الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وعشرون - ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وعشرون - ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

في ذكراه الرابعة والأربعين..

آية الله طالقاني.. رجل التنوير ومناهضة الاستبداد

الوفاق / وكالات - يُعد آية الله محمود طالقاني، من الشخصيات النخبوية المهمة التي عرفها تاريخ إيران المعاصر، وقد كانت له في حياته القصيرة نسبياً صولات وجولات في عالم السياسة والفكر، و بينه وبين القرآن صلة عميقة أنتجت تفسيراً معاصراً يمتاز بالمباشرة والواقعية والرغبة في معالجة وقائع الحياة على ضوء القرآن الكريم، ولهذا اعتُبر اية الله طالقاني إحيائياً يستهدي بهدي القرآن في نشاطه العلمي والدعوي والتبليغي. سنعرض في هذه المقالة إطلالةً مختصرة على سيرة هذا  العالِم المجاهد، الذي كان للإسلام بمثابة أبي ذرّ الغفاريّ، أحد مؤسّسي الكفاح المسلّح ضد النظام الشاهنشاهي
الديكتاتوري.
وُلِد آية الله السيد محمود طالقاني في إيران عام ۱۹۱۱، في أسرة علمائية فوالده "أبو الحسن طالقاني" عالم دين، وقد عاصر مراحل مهمة من المراحل التي مر بها تاريخ إيران المعاصر، هي المرحلة الأخيرة من مرحلة الدولة القاجارية وسقوطها عام 1925، ومرحلة البهلوية بعهديها، عهد رضا شاه ونجله محمد رضا شاه، وقد عاشت إيران في هذه المراحل أوضاعاً مضطربةً نتيجة الصراعات بين القوى والتيارات والأحزاب الإيرانية المختلفة، فضلاً عن الصراع الدولي حول إيران بسبب ما تمتلكه من ثروات طبيعية وموقع استراتيجي مهم، وقد أسهم طالقاني بالوقوف فكرياً وسياسياً ضد تسلط النظام البهلوي والنزول إلى الشارع لمشاركة الناس فيما عانوه من هذا النظام، كما أنه مؤسس حركة حرية إيران التي قادت النضال السياسي في إيران (1961-1979)، وعند انتصار الثورة الإسلامية في شباط 1979 تقلد عدة مناصب منها عضوية مجلس الثورة، وهو أول إمام جمعة في طهران وكذلك أحد الخبراء الذين ساهموا في كتابة أول دستور إيراني بعد انتصار الثورة، وبقي يمارس نشاطاً سياسياً واجتماعيا ًحتى وفاته في أيلول عام 1979م.
الشخصية العلمية للطالقاني
 على الرغم من طغيان الشخصية السياسية-الجهادية لأية الله طالقاني، والتي استطاعت أن تدفع الوجه العلمي لهذا العالم حتى عن بعض رجال الثورة، إلاّ أنّه كان مجتهداً درّس العلوم الإسلامية جيداً في طهران والنجف الأشرف، كما كان ذا اطلاع على المعارف الإسلامية والقرآنية محيطاً بها.
ومن خصائص شخصيته أنه كان يحظى بقلم فاخر، يتمتّع بحس سياسي، واجتماعي رفيع، ويتحلى بحلم وسعة صدر كانا مضرب مثل للآخرين، مضافاً إلى بقية خصاله كالتواضع والقناعة والبساطة الذاتية في العيش.كذلك له قراءات واسعة في مجالات مختلفة منها التاريخ القديم، وتاريخ إيران المعاصر، ومنطقة الشرق الأوسط، كما يبدو ذلك واضحاً في حصيلة كتاباته وأحاديثه. غير أنّه لم يكتفِ مطلقاً بالدرس الحوزوي وحده، بل كانت له قراءات ممتدّة في العديد من المجالات.
آية الله طالقاني وكتاب الله
لقد ركّز سماحته في تفسيره على الجانب الحركي الاستنهاضي وعلى الجانب العلمي، خاصةً ما تركه في مجلّدات "قبس من القرآن" فكان العلم هو العنصر الأهم في النهضة والقرآن هو أساس النهضة وقاعدتها.
لا ريب في أنّ الجزء الأساس من التوفيق الذي حظي به السيد طالقاني يعود إلى بُعده الديني والعلمائي، فهذا العالِم الذي نال ثقة الناس أمضى نصف قرن تحدّث فيه عبر المنبر ومحراب الصلاة، عن قرآنٍ آمن به وعرف أثره.
لقد أمضى آية الله طالقاني شطراً مهمّاً من حياته السياسية والجهادية في السجون والمنافي، إذ كان لهذه المقاطع الصعبة دورها المؤثّر في تكوين شخصيته وتنمية تجربته.
وكانت مرحلة السجن بالنسبة إليه مرحلةً بنّاءة، وهو استطاع أن يحوّل السجن إلى جامعة، وأرسى قواعد درس قرآني ثلاث ليالٍ في الأسبوع، وأفاد من السجن في تدوين عدّة مجلّدات من تفسير "قبس من القرآن" كما استكمل تأليف كتاب "الإسلام والملكية".
ولم يقتصر الأمر على تفسير القرآن وحده، بل وظّف سماحته بعض المجالات الدينية الأخرى للتفاعل، إذ استطاع إلقاء عدد من الدروس في "نهج البلاغة" وتدوينها في المعتقل أيضاً.
محاربة التغلغل الشيوعي بين صفوف الشباب
لا بدّ من القول إنّ مجتمع الشباب، ومسجد "هدايت" والسجن هي المنطلقات الأصلية الثلاثة لتفسير آية الله طالقاني. فهو بعد نيله شهادة تدريس الفقه والأصول وارتدائه العمامة، سار على خطى والده وبدأ بتنظيم جلسات حوار أسبوعية مع الشباب وخاصةً في جامعة طهران، وانتهز  فرصة عقد هذه الجلسات والمقابلات لطرح أرائه ووجهة نظره حول الواقع الذي يعيشه المجتمع الإيراني، ودعا إلى ضرورة تغييره عبر تعاون الشعب مع رجال الدين، فهو كان يؤمن بأن المؤسسة الدينية هي وحدها القادر على تغيير الوضع الذي كان تعيشه إيران.
وقد شكل العام 1942 بداية ولوج الطالقني في خضم الصراعات السياسية والفكرية في إيران وكان ذلك ردة فعل على انتشار ونفوذ الفكر الشيوعي داخل أوساط المجتمع الإيراني، إذ أدرك  حجم التحديات التي تواجه المجتمع الإيراني لا سيّما وأنه أصبح ساحةً خصبةً لتغلغل الأفكار ومنعها التغلغل إلى أذهان وعقول المجتمع لا سيما الشيوعية، لذلك انبرى طالقاني مع علماء الدين الآخرين للتصدي لتلك الأفكار ومنعها من التغلغل إلى أذهان وعقول المجتمع لا سيّما الشباب منهم بسبب ضعف وعيهم الديني، وكان القرآن الكريم الوسيلة التي استخدمها طالقاني للتأثير على هؤلاء الشباب إذ حاول محاكاة عقول الشباب عبر اتباع أساليب أكثر حداثةً في تفسير القرآن وفهم معانيه السامية ولم يتوقف عند تفاسير من سبقه من العلماء، بل حاول إعطاء تفسير ينسجم والتطورات الحديثة التي يشهدها العالم ومنها إيران. واستخدم طالقاني القرآن الكريم وتفسيره وسيلة لدحض الطروحات الفكرية التي جاءت بها الشيوعية والتي حاولت التشكيك بقدرة الدين على تخليص المجتمع الإيراني من مشاكله.
مسجد "هدايت" المنطلق والقاعدة الأساسية
لقد بلغ اهتمام طالقاني بتعليم الفتيان وتربيتهم ذروته فيما بعد، وتجسّد بتأسيس مدرسة "كمال الإسلامية". لقد نهض آية الله طالقاني بإمامة جماعة مسجد مهم وهو مسجد "هدايت" في "قناة آباد" وذلك بعد عودته من قم سنة (۱۹۳۹م) إذ بدأ بالتفاعل مع جمهوره عبر إمامة الصلاة والمنبر. في مناخات ذلك العصر الذي انطلقت فيه السياسة العالمية التوسعية ومعها أنظمتها الداخلية التابعة، للحؤول دون نفوذ الأفكار الثورية والإنسانية، ومنع تعاليم القرآن والإسلام، وفي ظلّ هذه الأجواء بدأ آية الله طالقاني يبرز في الأوساط بوصفه شخصية مجاهدة، وكان على مدار هذه السنوات موضع ثقة المجاهدين، حيث كان هؤلاء ينهلون من درسه التفسيري. وقد كان لهذه الجلسات أثر بالغ بحيث صار مسجد "هدايت" بين سنتي (۱۹٦۱-۱۹٦۲م) موئلاً لحضور المئات بل الألوف من المتطلّعين للنهضة الإسلامية الجديدة، الذين راحوا ينهلون من خطابات آية الله طالقاني ودروسه، خاصة أنه كان ينتقد الجهاز الحاكم نقداً صريحاً في أغلب خطاباته خلال تلك المرحلة. ومن المهم القول إنّ أول عمل مسلح قام به السيد نواب صفوي وزملاؤه في عام (۱۹٤۱م) انطلق بتأثير تلك المحاضرات القرآنية لآية الله طالقاني، لذا يمكن القول بجرأة إنّ التفسير طالقاني للقرآن أرسى أصول المقاومة وإنّ التعاليم الإسلامية والقرآنية الأصيلة أسهمت مع عوامل أخرى في ضرب مرتكزات النظام الملكي البائد وانهياره.
أبو ذر زمانه
مضافاً إلى ما تجرّعه آية الله طالقاني من سجون ومنافٍ كثيرة، فقد اكتسب لقب "أبو ذر عصره" نظراً لروحيته الثورية وجهاده، وأيضاً للتأثيرات الكبيرة التي تركها على أكثر الجماعات المقاومة حماسةً في ذلك الوقت، وأوسع درجات الحماية التي بذلها، وأهم أنواع الدعم الذي قدّمه لتلك الجماعات، فقد كان هناك معرفة وصلة بينه وبين زعيم منظمة فدائيان إسلام، الشهيد نواب صفوي وأعضائها الأساسيين، الذي حضروا دروسه في التفسير ومنهم الشهيد محمد علي رجائي والشهيد مصطفى شمران، وقد شكل هذا المسجد منطلقاً لنشاط منظمة "فدائيان إسلام" ومن مراكزها إبّان مرحلة نشاطها، وقد أفاد الطلبة والمتديّنون من جلسات تعليم القرآن في المسجد، كما من تدوين تفسير "قبس من القرآن" بعد ذلك.
الدفاع عن فلسطين
لم ينس طالقاني في خطبه الخوض في المشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي لا سيّما قضية فلسطين، فبعد إعلان قيام الكيان الصهيوني، شن طالقاني سلسلة من الهجمات  ضد السلطة المركزية في إيران بسبب موقفها المؤيد للكيان الصهيوني، عاداً قضية فلسطين القضية المركزية للعالم الإسلامي وليست قضية الوطن العربي فقط، وقد ركز في خطاباته حول هذه القضية على استنكار قمع الشعب الفلسطيني وإيصال صرخته إلى العالم بأكمله، وعلى فضح دور النظام البهلوي المخطئ في تعاونه مع الكيان الصهيوني، وتنظيم المؤتمرات والندوات لنصرة الشعب الفلسطيني، وجمع المساعدات المالية للشعب الفلسطيني، وقد استغل طالقاني كل فرصة في جميع الأماكن والمساجد أو في الندوات معلناً استنكاره لموقف الحكومة الإيرانية الداعمة للكيان الصهيوني موضحاً أن موقف الشعب الإيراني متضاد مع موقف حكومته، فهو مع حقوق الشعب الفلسطيني وضد الامبريالية والصهيونية، وبالرغم من الأجزاء التي كان يعيشها رجال الدين في إيران ومنعهم من المشاركة في الشؤون السياسية والاجتماعية بسبب المضايقة التي يتعرضون لها من قبل الحكومة إلا أن الشيخ طالقاني وأية الله كاشاني لم يقفا مكتوفي الأيدي بل عملوا بجهد واجتهاد مع الشعب الفلسطيني عبر جمع الأموال والمشاركة في المؤتمرات الدولية وإلقاء الخطب المناهضة للصهيونية.

 

البحث
الأرشيف التاريخي