الكاتب اللبناني الدكتور حسان الزين للوفاق:
العلمانية الفرنسية الجديدة تقتل أبناءها
عبير شمص
أعلن مجلس الدولة الفرنسي، تأييده قانونية قرار منع العباءة في المدارس، بعد أن دخل القرار حيز التنفيذ مع بدء العام الدراسي وأعيدت بسببه عشرات الفتيات إلى منازلهن بسبب تشبثهن بلباسهن الشرعي. وقد رفض مجلس الدولة، وهو أعلى محكمة في فرنسا تنظر في الشكاوى ضد السلطات الحكومية، طلباً قدمته إحدى الجمعيات لإصدار أمراً قضائياً ضد الحظر الذي فرضته الحكومة الشهر الماضي، مؤكداً أنه لا يشكل تمييزاً ضد المسلمين، وكانت الحكومة الفرنسية استندت في قرارها إلى مبدأ علمانية الدولة لمنع ارتداء العباءة في المدارس بسبب طابعها الديني الذي يثير جدلاً، ويحظر في فرنسا وضع رموز دينية في المدارس بموجب قانون صدر في العام 2004. ولا تزال ردود الأفعال تتوالى على قرار الحكومة الفرنسية إذ حذَّر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من أنَّ حظر العباءة يمكن أن يتسبب"بتزايد خطر حصول تمييز"، واعتبر المجلس أن غياب "تعريف واضح لهذا اللباس يحدث وضعاً مبهماً". وحول هذا القرار الذي يُظهر مواصلة الإشراف السياسي على الدين في فرنسا وترويج للعلمانية الجديدة من قبل ايمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، تحدثت صحيفة الوفاق مع الكاتب اللبناني الدكتور حسان الزين وكان الحوار التالي:
تطبيق استنسابي للعلمانية
ينقسم الموضوع إلى قسمين القسم الأول العلمانية ومفهومها، والقسم الثاني العلمانية بالنسة للفرنسيين وما هي مدلولاتها، فالعلمانية كما يقول الدكتور حسان تعني بالنسبة للفرنسيين التخلي عن المظاهر الدينية وهذا يتعارض مع ما يطبقونه عملياً وهم يحاولون قدر المستطاع الظهور بشكلٍ حيادي مع كل المجتمعات الدينية في المجتمع الفرنسي. إلا أن الحقيقة والواقع غير ذلك ، فنرى بعض المظاهر الدينية وخاصة المظاهر اليهودية وخاصةً ارتداء القلنسوة اليهودية لا ينطبق عليها مبدأ العلمانية في المدارس أو المؤسسات
الأخرى.
يحاولون تطبيق مفهوم العلمانية لإظهار أنفسهم أمام العالم على أنهم أكثر ديمقراطية من غيرهم في العالم، ولكن التجربة العملية تظهر عكس ذلك، وخاصةً على المستوى الاجتماعي فمن يعيش في فرنسا يدرك بشكلٍ جلي وواضح هذا التمييز الواقع على كافة المستويات، على مستوى الوظائف، على مستوى الأجور وعلى مستوى الطبقية التي ينادون بها وخاصةً المناطقية ما بين الباريسيين ( سكان العاصمة باريس) والمناطق الفرنسية الأخرى.
عقلية عنصرية استعمارية طاغية
لا ينظر الفرنسيون إلى الجاليات الموجودة في بلدهم وفق الانتماء الديني كما يوضح الدكتور حسان، فهناك نظرة واحدة بالنسبة للجاليات جميعها ويتعامل معها الفرنسيون بتمييز واضح لا لبس فيه ، ما زال الفرنسيون يعيشون وفق عقلية استعمارية عنصرية قائمة على مفاهيم الأنانية والتمييز العنصري وهذا يبرز في بين الفينة والأخرى وبشكلٍ علني أحياناً، وكان آخر هذه التصرفات القرار المتخذ من قبل وزير التربية الفرنسي الذي منع فيه لبس النقاب والعباءة في المدارس الفرنسية.
وتعود أسباب ذلك وفق الدكتور حسان إلى عدة أمور منها ما يمكن تسميته الخطر الإسلامي والخطر الأجنبي على المجتمع الفرنسي الذي يعاني اليوم مشكلات إجتماعية متعددة منها التفكك الأسري وزيادة نسب الطلاق وأهمها شيخوخة المجتمع الفرنسي الذي يشكل أكبر تحديا في السنوات القادمة، تشير الإحصاءات الديموغرافية إلى أنه بين أعوام 2050 م إلى 2100 م ستصل نسبة المسلمين في المجتمع الفرنسي إلى الخمسة والعشرين بالمئة وهذا يشكل مصدر قلق وخوف من تزايد أعداد المسلمين نتيجة أسباب معينة منها سير المجتمع الفرنسي نحو الانقراض نتيجة الانخفاض الحاد في النمو السكاني وأعداد الولادات وهذا الخوف يخلق لديهم ردات فعل قوية تجاه المجتمع المسلم، وما يزيد من قلقهم النمو التربوي والفكري والعلمي لأبناء هذا المجتمع المسلم، تشكل حالة التقدم لهذا المجتمع وفق الفرنسيين خطراً عليهم ، فهم باتوا يخافون على فقدان هوية وقومية مجتمعهم وفقدانهم الكثير من الامتيازات، وأكثر ما يخيفهم ويقلقهم شعورهم بأنهم باتوا يشكلون جزءاً من المجتمع وليس كل المجتمع.
ومن هنا يوضح الدكتور الزين التحدي الأبرز التي يواجه الجاليات العربية والإسلامية والأجنبية في المجتمع الفرنسي فهم يشكلون وسيشكلون في المستقبل قوة اجتماعية وقوة سياسية قادمة، وهذا ما يبرر أسباب هذا التعامل معهم خوفاً من المستقبل القادم.
أمّا بالنسبة للجاليات العربية والإسلامية فيجب عليهم المحافظة على هويتهم وتراثهم الديني والفكري ومحاولة التنسيق ما بين ما استجد عليهم من العيش في هذا المجتمع الجديد وما بين هويتهم الإسلامية وتقاليدهم العربية.
الحجاب قضية انسانية عالمية لا تخص المسلمين وحدهم
الحجاب ليس موجوداً عند المسلمين فقط كما يشرح الدكتور الزين ، بل ترتديه الراهبات في الكنائس والأديرة المسيحية في فرنسا والغرب وكل المجتمعات المسيحية ، ويعتبر زياً رسمياً لا يمكن منعه، وكذلك ترتدي النساء اليهوديات في المجتمع اليهودي المتدين الحجاب، إذا فالحجاب لا يختص بالمسلمين لذلك من المهم تسليط الضوء على عدم كونها قضية إسلامية وعربية وإن كان في طياتها ومحتواها موجهة للمسلمين بشكلٍ خاص ولكن هي مسألة عامة ويجب طرحها على أنها مسألة إنسانية قائمة على مسألتين الأولى هي الموضوع الحقوقي على مستوى الفرد والتدخل في حقوقه وخاصة ًحقوق الطفل ويُعد هذا من أنواع الديكتاتورية ومنافٍ للديمقراطية التي يتغنون بها، وأصبح هناك ألوهية الدولة كما يمكن تسميتها بكل ما للكلمة من معنى، كما حدث انحراف كبير في مفهوم العلمانية فهمم يعتبرون الدولة أولاً والعائلة ثانياً ومن هذا المنطلق نفهم الخطوات التي يقومون بها باتجاه طرح الشذوذ الجنسي ومنع الحجاب و... كلها خطوات ما هي إلا لسلخ الفرد عن بيئته وهويته على اعتبار أن الدولة هي مرجعيته الأولى، بمعنى هناك علمانية جديدة وهي جزء من حركة عالمية خطيرة جداً تهدف بشكلٍ أو بأخر لتطبيق موضوع عبودية الفرد للدولة وللفكر العلماني، وفرضه ولو بالقوة، ومن قتل بسيف العلمانية في فرنسا وخاصةً بعد الثورة الفرنسية وباعتراف العديد من الكتاب والمثقفين الفرنسيين أكثر مما قتل بأي حرب خاضتها فرنسا في حالتها الاستعمارية ومن هنا يمكننا القول أن العلمانية تأكل أبنائها وتقتلهم ، فالديمقراطية تقتل أبنائها بسبب الإنحياز الكلي للمفاهيم والخطر المحدق عليهم.
بالنسبة للحجاب والنقاب هو تحدي حقيقي للمجتمع الذي يحاول الانخراط والتعايش مع المجتمع المستضيف وهو المجتمع الفرنسي، لا بد من صيغة تآلف وتعايش مشترك بين الجميع، لأن عدم إيجاد حلول وصيغة مشتركة للتعايش فيما بينهم يمكن أن تشكل خطراً حقيقياً بالنسة للحرب الأهلية الفرنسية وهذا ما شهدناه بالنسبة للسترات الصفر، على كل حال التحديات الفرنسية داخل الحكومة الفرنسية وداخل المجتمع الفرنسي كثيرة ويجب العمل على حلها ، وليس الحجاب المسألة الأكثر أهمية ولكن الأحزاب السياسية الفرنسية تستغل قضايا الهجرة إلى فرنسا لإثارة الخوف منها، فهم يلعبون على أوتار التمييز العنصري الذي يفرق بين أصحاب البشرة البيضاء وأصحاب البشرة السمراء كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
في المحصّلة يختم الدكتور حسان بالقول أن الحكومة الفرنسية أمام تحديات إثبات نقطتين أساسيتين الديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق الإنسان والتعامل مع هذه المواضيع بطريقة إنسانية، بمعنى أن لا تفرض أراءها على الآخرين المخالفين لها بالرأي، والتحدي الآخر هو ما ستصبح عليه العلمانية ودين الدولة الجديدة وهذا ما يمكن ملاحظته وما يمكن استشرافه في المستقبل والذي مما لا شك فيه سيؤدي إلى إراقة الكثير من الدماء والى ظلم الكثير من المجتمعات الموجودة في فرنسا مما يضع فرنسا على فوهة بركان الحرب الأهلية وما شهدناه في الأشهر والسنوات الماضية خير دليل على ما نقوله، ويمكننا القول في ظل هذه التطورات الراهنة وما يمكن أن يحدث في المستقبل هناك خوف من تفكك الدولة الفرنسية الموحدة فكل شيء وارد في عملية التاريخ وفي السنن التاريخية ويبقى الانسان الذي يشكل الانسان الكامل في القرآن الكريم هو انسان واضح المعالم له خصوصياته حتى أن دولة المدينة في زمان رسول الله (ص) تمثل أكبر تكتل بشري متنوع يحافظ فيه على حقوق الآخرين وحقوق الأديان والمذاهب الدينية والمكونات الاجتماعية الأخرى حتى أن سورة الكافرون تبنت مفهوم المواطنة الحقة في القرآن الكريم بمعنى لكم دينكم ولي ديني واحترام حقوق الانسان على مستوى الفرد واحترام الآخرين
على مستوى الكيان.