المشهد الملتبس في مسار التطبيع بين السعودية و«إسرائيل»
وسام أبوشمالة
كاتب ومحلل سياسي
تشهد المنطقة عدداً من التحركات المعلنة وغير المعلنة ومساع أميركية وإسرائيلية لدفع مسار التطبيع بين العدو الإسرائيلي والمملكة السعودية، بيد أن الأطراف الرئيسية المتصلة بملف التطبيع في المنطقة تدرك أن المعادلة التي أفرزت "اتفاقات أبراهام" بين العدو ودولتي الإمارات والبحرين، وأثمرت عقد منتدى ضم ممثلين عن دول التطبيع والولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي. كما رفعت مستوى العلاقة بين الأخير والمغرب، ما زالت عناصرها ومركباتها غير متفاعلة بالشكل الذي يؤدي إلى بلورة اتفاقية جديدة طرفها الآخر السعودية، الأمر الذي يشير إلى أن الأسئلة التي تطرح عن مدى جدية التحركات وقدرتها على تذليل العراقيل والعقبات أمام طريق الاتفاق بين العدو والمملكة برعاية أميركية أكثر من الإجابات، على نحو يبقي المشهد ملتبساً.
وما يرفع مستوى الالتباس هو التحول في موقف قيادة السلطة الفلسطينية التي اتخذت مواقف حادة حيال "اتفاقيات أبراهام"، انسجاماً مع معادلة التسوية التي رسمها محمود عباس، والتي نصت على أن الاتفاق على نهاية الصراع بين العدو ومنظمة التحرير الفلسطينية سيتبعه تطبيع الدول العربية والإسلامية مع العدو، وليس العكس، إلا أن "اتفاقيات أبراهام" قلبت المعادلة رأساً على عقب، ما أدى إلى أن تستشيط السلطة ورئيسها غضباً وحنقاً على الدول الموقعة عليها، ولا سيما دولة الإمارات، بيد أن مواقف السلطة تجاه مساعي العدو وإدارة بايدن لضم السعودية إليها اختلفت كلياً، ما أثار التساؤلات وعزز الالتباس في المشهد القائم.
ما هو بعيد عن الالتباس أن إدارة بايدن متحمسة بشكل كبير لعقد اتفاق تطبيع بين العدو والمملكة، وذلك قبيل إطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية بعد نحو عام، ما يحسن فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات، ويعزز ترشح بايدن لولاية جديدة.
ثمة التباس في قدرة إدارة بايدن على صياغة معادلة قادرة على تجاوز العقبة الفلسطينية في ضوء تمسك السعودية بضرورة ضمان عدم معارضة السلطة الفلسطينية للمسار منذ بدايته وحتى إنضاجه، ومدى تجاوب السلطة مع المسار في حال كان المعروض أميركياً والمقبول إسرائيلياً أقل من الحد الأدنى الذي تقبله، والتباس في إمكانية استعادة الثقة بين نتنياهو وغانتس، وموافقة الأخير على الانضمام إلى حكومة نتنياهو في ضوء الخلافات حول التعديلات القضائية، ورهانه على إسقاط حكومة نتنياهو وتقديم موعد الانتخابات في ظل ارتفاع حظوظه في استطلاعات الرأي التي رفعت أسهم حزبه ليصبح الحزب الأول بحسب عدد من الاستطلاعات، ومدى قدرة نتنياهو على تجاوز المعارضة داخل حزبه الليكود ورفض عدد من أقطابه تقديم "تنازلات" للسلطة الفلسطينية حتى ولو بثمن اتفاق تطبيع مع السعودية.
على الرغم من تلك الالتباسات، فإن الشروط السعودية ما زالت تشكل العقبة الرئيسية أمام اتفاق التطبيع، فهل توافق حكومة نتنياهو على قيام الولايات المتحدة بمساعدة السعودية في إنشاء مفاعل نووي سلمي، في ظل معارضة علنية أبداها يائير لبيد وغيره، وعدم وضوح الموقف السياسي والأمني للعدو، الرافض تقليدياً حصول دولة عربية أو إسلامية على التكنولوجيا النووية حتى يحافظ على تفوقه العسكري في المنطقة، والذي يخشى عدم استقرار الأنظمة الحاكمة، ويخاف من وصول أنظمة معادية للحكم في المستقبل وسيطرتها على التكنولوجيا النووية؟
وهل تخضع الولايات المتحدة للشرط السعودي بعدما بدأت المملكة باللعب بأوراق دولية وإقليمية مختلفة، ولا سيما الصين وروسيا وإيران، بعدما استعدت الصين للمساعدة في إنشاء مفاعل نووي سلمي ومجالات تعاون أخرى.
أما الشرط السعودي الأكثر تعقيداً، فهو مطالبة المملكة بتوفير شبكة أمان، من خلال تعهد الإدارة الأميركية بالتعامل مع أي هجوم معادٍ ضد السعودية مثلما تتعامل مع هجوم مماثلٍ على دولة عضو في حلف الناتو، وهو ما يعتبر أصعب الشروط.
إن الموقف السعودي التقليدي غير المنسجم مع الإدارة الأميركية الحالية بقيادة بايدن، ولا سيما في ضوء الانتقادات التي تعرض لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الإدارة الديمقراطية ومن بايدن شخصياً على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والانتقادات الأميركية في ملفي الحريات وحقوق الإنسان، وصعوبة استجابة إدارة بايدن للشروط السعودية، يؤشر إلى أن القيادة السعودية ستكون أكثر حذراً تجاه تعزيز فرص إدارة بايدن في الانتخابات المقبلة.
كما أن المملكة ستراهن بشكل أكبر على فوز مرشح الحزب الجمهوري. وسواء كان ترامب أو غيره، فإن مساحة الاتفاق والتفاهم ستكون أكبر وأكثر اتساعاً من الإدارة الحالية، الأمر الذي يشير إلى أن القيادة السعودية تناور بورقة التطبيع لا أكثر، وتضع شروطاً شبه تعجيزية أمام توقيع "اتفاقية أبراهام" جديدة، ونحن نقدر أن احتمال نجاح إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية والكيان ما زال محدوداً.