العالم على صفيح ساخن
د. إحمد بن سالم باتميرا
كاتب ومحلل سياسي
تزداد التوترات والاستقطابات على مستوى الكرة الارضية، حرب اوكرانيا وروسيا، وحرب السودان، وانقلابات في بعض الدول الإفريقية وآخرها في النيجر، قمم تعقد هنا وهناك لرأب الصدع وحل الإشكاليات وأسباب الحروب، وكل ذلك يوحي بأننا على صفيح ساخن قادم نحو الكرة الأرضية.!
نظام عالمي جديد قد يتشكل، والتغيير قادم لا محال، وهناك مؤشرات قوية توحي بأن القمة الروسية الإفريقية وما تمخضت عنها من قرارات وتوصيات، وما سمعناه من كلمات لبعض الرؤساء في القمة، يجعلنا ندرك بأن القارة السمراء الغنية بالموارد المختلفة وجهت رسائل عديدة بأنها تتجه نحو التغيير والنماء واستغلال ثرواتها لمصلحة شعوبها. وقمة مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى، والقمم القادمة أيضا لمجلس التعاون مع القارة الإفريقية وغيرها ذات دلالة عميقة بأن دول مجلس التعاون بدأوا يخرجون ويتفاعلون مع مصالحهم الاقتصادية والتجارية، وأن القادم سيشهد توقيع اتفاقيات مهمة تصب في تطوير وتحسين وتأمين الأمن العذائي والعالمي. وما تم في النيجر من رفع الانقلابيين للعلم الروسي، وزيادة الاستثمارات الصينية في القارة الإفريقية، وطرد الجيش الفرنسي من بعض الدول الإفريقية، والتحركات الأمريكية والبريطانية شرقا وغربا، توحي بأن الغرب يحاول جمع أوراقه والتمسك بعلاقاته مع أصدقائه بسياسة جديدة دون ضرر ولا أضرار.
فكل مايدور حولنا مؤشر لا يمكن التقليل من شأنه، سواء كانت الغاية منه إعلان تشكيل نظام عالمي دون ولاءات أو السعي للاستقواء ضد مظلة دولة عظمي، ستبقى العلاقات الشفافة هي التي تجمع الدول وفق رؤيتها ومصالحها، وهذا ما نراه اليوم في منطقة جنوب الصحراء الكبرى والساحل ضد القوى الاستعمارية المهيمنة على ثرواتها.! وهكذا، باختصار، نحن على أبواب تغيير نظام أممي يتشكل خلف الكواليس معتمدا على العدالة الإنسانية والحريات وعلى رفقاء جدد في إفريقيا وتغيير في اوروبا وتماسك عربي وتوافق دول مجلس التعاون.
واليوم النيجر، بدأت تستعيد عافيتها وبناء مستقبلها برؤية جديدة، رغم تهديدات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) لإحباط الانقلاب العسكري في النيجر، والمطالبة بضرورة عودة النظام الدستوري في النيجر دون تأخير.! وبعيدا عن الخوض في تفاصيل الانقلاب والتغييرات والحراك السياسي الإفريقي والعربي وتعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان، فان مايحدث هنا وهناك من حروب ووساطات ايضا ومناشدات ورفض، كل ذلك يوحي بإحداث تغيير في ميزان القوى العالمي وبداية المواجهة الحامية بين روسيا والدول الغربية بقيادة امريكا، والمواجهة الروسية الصينية مع الغرب في إفريقيا. فالأزمات والحروب تبدأ اولا بحرب باردة، ثم تتحول لحرب ساخنة متصاعدة، وهناك دول تسعى لرأب الصدع وحل الأزمات كالسعودية التي تعمل لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية والحرب السودانية.
حقيقة نحن أمام مشهد غير مطمئن لصراع الهيمنة والسيطرة العالميين، وما يشهده العالم اليوم من عدم استقرار سياسي واقتصادي ومالي وتقليص دور الأمم المتحدة، خصوصا مجلس الأمن في حل النزاعات، وازدواجية المعايير للدول الكبرى حول الأمن والسلم الدوليين وغيرها، فالنظام الحالي لا يمكن أن ينتج السلام والعدالة والاستقرار، لذا فإننا نتطلع أن يفهم العرب أن مصالح القطب الواحد أكثر خطرا، ولعبة الأمم القديمة بدأت في الانهيار والهشاشة، فقد حان الوقت للتفكير في مصالحنا وقوتنا وتجاوز ضعفنا باتحادنا واستغلال ثرواتنا ومقوماتنا ومعرفة حليفنا من عدونا والعمل على إنشاء نظام عالمي جديد فعال ويدعم الإنسانية ويقضي على الفساد وينتج السلام والأمن والاستقرار والازدهار للعالم أجمع .. والله من وراء القصد.