الحشود العسكرية الأمريكية شرق الفرات وشماله.. والأزمة السورية
حسني محلي
كاتب ومحلل سياسي
كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن مشاريع ومخططات أميركية جديدة تستهدف عرقلة كل المساعي الإقليمية لحل الأزمة السورية ونسفها، بعد التفاؤل الذي خيّم على الجميع إبّان القمة العربية في جدة وبعدها. فالحشود العسكرية الأميركية شرق الفرات وفي الشمال العراقي حيث تسيطر قوات مسعود البارزاني، وتحركات الأساطيل الحربية والفعاليات المتزايدة في القواعد الأميركية في العراق والأردن والبحر الأحمر وقطر والبحرين والسعودية ودول الخليج الفارسي الأخرى دفعت بعضاً من المراقبين إلى الحديث عن سيناريوهات أميركية جديدة، أولاً لعرقلة المعالجة النهائية للأزمة السورية بصيغ روسية- إيرانية، وذلك من خلال السلاحيْن التقليدييْن، أي الكرد والعشائر السنية، وثانياً من خلال تفعيل الخلايا النائمة لـ"داعش" وتطوير العلاقات السرية مع "النصرة"، وهي الآن تحت الحماية التركية في إدلب وغرب الفرات عموماً.
وتفسر هذه المعطيات تصريحات الرئيس إردوغان ووزير دفاعه جولار، إذ رفضا أكثر من مرة تلبية شروط الرئيس بشار الأسد، وأهمها الانسحاب من 9% من الأراضي السورية غرب الفرات وشرقه، حيث توجد القوات التركية مع مسلحي ما يسمّى بـ "الجيش الوطني السوري" الذي تأسس صيف 2019 في أنقرة. كما وتراقب بدورها، أي تركيا، ما يحدث على حدودها الجنوبية إن كان شمال العراق أو شرق الفرات حيث وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، الذي يحارب الدولة التركية منذ نحو 45 عاماً. وهو الآن أكثر قوة بفضل الدعم الأميركي والأوروبي الضخم سياسياً وعسكرياً وعلى الصعد كافة، الأمر الذي يزعج أنقرة، ولكن من دون أن تتخذ أي موقف عملي ضد ذلك، خاصة بعد أن تخلت عن تحفظاتها على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي.
ومع استمرار العمليات العسكرية التركية شرق الفرات وشمال العراق ضد مسلحي الكردستاني والوحدات الكردية التي تستهدف المسيّرات التركية قياداتها بشكل دوري، لا يهمل الرئيس إردوغان حواراته السرية مع قيادات حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، والتي كان إردوغان يقول عنها قبل الانتخابات الأخيرة إنها "إرهابية وتتلقى التعليمات من الدول الإمبريالية ومن جبال قنديل حيث قيادات حزب العمال الكردستاني". وتتحدث المعلومات الصحفية يومياً عن اتصالات سرية بين قيادات "العدالة والتنمية" و"الشعوب الديمقراطي" للاتفاق على صيغة ما تمنع الكرد من التصويت لمرشحي المعارضة في الانتخابات البلدية في آذار/مارس المقبل، خاصة في إسطنبول وأضنة وأنطاليا وإزمير ومرسين، حيث يعيش الكرد بكثافة.
ويبدو واضحاً أن الرئيس إردوغان يسعى لموازنة هذه الضغوط بالمزيد من التنسيق والتعاون مع واشنطن، بما في ذلك في شرق الفرات، حيث المساعي الأميركية لتشكيل كيان سني شرق الفرات بامتداداته إلى غرب الفرات كما فعلت عام 2007 بتشكيل ما يسمى بـ"الصحوات السنية" في الأنبار؛ كي تقاتل مع الجيش الأميركي ضد مختلف المجموعات والفصائل التي كانت تقاتل ضد الاحتلال الأميركي. كل ذلك مع توقعات بمزيد من التقارب بين أنقرة وواشنطن خلال الفترة القادمة، بعد الحديث عن فتور وأحياناً توتر في العلاقة بين أنقرة وموسكو.
وقد يدفع ذلك الرئيس إردوغان لمزيد من الحوار الإيجابي مع الرئيس بايدن، والاتفاق معه على قواسم مشتركة في ما يتعلق بتقرير مصير شرق الفرات، ومن خلاله سوريا والعراق وإيران بكل معطياتها وأهمها الورقة الكردية التي كانت وما زالت وستبقى قابلة للاستهلاك إقليمياً ودولياً.
وأثبتت كل السنوات الماضية أنه لا حل لمشكلات هذه الدول إلا بحل المشكلة الكردية وطنياً كان أو إقليمياً، وأياً كانت الصيغة، بعد أن فشلت كل الصيغ العسكرية منذ نحو 100 عام، أي في سنوات الدولة العثمانية، ثم العراق وإيران وتركيا والآن سوريا، ولا حل لأزمتها إلا بحل مشكلتها الكردية ومفتاحها أيضاً في يد إردوغان ومن يتحالف معه إقليمياً ودولياً، وهم ليسوا بقلّة، وإلا لما وصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وكان لإردوغان وما زال الدور الأهم فيه، ويعرف الجميع أنه لن يتخلى عن هذا الدور بسهولة، ما دام البعض يشجعه على ذلك.