تعترضه القضية الفلسطينية؛
التطبيع السعودي_الإسرائيلي ممر أميركي نحو الهيمنة
حسن لافي
كاتب ومحلل سياسي
التقى الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً، بعد قطيعة دامت قرابة تسعة شهور، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليس في مكتبه في البيت الأبيض، وإنما في أحد الفنادق في مدينة نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا المشروع الأميركي الاستراتيجي الكبير يتطلب نجاحه معالجة الرياح العكسية التي طرأت على العلاقات مع السعودية، والتي ظهرت بشكل جلي في مواقف السعودية بعد الأزمة الأوكرانية -الروسية، سواء من خلال رفضها زيادة إنتاجها النفطي أو انفتاحها الكبير على كل من الصين وروسيا وإعادة علاقاتها مع إيران.
وبالتالي، المعادلة تقول إن الولايات المتحدة الأميركية يتطلب منها الموافقة على المطالب السعودية لإعادة العلاقات كسابق عهدها، والمتمثلة باتفاقية حماية على غرار دول حلف "الناتو" ومشروع نووي سلمي على الأراضي السعودية، ورفع الكفاءة التسليحية السعودية، ولكن المعضلة الأميركية في الطلبات السعودية تكمن في أنها تتعارض مع التزامات الولايات المتحدة الأميركية تجاه "إسرائيل" والحفاظ على أمنها القومي، ولذلك مطلوب موافقة إسرائيلية على تلك المطالب.
هنا، تبرز أهمية فكرة التطبيع السعودي-الإسرائيلي كمدخل لحل المعضلة الأميركية، فمن جهة هذا التطبيع يمنح "إسرائيل" حلمها الأكبر في التطبيع مع أهم الدول العربية والإسلامية كاعتراف نهائي من الكل العربي والإسلامي بها، وكما أطلق عليه بعض الكتاب الإسرائيليين "أنه تطبيع مع الإسلام".
ومن جهة أخرى، يعيد الأمل إسرائيلياً في إحياء الهدف الرئيس من وراء "اتفاقات أبراهام" وهو تشكيل حلف سياسي وعسكري ضد إيران تحت المظلة الأميركية وبمشاركة دول الخليج الفارسي، ناهيك بحجم العوائد الاقتصادية لـ"إسرائيل" في حال تم تنفيذ مشروع إعادة طريق الحرير، وحجم المشاريع المشتركة التي يمكن أن تقوم بها "إسرائيل" مع دول المنطقة، خاصة دول الخليج الفارسي.
لكن، يصطدم التطبيع السعودي-الإسرائيلي بصخرة القضية الفلسطينية، فلا يمكن للسعودية أن تذهب إلى التطبيع مع "إسرائيل" من دون أن تكون هناك موافقة فلسطينية، من خلال تقديم "إسرائيل" تنازلات في الملف الفلسطيني، فالسعودية من دون الموافقة الفلسطينية تخسر موقعها كدولة مركزية، في العالم الإسلامي وتفقد شرعيتها، وبالتالي لا يمكنها القفز عن الملف الفلسطيني بأي حال من الأحوال، وهنا اختبار حقيقي وصعب لثلاثة أطراف:
الطرف الأول: نتنياهو، هل سيوافق نتنياهو على تقديم تنازلات للفلسطينيين مقابل صفقة التطبيع التاريخية مع السعودية، حتى لو كان الثمن انهيار ائتلافه الحاكم الذي يرفض قطعياً أي تنازلات في الملف الفلسطيني.
كما يطالب الجناح الأكثر فاشية وتطرفاً في الحكومة بقيادة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، والذي انضم إليهما 12 عضوًا آخر من أعضاء الكنيست من حزب الليكود، بألا يتضمن التطبيع أي تنازلات للفلسطينيين. من الواضح أن لقاء نتنياهو - بايدن لم ينجح حتى الآن في إقناعه بالتخلي عن ائتلافه الحكومي، الأمر الذي كان واضحاً في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحاول كعادته إقناع العالم بأنه يجب ألا يكون هناك ربط بين التطبيع الإسرائيلي مع العرب وبين القضية الفلسطينية.
الطرف الثاني: جو بايدن، هل سيمارس ضغوطات حقيقية وفاعلة على نتنياهو بشكل خاص، وعلى المشهد السياسي الإسرائيلي بشكل عام، للذهاب إلى صفقة التطبيع مع السعودية ودفع ثمن على مستوى القضية الفلسطينية، كما فعل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب مع حكومة إسحاق شامير في قضية ضمانات قروض الإسكان لغرض إعادة توطين المهاجرين اليهود السوفيات في "إسرائيل"، إذ أجبر حكومة شامير اليمينية على الذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، وخاصة أن الإسراع في إتمام صفقة التطبيع الإسرائيلية- السعودية يخدم بايدن في سباق الرئاسة الأميركي من جهة، وقد تكون هذه الصفقة، من جهة أخرى، المخرج الوحيد لحل الأزمة الإسرائيلية الداخلية، كونها تسقط الحكومة الحالية، وتشكل حكومة جديدة بشراكة المعارضة، الأمر الذي ينهي أزمة التعديلات القضائية.
الطرف الثالث: الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هل سيبقى متمسكاً بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، كما تنص المبادرة العربية للسلام، والتي في أساسها مبادرة سعودية، أم سيرضخ لضغوطات بقية الأطراف، الذين يعتقدون أنه الطرف الأضعف في المعادلة. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن القضية الفلسطينية، رغم كل أمواج "اتفاقات أبراهام" التطبيعية التي حاولت أن تقفز عنها وتدفعها نحو العزلة والحصار، بقيت في محور المشهد السياسي في الإقليم خلال العامين الماضيين، بل تأكد الجميع أنها بوابة السلم والحرب في الإقليم، وخاصة مع تنامي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والذي واكبه صعود حكومة إسرائيلية فاشية متطرفة محل نقد المجتمع الدولي برمته بما فيه حليفتا "إسرائيل" أوروبا وأميركا. في المعادلة الأميركية نستطيع أن نقول إن هناك متغيرات قد تكون تحدث لأول مرة منذ سنوات طويلة، أبرزها:
أولاً، لم تعد الولايات المتحدة الأميركية هي الطرف الأقوى في المعادلة بل السعودية، التي يجب الا تنساق نحو الإغراءات الأميركية، وأن تبقي على سياسة الانفتاح في تحالفاتها مع الصين وروسيا، مع إتمام استراتيجية تصفير مشكلاتها مع دول الإقليم وعلى رأسها إيران والملف اليمني، كضمانة لعدم ارتهان سياستها الخارجية للإرادة الأميركية كما في السابق.
ثانياً، تشكل القضية الفلسطينية حجر الرحى في المعادلة، ولن تكتمل قطع الأحجية الأميركية إلا من بوابة القضية الفلسطينية، الأمر الذي يجب ألا يفرط به المستوى الرسمي الفلسطيني، والسعي بكل قوة لاستثمار تلك الفرصة التاريخية من خلال قرارات حقيقية ترسخ واقعاً ميدانياً على الأرض يكبح جماح الاحتلال والاستيطان من جهة، ويعيد طرح القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي كملف عاجل يجب معالجته من جهة أخرى، لما يملكه من آثار سلبية في استقرار الشرق الأوسط، ذلك الإقليم الذي يمثل العمود الفقري للصراع الدولي على الجغرافية السياسية الكونية بين القوى العظمى.