بمناسبة يومه العالمي
السّلام.. وسيلة لتحقيق معاني الإنسانية
الوفاق/ خاص
رُلى فرحات
السّلام حالة من الأمان والسكينة والإستقرار وهو معاكس للحرب والإختلافات والنزاعات، ويوفر للمجتمعات والأفراد مشاعر الأمن والأمان والحماية. حيث يسمح للناس بالعيش بحرية وبلا خوف من تهديدات قادمة أو عنف مستجّد، ويساهم في تعزيز الثقة بين أفراد الأسرة ويُرسّخ الإستقرار في المجتمع لأنه أساس لحل النزاعات بالطرق السلمية. وعليه تسعى العديد من الشخصيات من مختلف المجتمعات والميادين إلى نشر السّلام في جميع أنحاء العالم، من أجل التخلص من الخلافات وتسوية النزاعات التي تقف في وجه تحقيقه مستخدمين عناوين وأدوات لبناء السلام مثل: الحوار من أجل السّلام، الفن من أجل السّلام، التّمكين من أجل السّلام، الإعلام من أجل السّلام، الرياضة من أجل السّلام وغيرها الكثير...
يحقق الوفاق بين الشعوب
والسّلام هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق الوفاق بين الشعوب، وبتحققه تسود معاني الإنسانية في البلاد مهما كان حجم الإختلاف سواء في السياسة أو الدّين أو اللون أو العرق...، فتبعد عنهم روح الأنانيّة والكراهية.
كذلك هو أحد أركان المواطنة وأحد أهم ركائز التربيّة على التنميّة المستدامة بوصفها رؤية نفسيّة إجتماعيّة فلسفيّة على تحقيق السّلام بين الإنسان والإنسان من جهة وبين الإنسان ومحيطه من جهة ثانيّة. وهذا يعني أن السّلام ومن أجل أن يكون سلاما حقيقيّا يجب على التربيّة أن ترسّخه في العقول وأن تصقله في نفوس الأطفال والناشئة.
يقوم بناء السلام بشكل أساسي على معرفة الأسباب الكامنة وراء اقتتال الناس فيما بينهم والتعامل معها بموضوعيّة وشفافيّة، بالإضافة إلى دعم المجتمعات بما يلزم لإدارة خلافاتها ونزاعاتها من دون اللجوء إلى العنف الذي يحضر بشكل دائم قبل وأثناء وبعد النزاعات ويتصاعد ويتكرر. وعليه يُقال أنّ مفهوم السلام موجود منذ أن بدأ التدوين مع إختراع الكتابة لدى السومريين، أي منذ 5600 عام.
خصائص السّلام العالمي
إنّ أساس أي مجتمع هو التعدديّة سواء في الثقافة أو العادات أو الدّين أو غيرها، لذا لا بد من وجود إدارة سلميّة تُحيط بالأمور وبالمواضيع الثقافيّة والسياسيّة والدينيّة، ووجب لذلك وجود إستشاريين ومختصّين في الشأن الإجتماعي والدّيني والنّفسي وغيرها ليكون شغلهم الشاغل ترسيخ مفهوم السّلام الجمعي والفردي بشقيه الإجتماعي والنّفسي، وكذلك الاحتكام إلى القوانين المرعيّة الإجراء شرط أن تكون منصفة وواضحة ولا تتضمن الضّغينة والظلم في طيّات موادها، فيصير السّلام مفهوما أساسيا ومهما وجب التّمسك بقواعده وعدم التّهاون بمضامينه لتحقيق العدل والحقوق الإنسانية.
ومن هنا لا بدّ لنا أن نتناول مفهومي السّلام النّفسي والسّلام الإجتماعي:
السّلام النّفسي الداخلي (راحة البال) دلالة على حالة السّلام في تكوين الشّخص العقلي والروحي مع ما يكفي من الفهم والتبصّر والمعرفة للحفاظ على قوة النّفس في مواجهة الإختلاف وما قد ينجم عنه من خلاف يتبعه خوف وتوتر وقلق. أن تكون في سلام يعني أن تكون متوازن وتتمتع بصحّة نفسيّة جيدة ولديك من المرونة ما يكفي لتقبل الآخر ولتفهمه ولاستيعابه مهما كان مختلفا عنك بأفكاره وتوجهاته وديانته... وبالطبع هذا السّلام الدّاخلي هو عكس أن تكون متوتراً ومرهقاً وقلقاً، وهذا ما يرتبط بالنعيم والسعادة والرضا وجودة الحياة.
وللسّلام آثار عديدة على الإنسان وعلى الطبيعة أيضاً، فالسّلام يحمي الإنسان من الأمراض الّنفسيّة والعصبيّة، ويمنحه مساحة فكريّة إبداعيّة وصفاءً ذهنيا منتجاً بما يتميز به الإنسان من صفات وسمات وتطلعات، فينشأ جسر التقارب بين شعوب العالم المختلفة خاصة في حاضرنا التكنولوجي الحديث اليوم بعد أن أصبح العالم قرية كونية صغيرة، فتبرز علاقات متميزة يسودها التفاهم والتعاون في كافة المجالات والميادين على عكس الحروب التي يُبدع فيها صنف البشر بإظهار أسوأ ما لديهم من تصرفات وأفعال نتيجة الضغائن والأحقاد ونرجسية السيطرة وبسط النّفوذ.
ويتجلّى تحقيق السّلام العالمي في تعزيز التّعايش الّسلمي وتثقيف الجيل الجديد على مفاهيم المحبة والتّسامح والإضاءة على القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة وغرس معايير الرحمة والتعاطف والمشاركة والتّعاون وإحترام الكبير والرأفة بالصّغير وإشاعة التراحم بين الناس ونبذ التطرف والعنف بكل أشكاله وصوره ومظاهره، من عنف لفظي أو جسدي أو حتى تعبيري بلغة الجسد إلى التطرّف الدّيني والقبلي والعرقي، وكذلك إلى توجيه هذا الجيل إلى البرامج الثقافيّة والتعليميّة والوثائقيّة المُسندة إلى مصدر موثوق وصحيح.
نشر ثقافة الحوار الهادف بين المجتمعات
نشر ثقافة الحوار الهادف بين المجتمعات بمختلف أطيافها وثقافاتها ودياناتها لمواجهة الإختلافات وتفادي تطوّرها إلى خلافات من خلال الجهود المبذولة من قبل الرؤساء والحكومات والمسؤولين ورجال الدّين والمثقّفين والمعنيين في الشأن التربوي والتّعليمي والإجتماعي والطّبي إلى آخره. كلكم راع ومسؤول عن رعيته لإنشاء جيل يتمتّع بصحّة نفسيّة جيدة وبشخصيّة سويّة تستطيع أن تواجه تغيّرات وظروف الحياة وتتكيّف مع مستجداتها بسلام. فالسلام لا يعني غياب الصراعات، وإختفائها إذ أنّ الإختلاف سيستمر دائما مازال الجنس البشري موجودا في هذا الكون، بل في حل الإختلافات بوسائل سلميّة من خلال المعرفة والحوار والتعلّم وبطرق سلميّة راقيّة وبعيدة عن العنجهيّة والتّعصب والتّطرف.
ومن هنا سوف أشير إلى نظرية العالم إبراهام ماسلو بعنوان «نظرية الدّافع البشري» في المراجعة النّفسيّة وذلك في بحثه عام 1943 والّتي تتحدّث عن تسلسل إحتياجات السّلامة والّتي عُرفت فيما بعد بـ«هرم ماسلو». فبمجرد أن تكون إحتياجات الشخص الفسيولوجية مرضية إلى حدٍّ ما، فإنّ إحتياجات السّلامة الخاصّة بهم تكون لها الأسبقيّة وتهيمن على السّلوك. وﻓﻲ ﻏﻴﺎب اﻟﺴّﻼﻣﺔ اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺮب مثلاً، أو اﻟﻜﻮارث اﻟﻄﺒﻴﻌﻴّﺔ، أو اﻟﻌﻨﻒ اﻷﺳﺮي، أو الإﻋﺘﺪاءات المتنوّعة، ﻗﺪ ﻳُﻌﺎﻧﻲ الإنسان ﻣﻦ ضغوطات عديدة ومن ثم تتحول هذه الضغوطات إلى إضطرابات مثل إضطراب ما ﺑﻌﺪ اﻟﺼّﺪﻣﺔ.
وفي غياب السّلامة الإقتصادية بسبب الأزمات ونقص فرص العمل وإرتفاع نسبة البطالة، تتجلى إحتياجات السلامة في هرم ماسلو في طرق مثل إجراءات حماية الفرد وذوي الإحتياجات الخاصّة وإنشاء حسابات التّوفير وسياسات التّأمين والأمن الوظيفي. كذلك إحتياجات السّلامة والأمن تدور حول حمايتنا من الأذى، وتشمل (المأوى، والأمن الوظيفي، والصحة، والبيئات الآمنة، إذا كان الشخص لا يشعر بالأمان في بيئة ما، فسوف يسعى إلى إيجاد الأمان من أجل البقاء. وتشمل إحتياجات السّلامة والأمن (الأمن الشخصي، الأمن المالي، الصّحة، ..).
وبعد تلبية الإحتياجات الفسيولوجيّة والسّلامة، يأتي دور إحتياجات الإنتماء الإجتماعي حيث تنطوي إحتياجات الإنسان على مشاعر الإنتماء والقبول بين الفئات الإجتماعية بغض النظر عما إذا كانت مجموعات كبيرة أو صغيرة. وتتفرع عنها إحتياجات التقدير، فالإنسان يبدو قلقاً بشأن حصوله على إعتراف الآخرين به وبتحقيق رغبته في كسب إحترام الآخرين وفي تحقيق مكانة مجتمعيّة وعلميّة تُشبع تطلعاته. لهذا ذكرت ما ذكرت عن الإحتياجات وتلبيتها وإشباعها لأنّ الشخص الّذي يُعاني ما يُعاني لن يشعر بالسّلام الداخلي ولن يتشارك في السّلام المجتمعي وبالطبع لن يكون منفتحاً على الآخر متفهماً له أو مستمعاً إليه وهكذا تبدأ النّزاعات.
يوم موقوف لتعزيز مُثُل السّلام
وعليه يحتاج البشر إلى الحب والمحبة من قبل الآخرين حتى لا يكونوا عرضة للوحدة ولعذاباتها ولكل ما ينتج عنها من تداعيات مرضيّة، وكم من اضطراب نفسي كان من أهم أسبابه الشعور بعدم الإنتماء الأسري وبإختبار مشاعر التهميش ومن هذه الإضطرابات على سبيل المثال لا الحصر القلق الإجتماعي، والإكتئاب.
وعليه يحتفل العالم سنويا باليوم الدولي للسلام في 21 أيلول / سبتمبر من كل عام، وقد أعلنت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة هذا التأريخ ليكون يوماً موقوفاً لتعزيز مُثُل السّلام، بالإحتفال لمدة 24 ساعة من اللاعنف ووقف إطلاق النار. والموضوع المطروح لهذا العام (عام 2023) العمل من أجل السّلام، حيث يمثل دعوة للعمل تقر بمسؤوليتنا الفرديّة والجماعيّة عن تعزيز مفاهيم السّلام.