بينما تتساقط أحجار الدومينو الفرنسية الواحدة تلو الأخرى
هل نحن أمام تشكل حلف عسكري مناوئ للسياسات الغربية في افريقيا؟
الوفاق/ خاص
جميل رحال
شهدت غرب أفريقيا سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بحكومات العديد من الدول كـ مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر، و هذه الانقلابات أثارت انتقادات عدة دول غربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، اللتان تعتبران نفسيهما شركاء استراتيجيين لهذه الدول. لكن الانقلابيين وأنصارهم يرون أن لفرنسا والغرب دورًا سلبيًا في تأزيم الأوضاع في غرب أفريقيا، متهمين إياهم بالتدخل في شؤونهم الداخلية والإبقاء على نظام اقتصادي وسياسي يخدم مصالحهم على حساب مصالح الشعوب الأفريقية. كما يشعرون بالإحباط من عدم تحقيق التنمية والديمقراطية التي كانوا يأملونها من هذه الأنظمة التابعة للغرب.
تساقط أحجار الدومينو
في مالي، قام جنود بالإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس/آب 2020، بعد احتجاجات شعبية على فساد حكومته وفشله في مواجهة التمرد المسلح في شمال البلاد. وأعادوا ذلك في مايو 2021، عندما اعتقلوا رئيس الانتقال باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، احتجاجًا على تشكيل حكومة جديدة دون مشاركتهم. هذه الانقلابات أثارت غضب فرنسا، التي تقود قوة عسكرية تضم 5 آلاف جندي تحت ذريعة محاربة الجماعات المتطرفة في مالي والدول المجاورة. فأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يونيو 2021 عزمه إنهاء عملية برخان، التي بدأت في 2013، وإعادة هيكلة التعاون الأمني مع دول الساحل.
و في بوركينا فاسو، أقدم عدة قادة من الجيش بعزل الرئيس روش مارك كابور في يناير/كانون الثاني 2022، بعد احتجاجات شعبية على تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في ظل هجمات مستمرة من جماعات مسلحة. و كان كابور مدعوم من قبل فرنسا والولايات المتحدة لجهوده في تعزيز نفوذهما في المنطقة، و اتهم الانقلابيون كابور بالخضوع للضغوط الخارجية والتخلي عن مصالح بوركينا فاسو. وأعلنوا عزمهم على تشكيل حكومة وطنية تضم ممثلين عن جميع القوى السياسية والاجتماعية.
و غينيا أيضاً لم تكن بمنأى عما يحصل، فقد قام عسكريون بالإنقلاب على الرئيس ألفا كوندي في سبتمبر/ايلول 2021، بعد احتجاجات شعبية على تغييره للدستور للسماح له بالترشح لولاية ثالثة. و كان كوندي قد فاز بانتخابات مثيرة للجدل في أكتوبر 2020، رغم اعتراضات المعارضة.
و مؤخرًا، شهدت النيجر انقلابًا عسكريًا، حيث قام عدد من ضباط الجيش النيجري بخلع الرئيس محمد بازوم في يوليو/تموز 2023، بعد احتجاجات شعبية على فشله في حل الأزمة الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.حيث كان بازوم قد فاز بانتخابات في فبراير 2020، رغم ادعاءات المعارضة بوجود تزوير. وكان بازوم يحظى بدعم فرنسا بشكل كبير نظرًا لما لجهوده المبذولة في محاربة الجماعات المسلحة التي تهدد استقرار منطقة الساحل على حد وصفهم، لكن الانقلابيين اتهموا بازوم بالخضوع للتأثير الفرنسي والغربي والإضرار بسيادة وكرامة النيجر. وأعلنوا عزمهم على تشكيل حكومة ائتلافية تضم ممثلين عن جميع التيارات.
و أخر الإنقلابات الإفريقية هو انقلاب الغابون، و الذي حدث في 30 أغسطس/آب 2023، حيث قامت مجموعة من ضباط الجيش في الغابون بانقلاب عسكري للإطاحة بالرئيس علي بونغو أونديمبا، الذي فاز بفترة رئاسية جديدة في انتخابات مثيرة للجدل. و أعلن الضباط على التلفزيون الوطني أنهم ألغوا نتائج الانتخابات وأغلقوا الحدود وحلوا جميع مؤسسات الجمهورية، بما في ذلك البرلمان والمحكمة الدستورية. و بالطبع سارعت فرنسا و الغرب "بداية" إلى التنديد بهذا الإنقلاب الذي قد يسقط حجراً آخر من أحجارها في إفريقيا. إلا أنه لا يمكننا التسرع حالياً في إصدار الحكم على هذا الإنقلاب و أهدافه وتوجهاته، لاسيما أن مواقف الدول الغربية منه، وتحديداً فرنسا، متباينة عن مواقفها من الإنقلابات الأخرى. على أي حال وبشكل عام، يمكننا القول أن هناك نزعة معادية للغرب وتحديداً لفرنسا لدى العديد من الدول الإفريقية، وذلك نظرًا للممارسات الاستعمارية التاريخية والمعاصرة تجاه هذه الدول.
انقسام أفريقي
وفي ظل الأزمة السياسية التي تشهدها النيجر بعد الانقلاب العسكري، تباينت مواقف الدول الأفريقية من هذا الحدث. فبينما أدانت منظمة التعاون الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) الانقلاب -تحت ضغط فرنسي ينفذ أجندته كل من نيجيريا وساحل العاج والسنغال-، وفرضت عقوبات على المجلس العسكري الحاكم وهددت بالتدخل العسكري لإعادة الشرعية، فإن بعض الدول رفضت بشكل قاطع أي تدخل عسكري في النيجر مثل غينيا وتشاد حيث أعلنتا عدم مشاركتهما في أي عملية عسكرية وأنهما تؤيدان حل سلمي للأزمة. أما مالي وبوركينا فاسو اللتان شهدتا أيضا انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة مشابهة للإنقلاب الذي حصل في النيجر، فقد مضيتا أبعد من ذلك و أعلنتا دعمهما للانقلاب وتضامنهما مع النيجر في حال تعرضت لأي هجوم. وفي بيان مشترك، أعلنت هذه الدول عن تشكيل تحالف استراتيجي مع النيجر لمواجهة التهديدات المشتركة، وأكدت أن أي اعتداء على سيادة وأمن النيجر سيعتبر اعتداء على سيادة وأمن كل منها، ولم تكتفيا بذلك فقامتا بنشر طائرات حربية في النيجر تنفيذًا لتعهداتهما بالوقوف إلى جانب نيامي، كما أجرى وزيرا خارجية بوركينا فاسو ومالي محادثات مع زعيم الانقلاب في النيجر الجنرال تشياني في نيامي. وأكدت الدولتان في بيان مشترك على دعمهما للشعب النيجري والحكومة الانتقالية. وأعلنتا عن تعاونهما الأمني مع النيجر لمواجهة التهديدات الإرهابية في المنطقة وحماية الحدود المشتركة. وحذرتا من أن أي تدخل عسكري خارجي في النيجر سيكون عدوانا على سيادتها ووحدتها، وسيؤثر سلبا على استقرار غرب إفريقيا.
بوادر تشكيل حلف جديد
ومع هذا الانقسام الحاصل في إفريقيا بين الدول التي تسعى لتنفيذ الأجندة والسياسات الغربية الفرنسية في المنطقة -عبر منظمة ايكواس الاقتصادية- متمثلة بكل من نيجيريا وساحل العاج والسنغال، وبين الدول التي شهدت انقلابات عسكرية تحمل نزعة معادية للغرب كبوركينا فاسو ومالي والنيجر، يبدو أننا نشهد تشكيل حلف عسكري جديد مناوئ للسياسات الغربية في إفريقيا، ويرمي إلى تحقيق مصالحه الخاصة دون الخضوع للضغوط الدولية. ولا يمكن الإدعاء بأن هذه الإنقلابات أو الحلف الجديد، يتشكل بتدبير من دول خارجية، أو أن هؤلاء الإنقلابيين ينفذون سياسات خارجية معينة، فعلى الرغم من حضور قوات فاغنر الروسية في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية، أو رفع الأعلام الروسية والتركية في المظاهرات المؤيدة للانقلاب في النيجر، إلا أن هذه المؤشرات وغيرها لا تشير سوى إلى أن القوى الإنقلابية الجديدة تسعى للاستفادة من تغير موازين القوى في العالم والاستعانة بالشركاء الجدد الذين بدأوا بتوجيه اهتمامهم نحو إفريقيا كروسيا والصين وتركيا وغيرها.
و الأهم من ذلك أن وجود هذا التحالف العسكري الجديد بين بوركينافاسو و مالي و النيجر قد يكون عاملا محفزاً للقوى المعادية للغرب في إفريقيا، -خصوصاً إذا نجح في ردع منظمة التعاون الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) و من خلفها فرنسا و الغرب عن القيام بأي عمل عسكري ضد النيجر- على محاولة تنفيذ انقلابات مشابهة في دول أخرى، تستهدف المصالح الفرنسية و الغربية.