في العالم العربي
المنظمات غير الحكومية بين الحس الإنساني والعمل السياسي
يعتبر النّشاط المدني المجتمعي من أهم آليات مشاركة الأفراد والمجموعات في النّهوض بواقع مجتمعاتهم والمساهمة الطوعية في حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء كان في البلدان المتقدمة أو النامية. وقد اكتسبت أنشطة المنظمات والجمعيات المدنيّة ــ الأهلية ــ أهمية متزايدة في تحقيق التنمية خلال العقود الماضية أمام فشل حكومات العديد من الدول ذات الأنظمة الليبرالية في تلبية احتياجات شعوبها والحدّ من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما ساهمت هذه الجمعيات في تنشئة الأفراد على الثقافة المدنية وقيم المواطنة والمشاركة في الشأن العام للحدّ من هيمنة السّلطة الحاكمة في الدولة.
والمنظمات غير الحكوميّة، هو اسم يُطلَق على جمعيات، أو مجموعة من فعاليّات مجتمعيّة، تهدف إلى تقديم المساعدة في عدة مجالات، إلى البلاد التي تحتاج إلى تلك المساعدات. وهي تعدّ نفسها رقيباً على الحكومات التي توجد في أراضيها، وتقدّم المساعدات التي يجب أن تتوافر للناس، على أنواعها. فالإغاثة والدعم الحقوقي والتطوير التجاري والاعتناء بالبيئة وتوفير المؤهلات العلميّة، وغيرها من الأهداف الرئيسة، التي كانت منعدمة أو شبه منعدمة في دول العالم الثالث.
دور الجمعيات الأهلية في سوريا لمتابعة مضاعفات الحرب
للعمل الأهلي في سورية أهمية مضاعفة فرضتها مضاعفات الحرب ووصول معدلات الفقر إلى مستويات عالية، هذا الأمر أنعش عمل الجمعيات الخيرية لتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية إلى جانب مؤسسات الدولة .
عشرات الجمعيات تُركز جهودها في الأحياء الشعبية من العاصمة السورية لمتابعة شرائح اجتماعية تضررت من جراء النزوح وفاقم غلاء أسعار السلع من معاناتها، جهد هذه الجمعيات يرتكز على توزيع المساعدات وهو عمل يتسق مع خطط إغاثة تحاول الوصول إلى الشرائح الأكثر تضرراً، وسعت بعض الجمعيات أنشطتها لتطال محافظات ومناطق خارج العاصمة، وهذا الدعم تشرف الحكومة السورية ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية ويشمل نحو 5 ملايين سوري، ضمن خطة وطنية للتخفيف من وطأة الضائقة المعيشية.
وقد تحول عمل الجمعيات الخيرية في سنوات الحرب من عمل أهلي روتيني ضمن نطاق الحي الواحد أو أبعد بقليل إلى إغاثي طارئ وسريع قد يتسع ليصل إلى محافظات أخرى، قبل الأزمة، كان تركيز الجمعات على الأسر الفقيرة الموجودة في الأحياء القريبة ضمن المدينة، أمّا اليوم فقد بات التركيز على الأُسر المهجرة والمتضررة من الحرب التي يجب مساعدتها بشكلٍ فوري لتأمين احتياجاتها الطارئة. وبسبب كثرة عدد هؤلاء المحتاجين، فالجمعيات لم تعد قادرة على الذهاب إلى كلٍ منهم بل تفتح أبوابها لهم مع تزايد عددهم يوماً بعد يوم..
المبدأ الذي تقوم عليه بعض الجمعيات هو الحصول على فائض النعم لدى من يرغب في التبرع بها، وتقديمها للمحتاجين لها، من غذاء وألبسة ودواء. إلا أنه مع زيادة عدد المستفيدين، أصبح الاعتماد على مساعدات برنامج الغذاء العالمي، إلى جانب التبرعات الأهلية التي لم تنقطع رغم كل الظروف الاقتصادية التي حلّت.
بعض الجمعيات الخيرية خرجت من السباق أو احتُفظ بمكانٍ لها في مؤخرة ركب المساعدات المطروحة، فلم يساعدها كادرها وإمكاناتها البسيطة على الدخول في مجال العمل الإغاثي، فاقتصر عملها على ما كان عليه سابقاً ضمن نطاق الحي فقط مع زيادة عدد المستفيدين منها وفقاً لزيادة عدد المتضررين في جميع أنحاء مدينة دمشق.
التشبيك بين الجمعيات لتقديمات أكبر
كذلك، تتكاتف الجمعيات الكبيرة والمعروفة مشكلة مبادرة «أهل الشام» لتقديم أكبر قدر من المساعدة للمحتاجين. وهي انطلقت منذ عام 2012 وباتت مظلة لـ 60 جمعية خيرية تتضافر لتقديم المساعدة لـ 17 ألف أسرة ضمن مقرها وسط العاصمة، و30 ألف أسرة أخرى عبر مراكز الجمعيات المنتشرة في دمشق وريفها. وتعمل المبادرة على مواكبة أي نزوح مفاجئ للأهالي لتلبية حاجاتهم الضرورية من المواد الغذائية والعينية، بالإضافة إلى إنشاء مشاريع تنموية في المناطق الريفية بالتعاون مع المنظمات الأهلية لتأمين فرص عمل، إلى جانب إقامة العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية لتعليم بعض المهن مع تأمين الأدوات اللازمة لفتح سبل معيشة منها. كما قامت المبادرة بإنشاء بنك عمال لجميع الوظائف من ضمن الأسر المستفيدة لتأمين فرص عمل لهم من خلال الاتصال مع الجهات الحكومية والخاصة والأهلية وما تحتاج إليه من عمال.
ووفق مدير مكتب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، أحمد شهاب، فقد بلغ عدد الجمعيات الخيرية في سوريا عام 2010 1461، 509 منها في دمشق، واليوم أصبح هذا العدد 1440 جمعية، 520 منها في دمشق. ويبيّن شهاب أنه بعد اتساع نطاق عمل الجمعيات الخيرية ودخولها في عدة مجالات، قامت وزارة الإدارة المحلية بتصميم برنامج تشبيك بين أغلب الجمعيات لنقل وتبادل المعلومات حتى يتم ضبط عدد الأفراد المستفيدين لدى كل جهة وفتح المجال لوصول الفائدة إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
قوننة للمنظمات غير الحكومية في لبنان ورقابة مستمرة
يعتمد لبنان في تنظيم إنشاء الجمعيات على قانون صدر عام 1909 ولا يزال يُعمل به حتى يومنا هذا. بمعنى آخر، إن صدور قانون الجمعيات في لبنان سابق لنشوء دولة لبنان في شكلها الحالي. رغم تزايد عدد الجمعيات في السنوات العشر الأخيرة بشكل ملحوظ لتُجاوز الـ 11 ألف جمعية مسجلة في وزارة الداخلية، في ظاهرة نادرة في معظم دول العالم، ورغم أن الأهداف المعلنة لهذه الجمعيات هي تحسين الوضع الاجتماعي والصحي والتعليمي والبيئي وغيرها، ما يعني المقيمين في لبنان، إلا أن الواقع يزداد سوءاً بشكلٍ عام. وفي المقابل، تظهر شريحة جديدة في المجتمع من العاملين والمنضوين ضمن وظائف متنوعة مع الـNGO، يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة وبفضلهم تصمد العديد من الأسر في ظل الأزمة الحالية. هذا القانون، ورغم مرور أكثر من مئة عام عليه، إلا أنه في جوهره قانون عصري، لجهة حماية حق الأفراد في إنشاء الجمعيات من دون أي رقابة مسبقة من قِبل الحكومة والاكتفاء بإعلام وزارة الداخلية بتأسيس الجمعية ومكانها وأهدافها وأسماء المؤسسين عبر "علم وخبر" وليس طلب ترخيص. إذ بإمكان مؤسسي الجمعية العمل فوراً، من دون حاجة للانتظار حتى صدور مرسوم تسجيل العلم والخبر. إلا أن القانون نفسه يحتوي على ثغرات كبرى، خاصةً لجهة عدم التفريق بين الأحزاب السياسية والجمعيات، وهو بحاجة إلى تعديل وقوننة لهذه الجهة وضرورة الفصل بين الأحزاب السياسية والجمعيات، أو بإقرار قانون خاص بالأحزاب السياسية. كما بات من الضروري جداً، مع تزايد عدد الجمعيات وتوسّع عملها، عدم اقتصار الرقابة على الرقابة الشكلية فقط من خلال المستندات التي تقدمها الجمعيات. إذ إن غيابها أدى إلى انحراف العديد منها عن أهدافها المعلنة خدمة لمصالح شخصية أو حزبية.
والجدير ذكره أنه تاريخياً لم تكن منظمات المجتمع المدني، التي دخلت لبنان مطلع القرن التاسع عشر، غير حكوميّة فعليّاً، فهي كانت إرساليّات دخلت البلاد في الفترة التي كان يرزح لبنان تحت احتلال الدولة العثمانيّة، التي بدأت تضعف حينها، فوجدت الدول الغربيّة ضالّتها في ضعف الإمبراطوريّة آنذاك، وأوفدت قناصلها التجاريين إلى جبل لبنان من أجل إنشاء علاقات تجاريّة. وتحوّل هؤلاء، فيما بعدُ، إلى قناصل سياسيين دخلوا في أتون التركيبة الطائفيّة للبنان، وبدأت حملاتهم التبشيريّة مطلع عام 1815.
تعريجاً على ما سلف، كان هدف تلك المنظمات، منذ دخولها لبنان، نشرَ ثقافة بلاد المنشأ التي أتت منها. وبعد الحرب الأهلية وبسبب ضعف النظام اللبناني، حلّت المنظمات غير الحكوميّة مكان أجهزة الدولة، وزعمت أنها تسعى لتحسين الوضع في لبنان، اقتصادياً واجتماعياً، وكانت المنظمات المدنيّة الأجنبيّة صاحبة مشروع سياسي بامتياز، بحيث أعادت بناء المنازل والبيوت، والأديرة والمدارس والجامعات، وفتحت باب الهجرة التعليميّة لمن تبنّى مشروعها.
بعد كل ما تقدَّمَ، لم يعد هنالك مجال للشك بأنه لا تتحرك بعض المنظمات غير الحكوميّة بناءً على الحس الإنساني، كما تزعم، بل حركتها مرتبطة بإيعاز سياسي بحت، تتحقق في إثره الإصلاحات، وتتوزع المساعدات، وفق المصلحة السياسيّة، التي تبطش بيمينها حيث يجب، لتعدّل المسار على نحو يتلاءم مع سياستها.
واقع العمل الأهلي في مصر بين الفرص والتحديات
لعبت الجمعيات الأهلية فى مصر دورًا رعائيًا كبيرًا منذ نشأتها، تطور بتطورها. فالعمل الخيري كان أحد الأهداف الرئيسة للجمعيات الأهلية فى مصر تاريخيًا منذ نشأة الجمعية الخيرية الإسلامية 1878 وجمعية المساعي الخيرية القبطية 1881 وحتى يومنا هذا. وقد بدأت كثير من الجمعيات التى تأسست بدافع العمل الخيري في العقود الأخيرة تغير من رؤيتها وتتجه إلى العمل التنموي أو تجمع بين الاثنين بدرجة أو بأخرى.
شهدت الأعوام الأخيرة طفرة في نمو الجمعيات الأهلية في مصر، إن الجمعيات الخيرية في مصر قد يصل عددها إلى 24 ألف جمعية، وبعد أن بلغ تقدير الإنفاق السنوي الخيرى فى مصر ما يقترب من 52 مليار جنيها تمثل نحو 2.9% من حجم ودائع البنوك.
يشكل الإنفاق المباشر على المساعدات الخيرية، والذي يشكل نسبة من إجمالي الإنفاق العام، العنصر الأكثر أهمية في عمل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الناشطة في هذا المجال، لأن سرعان ما يترجم ذلك بشكل إيجابي يسهم في تنمية المجتمع، ويتحقق الهدف الذي وجدت الجمعيات من أجله أصلاً.
هذه الجمعيات تمارس دوراً اجتماعياً مهماً مكملاً لدور الدولة، كما تلعب أيضاً دورا ًمهماً في التأثير على القرار السياسي، الأمر الذى قد تتحوّل معه بعض تلك المؤسسات إلى مراكز قوى فعلية مؤثرة على صانع القرار وعلى أسلوب إدارته للدولة، كما يمكن أن يتم توظيفها سياسياً لخدمة أغراض بعيدة تماماً عن دورها المجتمعي.
إن القانون الجديد لتنظيم العمل الأهلي 149 لسنة 2019 فرصة جيدة لإعادة تنظيم عمل هذا القطاع بشكل يُسهم في عملية التنمية المستدامة عبر شراكة حقيقية ومؤسسية مع مؤسسات الدولة، تقوم على المشاركة في صنع السياسات العامة منذ مراحلها الأولى والتي تتمثل في وضع الأجندة وتحديد الأولويات مرورًا بالتخطيط ثم التنفيذ وأخيرًا المتابعة والتقييم.