بين ارتكابات أميركا وفشل كييف.. أوكرانيا الى أين؟
شارل ابي نادر
موقع العهد الإخباري
ربما تأخرت موسكو في ابداء انتقاد صريح لعدم انسانية واشنطن، وذلك على خلفية إعلان البيت الأبيض مؤخرًا عن حزمة جديدة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا. تتضمن هذه المساعدات صواريخ هيمارس وجافلين، ودبابات أبرامز، وأنظمة أسلحة أخرى أبرزها قذائف تحتوي على اليورانيوم المنضب عيار 120 ملم، تطلق من دبابات أبرامز. جاء ذلك بعد أسابيع من النقاش داخل دوائر البيت الأبيض والكونغرس حول كيفية تجهيز دبابات أبرامز التي تقدمها الولايات المتحدة لكييف، لتكون فعالة ضد الدبابات الروسية. والنقطة الملفتة في هذا السياق، هي أن وزارة الحرب الأميركية أبدت ثقتها بأنّ القوات الأوكرانية ستستخدم قذائف اليورانيوم المنضب "بنحو مسؤول".
في الواقع، الكلام عن عدم انسانية واشنطن ليس شيئًا جديدًا أو طارئًا على الساحة الدولية، إذ طالما كانت مصالح واشنطن فوق كل الاعتبارات القانونية والإنسانية، وحروبها على الدول والشعوب دائمًا كانت تتجاوز القانون الدولي وحقوق الإنسان. وقمة الخداع والخبث، هي أن تصرح وزارة دفاعها بأنها على ثقة بأن القوات الأوكرانية ستستخدم قذائف اليورانيوم المنضب بنحو مسؤول، في الوقت الذي تبدأ عدم مسؤوليتها بالأساس من ضمن استراتيجية دعمها لكييف بالأسلحة والذخائر، من خلال تجاوزها للقوانين الدولية وخاصة لقانون الحرب بشكل فاضح، على الأقل في نقطتين:
أولًا: عندما منحت كييف قنابل عنقودية محرمة دوليًا يمتد خطرها في المستقبل، مع وجود صعوبة كبيرة ورغم أكثر التقنيات العالمية تطورًا في انتزاعها وتنظيف المساحات التي تستهدف بهذا النوع من القنابل، مبررة (ضمن دوائرها فقط وليس للخارج طبعا) لجوءها الى هذا الخيار غير الإنساني وغير القانوني، بحاجة كييف والميدان في أوكرانيا إلى سلاح فعال وقادر على خلق أفضلية ميدانية، على الأقل يوازِن التفوق الروسي الذي فرضته وحدات موسكو بمواجهة هجوم كييف المضاد، والذي أعطاه الأطلسي كل الامكانيات المتوفرة دون طائل.
ثانيًا: في منح كييف مؤخرًا قذائف حساسة وخطيرة تحتوي اليورانيوم المنضب، والذي يسبب تلوثًا إشعاعيًا ومعدنيًا طويل المدى، ويسبب استخدامه ضررًا بالصحة، كونه سلاحًا سامًا ومشعًا، فضلًا عن أنّه يحول المناطق الملوثة به إلى مناطق غير صالحة للعيش، ولجوء واشنطن لذلك، أوضحته السفارة الروسية في واشنطن عبر منشورها على "تليغرام": "بأنّ القرار الأميركي دليل واضح على عدم الإنسانية وأن واشنطن مهووسة بفكرة إنزال هزيمة استراتيجية بروسيا، ومستعدة للقتال ليس فقط حتى آخر أوكراني لكن أيضًا للقضاء على أجيال المستقبل"، مضيفة أنّ "الولايات المتحدة تنقل عمدًا أسلحة ذات تأثيرات عشوائية وهي على دراية تامة بالعواقب، حيث انفجار مثل هذه الذخائر يؤدي إلى تشكّل سحابة مشعّة متحركة".
من هنا، يبقى البحث الواقعي ليس في عدم انسانية واشنطن في مقاربتها لكافة الملفات التي تخوضها أو تخلقها حول العالم، بل إن البحث الواقعي هو في محاولة إظهار أهداف واشنطن من هذه القدرات العسكرية التي تدعم بها كييف بطريقة "السيل الذي لا ينقطع"، متخطية بذلك كل الصعوبات والضغوط الداخلية والمالية والتشريعية التي تتعرض لها من دوائرها ومن إعلامها ومن معارضي انخراطها غير الطبيعي في هذه الحرب، ولتكون الأسئلة الأساسية هي:
- ما هي إمكانيات الذخائر والأسلحة التي ستشملها هذه المساعدة العسكرية الأميركية لكييف؟
- كيف يمكن أن تؤثر هذه الأسلحة على طبيعة المعركة الحالية في أوكرانيا؟
- ما هي الإستراتيجية الأطلسية المرتقبة أو التي يخطط لها الناتو في الميدان الأوكراني؟
إلى متى تستطيع واشنطن والغرب الأطلسي متابعة هذه الاستراتيجية على هذا المستوى؟
أولًا: بحسب وزارة الحرب الأميريكة فإن المساعدات الأخيرة لكييف تتضمن معدات لدعم أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، وذخيرة إضافية لأنظمة صواريخ هيمارس، وقذائف مدفعية عيار 155 ملم و105 ملم، وأنظمة وقذائف هاون عيار 81 ملم، وذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب عيار 120 ملم مضادة للدروع تطلق من دبابات أبرامز، كما ستتضمن أنظمة صواريخ جافلين وتاو المضادة للدروع، وأكثر من 3 ملايين من ذخيرة من الأسلحة الصغيرة، وأنظمة الملاحة الجوية التكتيكية، وأنظمة اتصالات تكتيكية، وذخائر لإزالة العوائق، وقطع للغيار والصيانة، بحسب بيان وزارة الحرب الأميركية.
بمراجعة تفصيلية لهذه الأسلحة والذخائر، نلاحظ أنها تقريبًا نفس أنواع الأسلحة التي مُنحت للوحدات الأوكرانية في بداية العملية الروسية في أوكرانيا، في شباط من العام 2022، وخاصة لناحية كثرة الأنواع والنماذج المتعددة من المضاد للدروع، ومن أنظمة الدفاع الجوي أيضًا، بالإضافة لمنظومة هيمارس الصاروخية، وكأنه مؤشر على أن دور هذه الأسلحة هو دفاعي أكثر منه هجوميًّا، مع مؤشر آخر لتأكيد أن المناورة الأوكرانية المقبلة هي دفاعية وليست هجومية، هو لجوء البنتاغون إلى الأسلحة المحرّمة دوليًا (اليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية) والتي مبدأ عملها هو دفاعي محض، حيث لا يطلق عادة أي جيش قذائف فيها يورانيوم منضب وقنابل عنقودية على مساحات ينوي لاحقًا الهجوم والسيطرة عليها، أو حتى استعادتها بحسب تعابير ومفردات هدف الهجوم المضاد الأوكراني الأطلسي.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، هو إلى متى تبقى واشنطن والغرب الأطلسي قادرين على متابعة هذه الاستراتيجية على هذا المستوى؟
أصبح من الواضح للجميع، سواء في الشرق أو الغرب، في روسيا أو أوكرانيا، أن هناك استحالة لهزيمة روسيا في أوكرانيا أو فرض سيطرة أطلسية عليها. إن استنزاف روسيا، حتى لو كانت تعتبر هدفًا أساسيًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، سيسبقه وقد سبقه حاليًا استنزاف أوكرانيا بداية، واستنزاف "الناتو" والغرب الأطلسي أيضًا، وفقدان الأخير للخيارات الممكنة التي أصبحت ضيقة جدًا، ودفعته للجنوح نحو استعمال أسلحة محرّمة دوليًا، هي خير دليل على عقم هذه المواجهة الغربية لروسيا. الحل السياسي يبقى السبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع، مع إقرار الغرب بأهمية التوصل إلى تسوية تحفظ الحقوق الطبيعية والتاريخية للشعبين الروسي والأوكراني، وتقديم ضمانات أمنية واستراتيجية فعلية وحقيقية لكل الأطراف المشاركة في هذه الحرب.