ملف اللاجئين في تركيا على صفيح ساخن
رانا ابي جمعة
كاتبة ومحللة سياسية
لا يكاد يمرّ يوم في تركيا من دون أن تشهد حادثاً ما يتعلّق باللاجئين، فيتصدّر الخبر الصحف والمواقع الناطقة بالتركية، ويزداد القلق لدى كل من هو غير تركي، أكان عربياً أم "شرقياً" يقطن في هذا البلد. وقد ساهمت الخطابات الانتخابية الشعبوية التحريضية في جعل ملف اللاجئين على صفيح ساخن، فأصبح كالشمّاعة تُعلَّق عليه أزمات تركيا الاقتصادية والمالية كما الاجتماعية، فبتنا نسمع أن اللاجئين هم من جرّد الأتراك من ممتلكاتهم، وهم من يعملون على تدمير الثقافة التركية، وهم من يحاولون "تعريب" تركيا بعد أن تمّ تتريكها منذ سنوات خلت.
هل يمكن إطفاء نيران العنصرية المتقدة في تركيا؟
الانتقادات الموجّهة إلى الحزب الحاكم، العدالة والتنمية، لا تكاد تتوقّف، وبعض هذه الانتقادات محقّ. فرئيس البلاد رجب طيب إردوغان وحزبه هما من فتحا حدود تركيا على مصراعيها عقب اندلاع الحرب في سوريا وعليها، في محاولة للاستفادة من الدفق السوري في أكثر من اتجاه سياسي
وغير سياسي.
اليوم يدرك الرئيس إردوغان حجم السخط لدى فئات واسعة من المجتمع التركي، التي أصبحت تتغذى على الخطاب التحريضي لبعض أحزاب المعارضة، كحزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، وأحزاب اليمين كحزب النصر. فتوجّه إلى من وصفهم "بأصحاب العقلية الفاشية" بأنه "لن يقبل مطلقاً أن يطال أيّ شخص سوء بسبب أنه أجنبي، أو يتحدث لغة مختلفة، أو بسبب الحجاب واللحية، أو أيّ شيء آخر، وكلّ من يتورّط في الإساءة لأحد سيعاقب".
لا نعرف إن كان في كلام الرئيس إردوغان تدشين لهجمة مضادة ضد العنصريّين ومن يقفون خلفهم، ولكن ما نعرفه أن الدستور التركي ذكر مبدأ المساواة أمام القانون "من دون أي تمييز على أساس اللغة أو العرق أو اللون أو الجنس، أو الفكر السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو المذهب"، ما يعني أن باب المحاسبة مفتوح إذا أريد ذلك.
هذه الظاهرة قديمة جديدة-إذ لا يمكن إغفال التاريخ المحتقن بين العرب والأتراك– العثمانيين، فما كان يقال من قبل الصغار قبل الكبار حول "خيانة" العرب لهم في الحرب العالمية الأولى، أصبح اليوم يترجم أفعالاً عنفيّة، من شأنها أن تضع تركيا وأمنها في خطر، وهذا ما بدأنا نسمعه ونقرأه.
لجوء أم احتلال!
دخل ملف اللاجئين وتحديداً السوريين منهم ميدان السوق السياسي بقوة، وهذا ما يفسّر تقدّمه على غيره من الملفات عند كل استحقاق انتخابي (الانتخابات البلدية على الأبواب في آذار/مارس من العام 2024).
لا شك أن اللجوء قد زاد من أعباء الدولة التركية، ولكن أن يُقال عن احتلال وتغيير ديمغرافي وثقافي لمجرد وجود 5 ملايين أجنبي في بلد (وفق إدارة الهجرة التركية) وصل عدد سكانه إلى 85 مليوناً، ففي ذلك مبالغة لا تصدّق.
وعلى أثر هذه المبالغة بدأت الأمور تخرج عن السيطرة في تركيا، فخروج الناس بدلاً من قوات الأمن، ومضايقة أيّ أجنبي تحت ذريعة "لاجئ"، يؤشّر على عدم احترام الدولة، وعدم الثقة بإجراءاتها وتدابيرها وعدالتها في حل الأزمة، لأن أقصى ما يجب على الناس القيام به في دولة يحكمها القانون والمؤسسات، هو ممارسة الضغط على الحكومة للوصول إلى المطلوب. الأمر الآخر، وهو ما من شأنه أن يضرّ بالسلم الداخلي وبتركيا السياحية وبالتالي اقتصادياً، هو عدم قدرة المعتدين على التمييز بين من هو لاجئ أو مهاجر غير نظامي، وبين من هو سائح أو حتى مواطن تركي.
قد تحمل بعض الخطوات والخطابات السياسية بعض المسؤولين لشغل مناصب رفيعة في الدولة، ولكنّ السؤال الأساس هو لأي دولة وأيّ مجتمع؟