تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
لقاء إردوغان ونتنياهو .. الدوافع والانعكاسات
كاتب ومحلل سياسي
شكّل لقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان برئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطوة أخرى في تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية؛ ففي اللقاء الأول من نوعه بينهما منذ عام 2008 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحثا ملفات ذات طابع اقتصادي وتجاري.
وقد أوضح إردوغان أن تركيا يمكنها القيام بعمل مشترك مع "إسرائيل" في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، ولم تغب عن اللقاء الملفات السياسية، وأبرزها التطبيع بين العدو والسعودية. وأعلن إردوغان لاحقاً عزمه على زيارة "إسرائيل" والصلاة في المسجد الأقصى. وقد يسبق ذلك زيارة نتنياهو لأنقرة.
تشير أغلب التقديرات إلى أن هناك استعداداً تركياً، ليس للعمل على استعادة التطبيع الكامل للعلاقات مع "إسرائيل" فحسب، بل أيضاً القيام بدور داعم لمسار التطبيع بين العدو والسعودية. ويبدو أن تركيا مستعدة لأداء أدوار أخرى عبر قنوات خلفية لفتح مسارات في علاقة العدو مع دول المنطقة، على نحو تسعى فيه تركيا لتعزيز دورها وتأثيرها كقوة إقليمية في المنطقة، بصرف النظر عن مواقفها السابقة تجاه "إسرائيل" ودول التطبيع.
شهدت العلاقات بين الطرفين توترات سياسية مختلفة منذ الاعتداء على سفينة مرمرة التركية عام 2008، والتي جاءت في سياق إعادة رسم السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط، كما جاءت في سياق سعي إردوغان لتعزيز مكانته الداخلية، ولكن على الرغم من التوتر الدبلوماسي بين الطرفين، فإنه لم ينعكس على العلاقات التجارية والاقتصادية التي شهدت نمواً ملحوظاً وأرقاماً قياسية.
أعلن إردوغان نهاية عام 2021 عزم بلاده على التقارب التدريجي مع "إسرائيل"، وهو ما تُوج باللقاء مع نتنياهو، وسبقه استقباله رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ في تركيا، وتلته عودة السفراء، على نحو يعكس أن اهتمام إردوغان ينصب في هذه المرحلة على تطوير علاقته بالعدو الإسرائيلي وترميم ما شابها من توترات، بصرف النظر عن طبيعة الائتلاف الحكومي الفاشي في "تل أبيب" وعدوانه المتصاعد في فلسطين المحتلة، لا سيما انتهاكاته واعتداءاته المستمرة على المسجد الأقصى.
وفي الوقت الذي يعاني نتنياهو من اهتزاز في شرعيته الداخلية والخارجية، وتتعرض حكومته الفاشية لانتقادات دولية واسعة، جاء لقاؤه مع إردوغان ليشكل جسراً يتجاوز من خلاله تأكّل مكانته، الأمر الذي يعكس رغبة الأخير في استغلال عزلة نتنياهو الدولية في انتزاع أكبر مكتسبات منه والعمل على تمرير مشروع مركز الغاز الأوروآسيوي في تركيا، الذي يعتبر فيه العدو، بحكم الجغرافيا والموارد، مكوناً رئيسياً في إنجاح المشروع.
كما ترغب تركيا في أن تكون مركزاً دولياً للطاقة في شرق المتوسط بحكم موقعها الجيوسياسي، وتسعى لتكون ممراً للغاز الإسرائيلي المسروق للتصدير نحو أوروبا. وكانت قد استبعدت من عضوية "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي أنشئ عام 2018، والذي ضمّ في عضويته "إسرائيل" ومصر واليونان وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى فرنسا وإيطاليا، بهدف التعاون للاستفادة من الغاز.