الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية عشر - ٢٨ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية عشر - ٢٨ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

وليد الشرفا... كيف لشعب أن ينسى أبطاله؟ (1-2)

 

فارس سباعنة
شاعر وإعلامي
حصار "المهد"
رأيته أوّل الشارع يأتي مسرعاً، يرتدي قميصه وبنطاله الأسودين، وكما يليق بأستاذ جامعيّ وصل مبتهجاً لأنّه لم يتأخّر عن الساعة السابعة، موعد اللقاء في مكتبة البلديّة، وقبل هذا الموعد لم أكن قد قرأت رواية "أرجوحة من عظام" (2022) الصادرة عن "دار الأهليّة للنشر والتوزيع"؛ العمل الأخير في رباعيّة وليد الشرفا: "القادم من القيامة" (2008)، و "وارث الشواهد" (2017)، و "ليتني كنت أعمى" (2019).
تدور أحداث الرواية خلال فترة الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية (اسمها الرسميّ: انتفاضة القدس والأقصى)، وتتناول حكاية الحصار لـ "كنيسة المهد" خلال شهر نيسان (أبريل) عام 2002، حيث حاصرت قوّات الاستعمار الإسرائيليّ الكنيسة في مدينة بيت لحم ضمن حملة "السور الواقي" العسكريّة، الّتي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيليّة آنذاك آرئيل شارون، لحصار المدن الفلسطينية والقضاء على المقاومة الفلسطينيّة. كان في الكنيسة أكثر من مئتي فلسطينيّ ما بين مقاتلين ومواطنين ورهبان، ولم يكن أمامهم غير «كنيسة المهد» للاحتماء بها في ظلّ حصار المحافظة ومنطقة السوق القديم، وصعوبة خروج المقاتلين من المحافظة؛ فحوصر الجميع بلا طعام، أو دواء، أو إسعافات للجرحى.
السرد البصريّ
حين بدأت قراءة الرواية، انتبهت إلى أنّ عوالم السرد البصريّ قد أخذت من اهتمامي خلال تجربتي الأخيرة في كتابة الكوميكس، ووجدت بعض الصعوبة في اجتياز المشاهد الأولى الّتي لم تؤسّس - بالنسبة إليّ - لعلاقة كافية بين القارئ وشخصيّة الرواية وراويها يوسف. لكنّني أعرف وليداً، وتوقّعت أنّ هذا البناء مقصود بقرار لخدمة مشهديّة عامّة، أو ربّما أساس نظريّ تقوم عليه الرواية.
الرواية عند وليد الشرفا جسد واحد وصلب، فبينما هو يصوّر السراديب في "كنيسة مار سابا"، ويصف الحروف والتواريخ المحفورة على الجدران، وبينما يخبرك بأسباب منع النساء والتفّاح من دخول الكنيسة، يكون ذلك فتحاً لهويّة الموت في تلك المساحة خارج الزمن؛ الهويّة الّتي تتقمّصنا حين تظهر مشاهد الكنيسة الأخرى؛ كنيسة المهد» بالوثيقة الحقيقيّة لمشاهد حصار الأبطال داخلها، لمشاهد صبرهم وجوعهم، وطفولتهم وجروحهم، وصمودهم أمام إصاباتهم القاتلة. التناقض هو الراوي، مع كلّ جملة فكرة، ومع كلّ صورة موقف.
الرواية ليست سرداً لأحداث حصار الكنيسة، لكنّها تصوير لحالة البطولة الّتي حدثت فيها بواسطة إخضاع الشخصيّة الرئيسيّة لتجربتين متناقضتين في مواجهة الموت؛ ففي "كنيسة مار سابا" كان هو والمستوطن اليهوديّ يبحثان عند راهب الكنيسة عن الشفاء من المرض خوفاً من الموت، وفي الكنيسة الأخرى كان الموت همّاً صغيراً بالمقارنة مع الإخلاص للقضيّة والوفاء للأصدقاء ومقاومة الاستعمار، وكيف تجسّدت هذه الكلمات في أحداث حقيقيّة. هكذا يمشي السرد بين الكنيستين، تتطوّر الأحداث في "كنيسة المهد" من جرح ينزف ويتفاقم، إلى صديق يستشهد برصاصة قنّاص، إلى راهبة مصابة بالسرطان ترفض علاجها كي تداوي المصابين، بينما تتطوّر الأحداث في الكنيسة الأخرى من مرض الوعي إلى شفائه بالذاكرة، في مقابل المستوطن الّذي استعصى وعيه على الشفاء لأنّه بلا ذاكرة سليمة. كنت أسأل نفسي قبل الموعد بيومين عن الحدود الّتي يمكنني أن أصلها مع صاحب "إدوارد سعيد ونقد تناسخ الاستشراق"، و "بواكير السرديّة العربيّة"، و "الجزيرة والإخوان؛ من سلطة الخطاب إلى خطاب السلطة". تُشْعَرُ استضافة شخص مثل وليد الشرفا بالحاجة إلى ثقة أكبر في المعلومات عند إثارة سؤال أو قضيّة، لكنّني فضّلت استضافة الرواية أوّلاً والعبور منها إلى سؤال الهويّة.
شكوت إليه مأزقي الشخصيّ في تجربتي لكتابة رواية، واعترافي بهزيمة الشاعر أمام السارد، ونصحني في مساحة "إنتظار الضيوف" ألّا أكتب الرواية شعراً، ثمّ بدأ حديثنا عن "أرجوحة من عظام".
يتبع...

 

البحث
الأرشيف التاريخي