ومرجع تاريخي في مسار القضية الفلسطينية
الفن التشكيلي المقاوم ملتصق بأفكار الثورة والثوار (1-2)
أروى حنيش
كاتب فلسطيني
لعب الفن التشكيلي على مدار التاريخ دوراً مهماً في رسم معالم هوية الشعوب، وتحديد مساراتها، وتحول في كثير من الأحيان إلى مرجع تاريخي لدراسة ثقافة وحضارة الشعوب.. ولم يكن الشعب الفلسطيني شاذا عن هذه القاعدة، فقد لعب الفن التشكيلي دورا بارزا في خدمة القضية الفلسطينية والدفاع عنها، وفضح جرائم الاحتلال، وتمثل ذلك في نحت معالم الهوية الفلسطينية.
وبات الفنان التشكيلي الفلسطيني يتبنى أفكارِ الثورة والثوار، ملتصقاً بهمومِ الوطن، موثِّقاً هُويةَ المكانِ، معبّراً عن صرخات الثكالى واليتامى، والأمهات، ومرتبطاً بواقع الإحتلال الصهيوني، وممارسته الانتهاكات الإنسانية الفضيعة الأكثر بشاعة في تاريخ الإنسانية من تهجير، وتشريد السكان من مواطن إقامتهمٍ، وأسر وقتل، واغتصابٍ الأرض والحق، وانتهاك المقدسات الدينية.. هذا ما تحملُه لوحةُ الفنانِ الفلسطيني التشكيلي بينَ ثناياها، وهذا ما تبحثُ عنه "السعادة" لتكشفَ سر قوة رسائلِ الأملِ والألم، التي يحكيها الفنان الفلسطيني للعالم بأسره من خلال تلك الفنون التعبيرية الرمزية الإبداعية التي تحاكي الواقع في مضامينها وجوهرها، وفلسفة النضال السياسي والوطني، والكفاح البطولي العنيد، في مقاومة العدو المغتصب، وخططه ومشاريعه الاستيطانية، وعدم التنازل عن الحقوق المشروعة بشتى الوسائل والأساليب والطرق، مهما بلغ جبروت هذا الطاغي من غطرسة القوة، واستخدامها بمنتهى الهمجية والحماقة، أساليب قهرية بعنصرية مشحونة بالتطرف والكراهية، التي تحاكي دائما ثقافة القتل والتدمير، والوحشية في ارتكاب المجازر، في تحقير لإنسانية الشعب الفلسطيني، الذي للأسف وجد الصهاينة هذا الفراغ في المحيط العربي المساعد، من صمت الحكومات العربية، إلى التواطؤ، إلى تطبيع العلاقات معه، كل ذلك أتاح له المناخ الملائم في التمادي على أبناء الشعب الفلسطيني، حتى وصل به الأمر بانتهاك وتدنيس المقدسات الإسلامية ودور العبادة، ومنع الناس من تأدية معتقداتهم، وممارسة طقوسهم الدينية، وصولا إلى قصف المدن الفلسطينية بالأسلحة الفتاكة، بغية إجهاض روح المقاومة.
رسالة الفن
ومع حجم هذه المعاناة، واتساع رقعتها على الأرض الفلسطينية، حمل الفن في المجمل رسائل عدة، ولعب دوراً هاما ًومميزاً في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والغزو الصهيوني.. فكان الفن أحد وسائل المقاومة، في إلهاب مشاعر الحماس الوطني، وتجذيره العميق في تاريخ النضال الفلسطيني التحرري، متزامنا مع المقاومة المسلحة لحماية الأرض الفلسطينية من العصابات الصهيونية الهمجية على البلاد.
فالجهاد هو عصب المقاومة، وله وقع مدوٍّ في قلوب أبناء الوطن، فهو المساحة الإيمانية في الصمود والثبات ورباطة الجأش والشجاعة والإقدام والمبادرة، لردع العدو. تلك الروح الجهادية، هي زاد كل شعب فلسطين، وكلما سمع روح مقاوم، أو شهيد يندفع في الأمام، كلما سمع أزيز رصاصة ترتسم في عقله الجمعيِّ صورة الطفل الشهيد "محمد الدرة" ووالده، وابتسامة الرضيعة "يقين القرمازي" التي ماتت اختناقاً بالغاز المسيل للدموع إبَّان ثورة الياسمين في تونس، قبل أن تلوح لنا أخيراً وليس آخراً في الأفق البعيد صورة "آيلان"، ذلك الرضيع السوري الذي مات مرمياً على شواطئ اللاإنسانية، في محاولة بحث عن الوطن، عن المقاومة، كمشروع إنساني يتعدى البنادق وطبول الحرب، مُصافحاً الأدب ومُتشبثاً بالفن الذي اعتبره المسرحي الألماني الكبير "برتولت بريشت" مطرقة، يمكن بها تشكيل الحقيقة. في السياق نفسه يقول الزعيم الشيوعي الصيني "ماو تسي تونغ" إنه "يجب جعل الأدب والفن جزءاً فعالا من جهازنا الثوري، ليصبحا سلاحاً قوياً، به نوحِّد ونثقف شعبنا، ونهاجم ونحطِّم العدو، ونساعد شعبنا، ليتمكن من محاربة العدو بقلب واحد وإرادة واحدة"، مؤكداً بذلك على قوة القلم والكمان والمزمار في شحذ الهمم وكسب الحروب والدفاع عن الأوطان.
يتبع...