيف يتسنّى لنا ونحن نعيش عصر التطوّر التقنيّ والعلميّ تأصيل الفكر العقديّ لدى شبابنا المسلم، والحفاظ عليهم من الانزلاق والانحراف الفكريّ والعقديّ؟
تأصيل الفكر العقديّ لدى شبابنا المسلم مهمة صعبة، وصعبة جداً، ولكنها ليست مستحيلة، وأقول هذا لأنّ ما نشهده اليوم من تقدم علمي مذهل على كافة الصعد، ووسائل التواصل والمنصات والألعاب الموجهة، والذكاء الإصطناعي، والحملات الممولة عالمياً لدعم الشذوذ والإنحراف، بل ولفرضه بالقوة، ووو.. نسطيع تشبيه هذه الدوامة المرعبة بالثقب الأسود الذي يلتهم كل ما حوله.
أن نعرف أولاً ونقدر حجم الخطر هو بداية الحل. لأنّ أيّ تساهل في التعامل معه، هو ضربة قاضية ومميته حرفياً. وأهم نقطة أن لا نبقى دوما نعيش ردة الفعل، بمعنى أن نبقى في حالة الدفاع عن النفس، ورد الهجوم المضاد. فننتظر الضربة لإيجاد سبل الدفاع والحلول، أبداً، يتوجب علينا أن نبادر لتعزيز ثقافتنا الأصيلة، وغرسها في أعماق فتياننا وشبابنا بأساليب عصرية حديثة وشيقة، وبأساليب علمية جاذبة وممتعة، تتماشى مع هذا التطور العلمي العظيم. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى لا بدّ من العمل على إيجاد البدائل المناسبة والمتوافقة مع هذا العصر، دون المساس بقيمنا وعقائدنا. لا استطيع أن أقول لأبنائي مثلا، لا تفعل كذا، ولا تلعب بكذا، وهذا حرام، وهذا ممنوع، دون أن أقدم بدائل تشغلهم، وتنمي ثقافتهم وتوجههم نحو الهدف الصحيح. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن منعت طفلي من استخدام العاب الكترونية تعزز الإجرام، فلنوجد له لعبة عن تحرير فلسطين، تعزز عنده روح الجهاد، أو لعبة أخرى تنمي الذكاء الاخلاقي الموجه عقائدياً. واللعب وسيلة تجمع بين التعليم والترفيه معناً، ورسولنا الأكرم صل الله عليه وآله وسلم يقول: «الهوا والعبوا فإني أكره أن يُرى في دينكم غلظة». ما أريد قوله هنا: نحن لا نستطيع أن نترك ابناءنا للفراغ، لأن الفراغ أمر خطير جداً، وهو العدو الأكبر لتدمير الفكر والمساهمة في انحرافه.
ولا بدّ من بناء الوعي التراكمي عند الأجيال، وجعلهم يستشعرون خطر الهجمات المغرضة والخبيثة عليهم، وحثهم على العمل للحفاظ على الهوية ومعالم الشخصية الإسلامية الفريدة والنبيلة. وخلق الشعور بالإعتزاز بهذا الإنتماء داخلهم.
ومن اساليب المواجه المهمة جداً، تعزيز حب المطالعة عندهم في كل مراحل حياتهم، وليس في مرحلة الدراسة فقط. أن يكون الكتاب متوفراً في العيادات ومحطات القطارات وحيثما أمكن، مع حملات دعائية موجهة، بشكل دائم ومستمر لدعم فكرة المطالعة وبيان أهميتها. فالقراءة تعطي الإنسان الاف الحيويات وتختصر له الكثير من التجارب والخبرات، وتجعله عميق الفكر وراسخ الجذور.
ولا ننسى أهمية تعزيز الرياضة عند شبابنا بأشكالها المختلفة، لما لها من تأثير على روحية الإنسان قبل جسده. ونحن نرى رسول البشرية محمد صل الله عليه وآله وسلم يحثنا على ذلك: «علموا أبنائكم السباحة والرماية».