مرحلة اساسية في حياة الانسان
تربية الشباب بين الاصالة والتجديد
عزيز ملا هذال
كاتب
لعل الحديث حول الشباب يكتسب أهمية خاصة لأنه يهدف بناء شخصيتهم بناء قويا وعلى اسس سليمة ودعامات قوية ورصينة وادراك أهمية هذه الرحلة التي تعتبر من المراحل الحساسة بل انها مرحلة تحول اساسية في حياة الانسان الذي يتميز بأنّه متعدد في عناصره المكونة لذلك التحول، ولكون هذه الرحلة تمثل انعطافه حادة لاتشبه المراحل الاخرى السابقة ولا حتى اللاحقة لها لذا يلزم الانتباه الى عوامل هدم الشخصية ودرء المخاطر التي تعتري الشخصية.
يمر الشباب بعديد الانتقالات فعلى الصعيد العقلي ينتقل من مرحلة ايمانه بكل الحقائق الى مرحلة المستعلم عن ادلة لأثبات تلك الحقائق العقائدية والفكرية والاجتماعية التي يطرحها المجتمع والاسرة ومحاولته ايجاد اجوبة للأسئلة التلقائية التي تدور في خلده.
الجانب التربوي يستهدف بناء الشخصية
اما على الصعيد النفسي يتحول من حالة الانفعال السلبي القوي الى حالة الانفعال المتعقل ومن حالة التقوقع مع الذات الى حالة مواجهة الاحداث ومن حالة عدم اكتراثه للآخرين الى محاولة فهم دواعي سلوكهم والتعامل معهم وبذلك سيحول من انسان غاطس وخامل الى انسان متطلع الى مستقبله وخطط له.
يكتسب الحديث التربوي حول الشباب أهميةً خاصةً، لأنّه يستهدف بناء الشخصية، وهي في مرحلة التحول الأساسي، الذي يتميز بأنّه متعدد في عناصره المكونة لذلك التحوّل، كما أنّه ذو انعطافة حادّة على غير السياق التغيري الذي درج الشاب عليه في مرحلة ما قبل المراهقة والشباب، وحتى يختلف ـ عموماً ـ ومن حيث الحدّة عما يعتري شخصيته في المرحلة التي تلي الشباب.
فعلى المستوى العقلي مثلاً ينتقل من مؤمن بكل حقيقة إلى مستفسر عن أدلة اثباتها من مُجترّ ومكرّر للاهتمامات العقائدية والفكرية التي تطرحها عليه الاسرة والآخرون إلى مولّد ذاتي للأسئلة التلقائية التي تدور في خلده.
ومن الناحية النفسية يتحول من حالة الانفعال الذاتي (السلبي) إلى الانفعال البنّاء، من حالة الانكفاء على الذات إلى حالة المواجهة، من عدم الاهتمام بالآخرين إلى محاولة فهمهم التعامل معهم، من غاطس في افق حاضره إلى متطلع إلى مستقبله.
ومن الناحية الاجتماعية يتحول ـ غالباً ـ من رفض التعامل الاجتماعي إلى قبوله، من مستوى التزمّت في العلاقة إلى مستوى التعايش، من مستوى التطرف في القبول المطلق أو الرفض المطلق للمعطيات الاجتماعية إلى الفرز ـ القيمي ـ والقبول الانتقائي، من عدم مراعاة الجانب الاجتماعي إلى احترام العرف، من الاهتمام السطحي الجذّاب إلى محاولة التعمّق ووعي الحقيقة، من اللامبالاة إلى الشعور بالمسؤولية.
وعلى صعيد اسرته يتحول من حالة الرضوخ والانقياد الكامل للوالدين الى حالة الانضباط الذاتي من التلقي من الوالدين إلى التفاعل معهم كأصدقاء والتحول من حالة اللامبالاة الى الشعور بالمسؤولية وتحملها تجاه اسرته ومن اتخاذ الراي الاحادي دون الرجوع الى الاهل لاعتقاده بانه لا ينقصه شيء لاتخاذ القرار الى استشارتهم وتفهم رأيهم، اضافة الى العديد من التحولات التي لا تقل شأناً ان لم تضاهيها او تفوقها احياناً الوضع الغريزي ورفضه لحالت التبعية ونزعته للاستقلال وتطلعه لتحديد مساره العلمي والمهني وكذلك تخطيطه لعلاقته الزوجية وغيرها من المتغيرات التي يتعرض لها الشباب والتي تتفاوت بشكل نسبي من شخص لآخر، ونتيجة لهذه التغيرات فالشارع المقدس يتعامل مع الشباب على انهم مكلفون ومسؤولون عن كل تصرف من تصرفاتهم وانهم عرضة للحساب في كل عمل محرم يقومون به لا سامح الله وفي هذا السياق فقد افرد الشارع حزمة كبيرة من الاحكام الشرعية التي يجب على الشباب الالتزام بها منها تعامله مع الابوين واداء دوره العبادي وتحمل مسؤولية الزواج وحقه في التعلم ودخوله سوق العمل وعلاقته بالأخرين ودخوله عالم السياسة وبذلك دخلت الشريعة على شكل رقابة في حياة الشباب سواء مارست هذه الرقابة بشكل مباشر او من خلال السياق الجمعي الذي يسيره المجتمع وهو ما يسمى بالـ(العقل الجمعي).
الجانب المعرفي في حياة الشباب يأتي من خلال امرين:
الاول: الحس الاجتماعي لديه ما يعطيه الدفعة الكافية من الرصيد يتوافق مع رغبته الفعالة ويتفاعل مع قناعاته بالصورة التي تجعله جزءاً من الواقع الاجتماعي الذي يشترك معه في المتطلبات والأهداف والمعايير.
الثاني: وهو تقيد حركة الشباب من قبل المجتمع مما يحمله مسؤولية مراعاة الآداب الاجتماعية العامة سيما وان الشريعة راعت بعضها وتركت للمجتمع ممارسة سلطته في مراقبة البعض الاخر منها وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة اتباع عدة قواعد ومحددات عند تربية الشباب وهي: تنميته في النواحي العلمية والثقافية ومقارنة الفارق الذي يحصل على شخصياتهم بين زمن وآخر جرّاء تحليّه بصفات معينة واعتياده على ممارسات ما ومراعاته للياقات اضافية لم يكن قد تحلّى بها أو راعاها سابقاَ وهنا تكون العملية اشبه ما يكون بوضع الاساس او اللبنات لبناء جدار عال يحمي اهله من التدخلات الخارجية شريطة ان يكون ترابط وتفاعل بين وحدات هذا البناء.
فالعملية التنموية تهدف الى ان يتزود الشباب بالفكر الصحيح ومن ثم يحولون الفكر الى ممارسات وبتقادم الزمن وزيادة تحصيله الثقافي والعلمي والاجتماعي تتكون لديه عوامل يمكن أن تصبّ في إثراء مسيرته الحياتية هذا هو باختصار ما نريده من مفهوم التنمية وثاني الامور التي يجب ان نلتفت اليها في تربية الشباب هي الاصالة فهناك من يتخذ من القدم اصلا واساساً في التعامل والتقييم ومن ذلك نفهم ان الاصالة هو الابقاء على القيم القديمة التي تربى عليها المجتمع الاسلامي وبذلك حافظنا على اصالة القدم وهي كفيلة بان تضعنا على الطريق الصحيح وتعديها يعتبر خروج
على المألوف.
وربما في الاصالة شيء من الخطأ اذا كان القديم هو ناشز وغير متفق مع الشارع المقدس والقيم والاخلاق وقد بين القرآن الكريم هذه الطبقة او الشريحة من المجتمع في آيات عدة منها قوله تعالى (بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون، إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنّا على آثارهم مهتدون)، فقد كان لهذه الشريحة موقف سلبياً من التحول او التغير الذي فرضته الظروف والمعطيات الجديدة لأنّه من وجهة نظرها يمسّ المقدس فحاربت كل جديد وتحفظت عليه وفاءً لذلك (المقدس) اما الاصالة الاسلامية وفق هذا الفهم هو التوحيد أصل يتفرع منه كل الاعتقادات وهو ذات الأصل الذي يمد الأخلاق بالنمو، اذن فالأصالة لها كفة سلبية واخرى إيجابية، بعد ان بينا الاصالة لابد من العروج على التجديد الذي عيد عكس الاصالة وهو يعني ان نتحدث بلغة يومنا هذا فلطالما بقيت مرتبطا بالماضي غير محاول لمغادرته فانت لست مجدداً ولطالما طرحت افكارك بأسلوب لايعتمد الطريقة المعاصرة في الطرح فانت معاكس للتطور الذي ينشده الجميع لكن ليس على حساب الاصالة الايجابية لا السلبية.