الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وواحد وأربعون - ٠١ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وواحد وأربعون - ٠١ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

للوطن الذي يسكُنُني.. عمل أدبي عن حقبة تأسيس المقاومة


سندس الأسعد

في كتابها "للوطن الذي يسكُنُني" الصادر حديثاً عن دار الولاء تسترجع الكاتبة اللبنانية باسمة مرعي حقبةً تاريخيةً أساسية من تأسيس المقاومة الإسلاميّة في الجنوب اللبناني، تصوّر لنا قيامها وعقباتها وظروف نشأتها فيغدو العرض الروائي مدداً وجدانيّاً سلساً وممتعاً. من روّاد تلك الحقبة المجيدة وثالث استشهادي المقاومة، الشّهيد السّيّد علي حسين صفي الدين(رض) من بلدة الحلوسيّة الجنوبية.
تتوزع الرواية التي تقع في 200 صفحة من الحجم الوسط كما يلي. الفصل الأول "نبشت من ذاكرتي": أحلامي الوردية، لا عودة قريبة، نافذة في وسادتي، بيت جديد وحياة جديدة، إسرائيل غير بعيدة، أجواء رمضان في ذاكرتي، اكتساب المهارات، اكتساب القيم، شعلة الحب في قلبي.
الفصل الثاني "والله لا أبرح بلادي": لقاء في يوم العيد، هل ترضین به؟، بیت مؤقت، ردّة القدم، موسم الزيتون، إلى خندق الغميق، بخمسين ليرة، سميته عليّاً، وقعت في غرامه، المذياع الصغير، والله لا أبرح بلادي أبداً، أين اختفى علي؟، لقد أصبحت كبيراً، استفاق شغفي، لم أقنط. الفصل الثالث "من يكون؟": بندقية ومتراس، حسبناه كالإمام الخميني(رض)، واقع مر، ذات يوم فقد، فليعينني الذي خلقني، آه من السم القادم، أخ برائحة الآباء، موعد مهم، كل أم صارت تسأل، فتانا يا حسين يقود سيارة، إنّها خضراء! سنقاوم، ساعد الله قلب أمه، شعار الحرب ضد إسرائيل، الحور العين عروسي، ستعلمين غدّاً من أكون، ألا تخاف؟ أريدك أن تصبري، من يكون؟، إنه علي، العين تقاوم المخرز، لأجل هذا!، جعلك شريكة.
كثيرون كتبوا عن الشّهداء لكن لـ باسمة مرعي أسلوبها البلاغي الخاص في الكتابة عن الشّهداء؛ تُثير أسئلة مهمة عن دور النساء في  تلك النشأة، عن مشاعرهنَّ، عن وعيهنَّ، عن إيمانهنّ، معتمدة نوعاً أدبيّاً راقيّاً وبسيطاً في الوقت عينه.
 أرادت الكاتبة في "للوطن الذي يسكُنُني" أن تكتب تاريخ الجنوبِ على لسان نسائه، تتعقّب تبلور شخصيةِ الأم، إندفاعها الثوري، صبرها الإستثنائي. تكتب إجابةً عن السؤال: "أي عقيدةٍ انتهج هؤلاء الشّبان، وأيّ قيمٍ نهلوا؟". وهذا بحدّ ذاته الهدف من "سلسلة المرأة المقاومة" التي أطلقتها "جمعية الرابطة اللبنانية الثقافيّة" برئاسة الحاجة عفاف الحكيم عملاً بتوصية أمين عام حزب الله، السّيد حسن نصرالله (حفظه الله): "نحن محتاجون لأن نعرّف أجيالنا الكثير من نماذج أمهات وزوجات الشهداء والأسيرات اللواتي هنّ قدوة ونعمة فيما بيننا. إننا إن لم نؤرّخ لهؤلاء الأبطال فسوف يحوّلهم الكتبة المزوّرون مع مرور الزمن إلى قطاع طرق".
تعددت الشخصيات في الرواية، كلّها تركت أثراً على البطلة ليلى عبّاني. تبدو الكاتبة شخصية داخل روايتها أيضاً، أو بالأحرى وكأنها تستعير شخصية الأم لتوصل رسالتها بين السطور وهي أن الأمهات في هذا الوطن تصنعن على أعينهن الأبطال وتبذلهن فداءً للوطنِ والعقيدة؛ حقلها المعجمي غنيّ بمفردات العطاء والبذل والتضحية. بهذا الجمال تبدو الحالة الثورية في الرواية، حالة جعلت منها باسمة مرعي تحقيقاً تاريخياً في قعر النصّ الأدبي الروائي بامتياز.
تصف بروز الشّهيد السّيّد موسى الصدر(قدس) بين الجنوبيين، فتكتب: "ومن بين الركام، في اليوم الأول بعد العدوان، بان رجل يقشع غياهب الدخان الملوّث عن واقعنا يدعو إلى اجتماع عاجل في جويا، يؤكد فيه على وجوب خلق مقاومة لبنانية وتدريبها ودعمها بالسلاح، هدفها الدفاع عن حدود لبنان وشعبه وأرضه. هو السيد موسى الصدر، أتى ليبعث في نفوسنا آمالا كنا قد ظننا باستحالتها في زمن تخلّى فيه الكثيرون عن قضية فلسطين فضيعوها وحملوا إثمها. كان والدي يحدثنا عنه دوماً، ويقول: إنّه عالم فذ، جميل الوجه. حسبناه كالإمام الخميني(رض) الذي عشقنا وتتبعنا أخباره عن كتب من الإذاعات والصحف والتلفاز، العنصر الجديد الذي غير عالمنا. وبدأنا نسمع بالتوالي عن ضربات ومواجهات بين مقاومين لبنانيين من جهة وبين اليهود من جهة ثانية".
و عن الشيخ راغب حرب(قدس)، نقرأ: "دخل التوهج إلى إرادتنا وشعرنا بالقوّة الكامنة داخل كل واحدة منا وسخرنا من الاحتلال كما تعلمنا من شيخنا وقائد مسيرتنا.  انتقلت النسوة إلى المرحلة التالية، وطرحت إحداهن سؤالاً: ماذا لو اقتحموا مجدّداً ودخلوا بيوتنا. سنقاوم قدر استطاعتنا، ولو بالعصي. سنمنعهم بلحمنا إن اضطررنا. علت أصواتهنّ الثّائرة، أصوات أظهرت حجم التضحيات التي استعدين لتقديمها. أنا أعلم أن لا مكان للخوف في صدروهنّ، ولكنني أدعو الله في أوقات السحر وفي الصلوات الخمس أن يحمي النّاس ويدحر المحتل من الوطن الذي يسكنني".
تحاول الرواية أن تصف كل هموم البطلة في كتلة أدبية تصوّر العبء الإنساني الذي قاسته في كافة تجلياته. بطلة قاومت مرارة الحياة على مضض: "حفر الزمان في قلبي ثلمات لم أجد ما يسدّها أبدا، فبعد فقد زوجي فجعت بأبي الذي غادرنا أيضاً. عزّ علي فراقه، وبكيت عليه حتى ظننت أني لاحقة به".
وعن دور الإمام الخميني(قدس) في نشأة المقاومة تكتب: "قطع الشيخ راغب حرب زيارته إلى إيران بعد لقائه الإمام الخميني(قدس)، وعاد إلى ربوع الوطن مشحوناً بالغضب والثورة عقب علمه بأن فلول الإسرائيليين تتجوّل بعدتها وعتادها داخل قرى الخميني(قدس)، وبلدات الجنوب. جال في القرى، وطرق البيوت، تحدّث من على المنابر عن واجب الدفاع عن الأرض أخذ يبعث العنفوان في أرواحنا التي أنهكتها الاعتداءات واضعاً حداً فاصلاً بين التشبث والتخلّي فلا عمالة ولا تطبيع مع العدوّ الغاشم. فهمنا هذه المعادلة من قوله الحاسم في مواجهته مع اليهود: الموقف سلاح والمصافحة اعتراف.
 صارت حسينية جبشيت محجةً للكبير والصغير، نقصدها لنستقي من عزيمة الشيخ راغب قوة وإرادة صلبة، متسلحين الذي زرعه على مدى أعوام في نفوسنا، رافضين أي تعامل مع الكيان الصهيوني حتى ولو كان من خلال حبة سكاكر صغيرة حاولوا إغراء أولادنا بها".
في خضم هذه الظروف ينظم الفتى اليتيم السّيّد علي صفي الدين سرّاً إلى صفوف المقاومة حتى يعرج شهيداً في عملية نوعيّة تطلبت ألا يكشف عن هويته، ما دفع مراسل تلفزيون العدوّ آلون بن ديفيد للتعليق وقتئذٍ: "إنّ جيش الدفاع الذي سيخرج قريباً من لبنان، ليس كما دخل إلى لبنان، بل خجلٌ مكلّلٌ بالعار".
وتختتم الرواية بسردٍ وجداني ثوري جميل على لسان البطلة: "لملمت نفسي المبعثرة ونزلت إلى بيروت، عند لبست ثوب الحداد وخلعت عنّي لباس الصمت الحزين وأطلقت دمعي القابع في مآقي ... وأنا لم أعلن للملأ أن البطل الاستشهادي الذي تحدى اليهود وفجر نفسه فيهم هو ابني علي حسين صفي الدين. وقلت لنفسي: - صحيح أني لم أحمل السلاح ولا مرة في حياتي، ولكن لي عقل يدرك أهمية ما قام به ابني. ولي لسان أستطيع أن أقاوم بكلامي به ودفاعي عن المسيرة التي اختار ولدي التظلل بها. وسيأتي يوم أصرخ فيه بملا حنجرتي أني أم الشهيد البطل.
عندما كان صغيراً علّمته الصلاة والصيام، محبة الناس، والصدق، وكثيراً من الأشياء. اليوم هو من أعطاني درساً مهماً لن أنساه بأن الأرواح ترخص في سبيل الحق. قمت بثبات متحدّية حسرتي عليه لأكمل ما بدأه، وأحكي لأهلي وللناس بفخر عن بطولاته ومآثره حتى لقبوه بـ "طائر الحلوسيّة".

البحث
الأرشيف التاريخي