فی ظل انخفاض سندات الخزانة الأميركية لديها
هل تسارع دول الخليج الفارسي بعملية التخلص من الدولار؟
تراجعت ممتلكات المملكة العربية السعودية من سندات الخزانة الأمريكية إلى أدنى مستوى لها في أكثر من ست سنوات خلال شهر يونيو/حزيران، حيث بدأت المملكة في تحويل توجهها نحو أصول عالية المخاطر. كما قامت بعض الدول التي تمتلك حصصًا كبيرة من سندات الخزانة الأمريكية ببيع جزء ليس بالقليل من هذه السندات، مما يشير إلى اتخاذها خطوات لتنويع استثماراتها بعيدًا عن الدولار الأمريكي الرئيسي.
دول الخليج الفارسي تتخلى عن السندات الأميركية
قامت المملكة العربية السعودية، أكبر مستحوذة في منطقة الشرق الأوسط على ديون الحكومة الأمريكية، ببيع أكثر من 3 مليارات دولار من حصصها خلال شهر يونيو/حزيران، مما أدى إلى تراجع إجمالي ممتلكاتها في السندات الأمريكية إلى 108.1 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ ديسمبر/كانون الأول 2016، وفقًا لبيانات حكومة الولايات المتحدة التي جمعتها وكالة "بلومبرغ" مؤخرا.
و بالمثل، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة ببيع نحو 4 مليارات دولار من السندات في شهر يونيو/حزيران، مما أدى إلى تراجع إجمالي حصصها إلى 65.2 مليار دولار كثاني أكبر حائز في منطقة الشرق الأوسط. تتماشى هذه الاتجاهات مع خطط دول الخليج الفارسي لتحويل استثماراتها نحو فرص ذات مخاطر أعلى وعوائد أعلى، بما في ذلك مشاريع للتنويع بعيدًا عن الاعتماد على النفط كمبادرات محلية لتشجيع الاستثمار المباشر الأجنبي. و قد شهدت المملكة العربية السعودية تراجع ممتلكاتها من سندات الخزانة الأمريكية بنسبة 41% منذ أوائل عام 2020، و حولت الإنفاق إلى مجموعة متنوعة من الأصول في تلك الفترة بما في ذلك Lucid Group وشركة Uber Technologies ونادي نيوكاسل يونايتد.
ويرتبط هذا التحول بنسبة 40% من الحصص الخارجية للمملكة في الأصول ذات المخاطر في نهاية عام 2022، حسبما ذكرت بلومبرغ. وأوضحت "مونيكا مالك"، رئيسة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، أنه "من الناحية التاريخية، كانت المملكة العربية السعودية تحتفظ بمعظم احتياطياتها في سندات الخزانة الأمريكية"، ولكن مع استراتيجية التنويع "رؤية 2030" التي تدعمها صندوق الثروة السيادي للبلاد، يتم إعادة توجيه الاستثمارات داخليًا. وأضافت أن إيرادات النفط تغذي هذه المشاريع.
تشمل هذه التدفقات الجديدة من الاستثمار مشاريع ضخمة مثل مدينة نيوم بتكلفة 500 مليار دولار، واستثمارات كبيرة مثل الإعلان عن إنفاق قدره 266.4 مليار دولار من قبل وزير الطاقة في البلاد في يناير لتوليد الطاقة النظيفة في المملكة.
تهديدات يواجهها الدولار
و في حديث لنعيم أسلم، مسؤول الاستثمار في أسواق "زاي كابيتال"، لـ "المونيتور" قال إن هناك اهتمامًا أقل من منطقة الخليج الفارسي ومن المجتمع العالمي بشكل عام بالاستثمارات طويلة الأجل في سندات الخزانة الأمريكية، والتي تعتبر أداة للحفاظ على سلطة الدولار العالمية. وأضاف: "الناس يتحولون بعيدًا عن عالم الدولار على الرغم من أن الدولار لا يزال عملة مهيمنة بشكل كبير، لكن لا يمكن إنكار حقيقة تعرض الدولار لتهديد متزايدة".
حدثت إجراءات مشابهة في دولة الإمارات العربية المتحدة والهند، حيث تمت تسوية أول صفقة نفطية بينهما باستخدام الروبية مؤخرا، وذلك عقب توافق تم الاتفاق عليه خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبوظبي في الشهر الماضي لتسوية التجارة الثنائية باستخدام الروبية بدلاً من الدولار لتقليل تكاليف الصفقات من خلال القضاء على تحويلات الدولار.
كما قامت المملكة العربية السعودية والصين باتخاذ خطوات مشابهة، حيث أجرتا محادثات في مارس/آذار 2022 لتسعير بعض مبيعات النفط باليوان بدلاً من الدولار الأمريكي. وبعد عام، في مارس/آذار 2023، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مشاركته في منتدى دافوس أن بلاده منفتحة للتداول بالعملات المختلفة عن الدولار، سواء باليورو أو الريال السعودي. وفي الشهور الأخيرة، ناقش قادة دول "البريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) عملية تخفيف اعتمادهم على الدولار وأشاروا إلى عدم الملائمة التجارية لاستخدام الدولار في عمليات التبادل، و وفقًا لتقرير صدر في إبريل/نيسان من "السياسة الخارجية" وأعلن ألكسندر باباكوف، نائب رئيس دوما الدولة الروسية، أن بلاده تعمل على تطوير عملة جديدة للتجارة عبر الحدود لدول البريكس.
أعربت السعودية والجزائر ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة عن اهتمامها في إبريل/نيسان بالانضمام إلى هذه المجموعة، التي ساهم أعضاؤها بنسبة 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2020، في حين انخفض حصة مقابلها من دول مجموعة السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي) إلى 30%، وفقًا لشبكة إعلام البريكس.
أكد أسلم أن التخلص من سندات الخزانة الأمريكية هو أحد علامات البداية التي قد تشير إلى انفصال الدول عن الدولار، خاصةً بين اللاعبين الرئيسيين مثل الصين، التي تعتبر ثاني أكبر حائز للسندات بعد اليابان. فقد قامت بكين ببيع 11.3 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية في يونيو/حزيران ليصل حجم ممتلكاتها إلى أدنى مستوى منذ منتصف عام 2009، وفقًا لـ بلومبرغ.