انقلاب الغابون.. وداعًا للحديقة الفرنسية الاستوائية
زينب عقيل
كاتبة ومحللة سياسية
باسم الشعب الغابوني... لقد قررنا الدفاع عن السلام من خلال وضع حد للنظام الحالي". هكذا افتتح ضباط الانقلاب في الغابون إعلانهم عن الانقلاب الثامن في غرب ووسط أفريقيا منذ العام 2020. وعبر شاشة التلفزيون الوطني، أعلنوا الاستيلاء على السلطة، وأنّ نتائج الانتخابات قد ألغيت، وتمّ إغلاق جميع الحدود حتى إشعار آخر، وحلّ مؤسسات الدولة. وبينما كان أحد الضبط يقرأ البيان المشترك على شاشة التلفزيون، وقف نحو عشرة آخرين خلفه في زيهم العسكريّ معتمرين القبعات. وأعلنوا عن أنفسهم أعضاء في "لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات". وتشمل مؤسسات الدولة كافة من حكومة ومجلس الشيوخ، والجمعية الوطنية، والمحكمة الدستورية، وهيئة الانتخابات. هذه الدولة الإفريقية الغنية بالنفط واليورانيوم والكاكاو هي عضو في منظمة أوبك، لكنها كباقي الدول الإفريقية التي تسيطر عليها فرنسا منذ إعلان استقلالها أي قبل أكثر من 60 عامًا، هي دولة فقيرة. وعلى الرغم من المزاعم الفرنسية برعاية هذه الدول لتحقيق الديموقراطية، إلا أن انتخابات الغابون التي أشعلت شرارة الانقلاب، حصلت تحت ظروف قطع الانترنت وحظر التجول وتعليق بعض البثّ الأجنبي وغياب المراقبين الدوليين، ليربح علي بونغو أونديما بولاية ثالثة تُمدّد قبضة أسرته على السلطة منذ 56 عامًا. وكانت قد انكشفت هشاشة هذه السلالة التي تعتبر من أطول السلالات السياسية عمرًا في العالم، منذ عام 2019، عندما حاول الجيش الانقلاب عليها
لكنه فشل.
الانتفاضة على نتائج الانتخابات غير عفوية
الواقع أن هذا الانقلاب لم يكن مفاجئة، فالمؤشرات السكانية تقول إن بونغو لم يعد مقبولًا من الشعب، والمعارضة كانت قوية جدًا هذه المرة. وكانت هناك أيضًا مشاحنات بينه وبين فرنسا لدرجة أنّ أحد المتحدثين قال قبل يومين على التلفزيون الوطني "إن هناك محاولة انقلاب دبرها ماكرون مع المعارضة". وفي وقت سابق قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن إن باريس تتابع الأحداث في الغابون "بأكبر قدر من الاهتمام". لكنّ المتحدّث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران قال إن باريس تدين الانقلاب وتريد احترام نتيجة الانتخابات في الغابون. وقال مارك بورسي، الذي قدمت شركته للعلاقات العامة BTP Advisors المشورة لبونغو في حملة إعادة انتخابه "أرى أن الرسائل قد تلقاها شخص ما"، مشيرًا إلى أن هواتف جهات الاتصال الخاصة به ظلت قيد التشغيل. وقال بورسي إن توقيت التمرد، بعد وقت قصير من إعلان نتائج الانتخابات، يشير إلى أنها لم تكن انتفاضة عفوية.
وكما هو الحال في المستعمرات الفرنسية السابقة الأخرى، قال بورسي إن استطلاعات الرأي التي أجرتها شركته على مدى الأشهر ال 18 الماضية أظهرت أن فرنسا لا تحظى بشعبية كبيرة بين غالبية الغابونيين. وقال: "عندما تسأل عامة السكان، لديهم رأي سيء للغاية عن فرنسا والجغرافيا السياسية الفرنسية أيضا".
الغابون.. الحديقة الفرنسية الاستوائية
كانت الغابون بالإضافة إلى توغو، بمثابة الفناء الخلفي لفرنسا. تحكمها سلالات ديكتاتورية تدعمها باريس لتحافظ على مصالحها في البلاد، حيث يرث الزعماء السلطة من آبائهم الذين استخدموا العلاقات مع فرنسا لسحق التمردات والحفاظ على قبضة محكمة على السلطة. وهذا هو أسلوب إدارة فرنسا لمستعمراتها السابقة المعروفة مجتمعة
باسم "La Françafrique".
إلى ذلك، نظرة سريعة حول العاصمة ليبرفيل تطرح السؤال عما إذا كانت قد انفصلت عن الحاكم الاستعماري السابق. لا يزال التأثير الفرنسي يتخلل كل صدع وشق في الحياة الغابونية من اللغة إلى وفرة الكرواسون الطازج في المخابز وسباقات الخيول في باريس التي تظهر على شاشات التلفزيون بينما يحتسي المقامرون البيرة الفرنسية."الفرنسيون في وطنهم في الغابون، لديهم متاجرهم ومطاعمهم"، تقول مديرة حانة غابونية مخصصة للفرنسيين وممنوعة على الغابونيين. وتضيف: "يعتقدون أنهم في فرنسا".
استعمرت فرنسا الغابون رسميًا في عام 1885 وأصبحت جزءً من غينيا الاستوائية الفرنسية. وعندما جاء الاستقلال، عاملت فرنسا الغابون بشكلٍ مميز، بسبب ثروتها من اليورانيوم التي كانت أساسية لبرنامج فرنسا النووي.
الغابون الغنية بالنفط واليورانيوم، يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، ولطالما كان من المستحيل أن تنصّب رئيسًا من دون موافقة فرنسا. ولكن عندما يضطر المعارضون فيها للذهاب إلى المنفى، فإنهم (كانوا) يجدون ملاذًا في فرنسا. ويعتبر كامب ديغول، إحدى القواعد العسكرية الفرنسية الأربع في إفريقيا، مع ما يقرب من 400 جندي بحسب ما هو معلن.
تراجع فرنسي لصالح المستثمرين الآسيويين
بعد عام 2009، لم يعد لدى فرنسا التأثير نفسه في الغابون، وهو ما صرحه مصدر أمني فرنسي في ليبرفيل. وبعد أكثر من عقد من الزمان، خسرت فرنسا أرضها اقتصاديًا لصالح المستثمرين الآسيويين بشكل أساسي، الذين استولوا على قطاعات استراتيجية مثل قطع الأشجار أو إدارة الموانئ، وفي المنطقة الصناعية، ظهرت المباني والفنادق الصينية بشكل متزايد. وفي عام 2014، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول.