عضو اللجان الشعبية الفلسطينية للوفاق:
تحويل عمل الأونروا الخدماتي إلى سياسي استهداف للفلسطينيين
عبير شمص
شكلت قضية اللاجئين منذ البداية لُب المسألة الفلسطينية والأساس الحاكم للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. اليوم، في ظل مرور زمن على أحداث تأسيسية يعاد إنتاج أفكارها على صوت هدير الطائرات وصخب صراع الإرادات في المنطقة، ثمة من يحاول الإجهاز على هذه القضية بدمجها، أو قل تذويبها، في اتون الصراع المحتدم، وتقديم ادعاءات عملاتية بأن "فلسطين" لم تعد هي المشكلة، أو على الأقل لم تعد هي المشكلة الوحيدة. منذ عشر سنوات تواجه "الأونروا" مخططات وحملات تشويه لتقويض عملها ونزع الشرعية الدولية عنها، تمهيداً لتفكيك المؤسسة التابعة للأمم المتحدة، وانعكس ذلك بشكل مباشر على المانحين الذين قلصوا دعمهم المالي عنها، لكن ذلك كان في الظل ولم تتحدث الوكالة عن تلك الأفكار، بل كانت ترجع السبب في أزمتها المالية إلى تغير اهتمامات دول العالم وتراجع مكانة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بما في ذلك قضية اللاجئين. فلا يخفى على أحدٍ أن الهجمات السياسية المتكررة على وكالة الأونروا، ومخططات دمج وكالة الأونروا، وغير ذلك، تهدف لإضعاف وتقويض عمل وكالة الأونروا، وصولاً إلى تصفيتها بالكامل، وتحويل وظيفتها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وتجريدها من المضمون السياسي لها، كي تصبح فقط مجرد قضية إغاثية إنسانية، ومحاولة إلقاء العبء بالكامل على الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين.
لذلك فإن ما تتعرض له وكالة الأونروا من هجمات سياسية هدفه نزع الشرعية عنها، وعن قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن جانب آخر فإن أي توقف للخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين سينعكس بالسلب على مناطق عمل وكالة الأونروا في لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة. ومن جهة أخرى لم تخف إسرائيل أنها تحث دول العالم على وقف خدمات "أونروا" وتفكيكها، إذ قال المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة غلعاد أردان "من الضروري تجميد تمويل منشآت الوكالة في غزة، والعمل بأسرع وقت على إنهاء عملها، لأنها السبب في إطالة أمد الصراع".
وضمن هذا السياق ولمتابعة موضوع محاولات إنهاء الوكالة الأممي وانعكاساته على اللاجئين الفلسطينيين، أجرت صحيفة الوفاق مقابلة
مع عضو اللجان الشعبية الفلسطينية عدنان الرفاعي، وكان الحوار التالي:
كيف تقيّمون عمل مؤسسة الأونروا في المخيمات الفلسطينية في لبنان؟
تأسست "الأونروا" وهي مؤسسة دولية لمتابعة ودعم شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وشكلت المؤسسة الوحيدة في العالم التي نشأت للاجئين ولم يعقبها إنشاء أي مؤسسة ثانية لهم من دول أخرى على مر تاريخ الحروب والصراعات التي عرفها العالم .
تأسست هذه المؤسسة للاجئين الفلسطينين حصراً، لقد حاولوا بتأسيسها وإغداق الأموال عليها لتوزيعها على اللاجئين الفلسطينيين، في محاولة لجعلهم ينسون قضيتهم وأرضهم، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك، والآن يحاولون انهائها، عندما بدأت عملها كانت تقدم المساعدات بشكلٍ كبير على اللاجئين ولكنها تراجعت بعدعام 1990، بشكلٍ كبير، كان المجتمع الدولي يدفع بسخاء قبل الإتفاق، ولكن تناقص هذا الدعم تدريجياً ، إلى أن وصلت الأمور إلى حد إيجاد محاولات لإنهائها كلياً. وأصبح الدعم يتوجه للجمعيات
عوضاً عنها.
ما هي الأسباب الفعلية لأزمة الاونروا؟ وما هو تأثيرها وانعكاساتها على المجتمع الفلسطيني في الشتات؟
تميزت خدمات الأونروا في بداية تأسيسها بتقديمات جيدة جداً للاجئين الفلسطينيين، فكانت تهتم بالمريض الفلسطيني الذي يدخل إلى مستشفى الجامعة الامريكية في لبنان مع مرافقيه جميعهم، بل وحتى تنقله بسياراته الخاصة ولم يكن يتكلف أجرة الطريق من منزله إلى المستشفى ذهاباً وإياباً، وتدفع له كل مستحقات المستشفى بنسبة مئة في المئة، ولكن تراجعت هذه الخدمات إلى الخمسين في المئة بعدعام 1990، كما كانت تساعد اللاجئين عبر تقديم مساعدات تموينية لكل من يحمل بطاقة "الإعاشة" من اللاجئين وبكميات كبيرة ونوعية جيدة جداً، وتقدم المسلتزمات المكتبية والكتب والتعليم مجاناً وينطبق الأمر على الاحتياجات الصحية التي كانت تقدم بشكلٍ مستمر وجيد، ولكن اختلف الأمر الأن وتراجعت التقديمات بشكلٍ كبير .
وهذا برأيي تعود أسبابه إلى السياسة، سابقاً كانت تدعم اللاجئين بشكلٍ كبير مما دفع العديد من مواطني دول لبنان وسوريا والأردن بتسجيل أنفسهم كلاجئين فلسطينيين للحصول على المساعدات والتقديمات المختلفة، لكن تراجعت المساعدات اليوم بشكلٍ كبير بلغ درجة الصفر في بعض المناطق والمجالات، مما سبب أزمة للشعب الفلسطيني اللاجىء، هم أرادوا بتأسيسها جعل الفلسطيني ينسى أرضه وقضيته ولكنهم فشلوا، فالحنين للأرض موجود بقلب وبدم الفلسطيني ويتناقلها الأبناء من أهاليهم، لذلك بعدعام 1990 شرع المجتمع الدولي بالتفكير بمحاولات إنهائها، وعدم الإستمرار في عملها. لدفع الفلسطيني للهجرة خارج المخيمات وينسى بلده نهائياً، وقف الخدمات حُكم على الفلسطيني بالموت قهراً وحرماناً وخاصةً في مخيمات لبنان، أو الموت بالمعارك والرصاص، أو على أبواب المستشفيات، أو الموت في قوارب الهجرة في البحر، يريدون سلبنا خيار الحياة بتحويل عمل الأونروا الخدماتي إلى عمل سياسي، وهذا الخيار الأخير للمشروع الصهيو أمريكي بعد فشل مخططاتهم ، فهم يفتشون عن كافة الوسائل والطرق لتقليص خدماتها في مسعى لإنهائها وتوقيفها كلياً ، مما يصعب معيشة اللاجىء الفلسطيني.
ما هو دور المجتمع الدولي في أزمة الأونروا؟
الأسباب الفعلية للتراجع بالخدمات لا تقع على عاتق الأونروا فحسب، بل المجتمع الدولي الذي يمول الأونروا، والذي كان يدفع تمويلها بشكلٍ كامل إذ كانت جميع الدول تدفع مستحقاتها وبشكلٍ طوعي وكامل، ولكن بعد التطورات السياسية أدخل المشروع الصهيو أمريكي الأونروا في بازار السياسة، مما دفعها للتخفيف من خدماتها بشكلٍ كبير استناداً على الإنخفاض الكبير بالدعم المالي من المساهمين والمانحين من المجتمع الدولي، مما انعكس سلباً على المجتمع الفلسطيني في مخيمات لبنان، وحتى موظفي الأونروا الذين لم يعد يتقبلهم المجتمع بسبب تقليص خدمات المؤسسة التي ينتمون إليها، وقد حصل الإنخفاض الكبير في التمويل في عهد الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" الذي أوقف الدعم الأمريكي بشكلٍ كامل، ولكن مع الإدارة الجديدة عادوا مجدداً إلى دفع المستحقات للاونروا، وهم يتوقعون الحصول على تنازلات سياسية مقابل هذا الدعم، ويهدفون من ذلك إنهاء قضية اللاجئين والذي حصل وما سيحصل في المخيمات هو مقدمة لإنهاء حق العودة وخاصةً في لبنان، والمشكلة موجودة في مخيمات لبنان فقط، فالفلسطيني مجنس في الأردن، وفي سوريا يحصل على حقوقه كاملة، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة تقدم لهم التقديمات على حساب السلطة الفلسطينية، في لبنان مشكلتنا متعددة الأبعاد وخاصة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، فاللبناني لا يستطيع الحصول على الطبابة والتعليم، والمشكلة أكبر عند الفلسطيني، وما زاد الطين بلة كما يقولون المشكلة الأمنية المستجدة في الأيام الأخيرة في مخيم عين الحلوة ودخول المسلحين إلى مكاتب ومدارس الأونروا، مما دفع المسؤولين في الأونروا إلى توجيه النداءات لإخلائها ولكن لم يلقون جواباً لنداءاتهم، مما يجعلهم يفكرون بالانتقال خارج المخيم وبالتحديد إلى مدينة صيدا، مع ما يترتب على ذلك من زيادة الأعباء على الفلسطينيين من أجرة تنقل إلى المدارس خارج المخيم ، والتي اتوقع أن لا تفتح أبوابها هذه السنة في المخيم. كل هذه الصعوبات تشجع اللاجىء على الهجرة خارج لبنان، في ظل وضع اقتصادي ضاغط لا يستطيع الفلسطيني فيه تأمين قوت يومه، يعاني المجتمع الفلسطيني من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة ولولا وجود بعض الفصائل الفلسطينية والتي تدفع بالدولار، وكذلك موظفي الأونروا الذين يقبضون بالدولار لكان الوضع لا يحتمل .
كيف نواجه الحملة الأمريكية والصهيونية الرامية إلى تصفية الأونروا؟
أجرت الأونروا بحثاً اجتماعياً بمساعدة الجامعة الأمريكية في بيروت، وقد أتت نتائج البحث لتبين أن 90 بالمئة من الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان يعيشون في فقر مدقع، حياة المخيم صعبة جداً، ويعيش اللاجىء في أزمات متتالية، لا تسمح له بالعيش الكريم من وضع اقتصادي صعب إلى أزمات أمنية متتالية.
يريدون منه عبر كل هذه الأزمات مغادرة المخيم بدون عودة، ذلك المخيم وبالرغم من كل مشاكله إلا أنه لا يزال يحتفظ أبناؤه بتعلقهم بأرضهم وقضيتهم، وهو يرمز إلى حق العود، تحمل أحياؤه أسماء القرى والبلدات التي قدم منها اللاجئون من فلسطين، فهنا يتربى الولد على التعرف على أصله على قريته وبلده (حي الصفصاق-
حي عمقا- حي صفوري).
هم بهذه الأزمات المتتالية يريدون ضرب هذه التربية والثقافة ويمنعوا تعلق الفلسطيني بأرضه، يريدون أن يخلق الولد في الخارج ويقول أنا من بلجيكا وألمانيا و... وأن يفك ارتباطه ببلده، فهم يحاولون تهديده بالاقتصاد وبالأمن، ليفقد الأمن الاجتماعي والأمني ويهاجر، إن الصمود في المخيم رغم كل الصعوبات يؤخر المشروع الصهيو أمريكي بل ويمنعه.
ختاماً إن دول العالم مطالبة بإيجاد الحلول اللازمة واتخاذ التدابير المطلوبة للخروج من هذه الأزمة المركبة، لأن المتضرر منها هم ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك تقديم الدعم السياسي والمالي لاستمرار عمل وكالة الأونروا حتى إحقاق الحقوق المشروعة لأبناء اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها حقهم في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، وأيضاً على الدول الشقيقة والصديقة تقديم المساهمات لسد عجز وكالة الأونروا، باعتبار أن ذلك يُسهم في حماية اللاجئين ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ويُستثمر في الأمن والسلم الإقليمي
والدولي.